الثلاثاء: 19/11/2024 بتوقيت القدس الشريف
خبر عاجل
الاحتلال يطلق النار على شاب عند حاجز مخيم شعفاط

صراع الفكر والسياسة

نشر بتاريخ: 19/05/2015 ( آخر تحديث: 19/05/2015 الساعة: 15:07 )

الكاتب: أيمن هشام عزريل

يمكن القول أن التسامح يعني الاحترام، والقبول، والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا، ولأشكال التعبير، وللصفات الإنسانية لدينا، ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة، والانفتاح، والاتصال، وحرية الفكر، والضمير، والمعتقد أنه الوئام في سياق الاختلاف، وهو ليس واجباً أخلاقياً فحسب وإنما واجب سياسي، وقانوني أيضاً، والتسامح هو الفضيلة التي تيسر قيام السلام، ويسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب، وتمثل هذه الأفكار المقدمات الصحيحة، التي لا يمكن بدونها الحديث عن نتائج، وتقدم على صعيد العلاقات السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية بين الدول، والشعوب، حتى على صعيد البلد الواحد، هذا ما تم الإعلان عنه من الأمم المتحدة حول التسامح، ولكن هذه الأفكار لم يتم تبنيها، والعمل بموجبها.

فعلى المستوى العالمي، أوضحت التجربة الماركسية – اللينينية، ونموذجها السوفيتي أن ( الماركسية لم تسقط كمنهجية، ولكن سقط مشروعها الراديكالي لتغيير العالم)، والذي دفعه إلى إتباع رؤية تقوم على أن أي نقد يوجه لهذه التجارب هو بمثابة تآمر، وخيانة عظمى لا يمكن السكوت عليها تحت ذريعة مواجهة النظام الرأسمالي، وكان من أبرز نتائج هذا التوجه هو الجمود، والانغلاق، وعدم الانفتاح على الصعيد الداخلي، وهذا ما قاد إلى غياب المبدأ الحاكم في الأحزاب الماركسية– اللينينية ألا وهو مبدأ (المركزية الديمقراطية)، وتراجع الحديث عن ديكتاتورية البروليتاريا باعتبارها الطبقة المؤهلة لقيادة التحولات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية نحو المجتمع الشيوعي لصالح اللجنة المركزية، والأمين العام للحزب، وهذا ما قاد إلى اتساع دور الدولة، وحد من حق النقد، والحوار، وتشخيص الأخطاء، وكان السبب في وأد روح المبادرة، والإبداع.
أما المعسكر الرأسمالي، فكان يرى في الاتحاد السوفيتي، ودول أوروبا الشرقية أنظمة سياسية ديكتاتورية لا تقيم وزناً للديمقراطية، وحقوق الإنسان من خلال تصوير الولايات المتحدة، والغرب كقلعة للحرية.

وتمحور شكل الصراع بين القوتين العظميين الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي في ثلاثة محاور، صراع فكري بين الرأسمالية، والشيوعية بما له من انعكاسات اقتصادية، وسياسية، وصراع عسكري، وبشكل أدق سباق تسلح تقليدي، ونووي بحيث أصبح أي تقدم يحرزه طرف يمثل خسارة للطرف الأخر، وصراع على النفوذ، والحلفاء خاصة في العالم الثالث تبلور في صورة نزاعات إقليمية.

ولم تكن بلدان العالم الثالث، والوطن العربي على وجه التحديد خارج حلبة هذا الصراع، بل أن هذا الصراع كان في أغلب مراحله بين هذه الشعوب، ومع السياسات الغربية التي كانت تقاتل على مختلف الجبهات من أجل هدف واحد هو مصالحها، والموقف من العرب، أو من الإسلام، أو من أية دولة أخرى في العالم يتغير دائماً، وقد يقفز من النقيض إلى النقيض إذا اقتضى ذلك، عندما تمس مصالح الغرب، أو يكون هناك ما يتهددها.

وهذا الصراع، وما يزال ضد الغرب، لا كشعوب، وحضارة بل ضد سياسته الاستعمارية وهيمنته الامبريالية، وهذا ما أشار إليه الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، أننا نعيش في عالم تنفرد فيه الولايات المتحدة كقوة عظمى ... فالزعامة الأمريكية للعالم سوف تبقى عنصراً لا غنى عنه عبر العقود القادمة، ويضيف أن العالم يحتاج إلى قيادة أمريكا عسكرياً وسياسياً، واقتصادياً، وأكثر من أي شيء أخر يحتاج العالم إلى قيادتنا في مجال الفكر.

إن عالماً يفتقر إلى العدل وإلى الاعتراف بالآخر، وبحقه في امتلاك خصوصية خاصة به وفي تقرير مصيره سواء كان هذا الآخر فرداً، أو أقلية دينية، أو عرقية، أو كان شعباً، أو أمماً مبني أصلاً على الظلم، فلا معنى لرفع شعار التسامح ما لم يكن مقروناً بالعدل، الذي ينطلق من حق الغير في الاختلاف، والتعبير عن أفكاره وسياساته، وفقاً لقواعد يحددها الغرب وفي ظل ظروف تخدم مصالحه السياسية وأهدافه.

وعلى صعيد الوطن العربي، فمن وجهة السياسيين العرب، لقد تردد لدى مؤرخي هذه الفترة الجديدة أنها تبدأ بعد الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٤٥، ولذلك سميت فترة ما بعد الحرب على الرغم من كون الحرب حدثاً خارجياً غير منبثق من تاريخ العرب أنفسهم، اكتشفنا أن الاتجاهات الغالبة في الشرق العربي من فكرية، واجتماعية، وسياسية تندرج في مجملها تحت الظاهرة التوفيقية التي تعود بجذورها إلى التوفيقية الإسلامية (الدين والعقل)، وبين مختلف المؤثرات المتباينة، والمتعارضة التي هضمتها الحضارة العربية الإسلامية بعد أن قامت بعملية التوفيق فيما بينها، وعند الوقوف على طبيعة العلاقة فهناك أربعة تيارات سياسة تنازعت فيما بينها طيلة القرن الماضي، وهي التيار القومي، والتيار الليبرالي، والتيار الماركسي، والتيار الإسلامي، كان كل تيار سياسي يشدد على منطلقاته الفكرية، والرؤية السياسية التي يطرحها، فالتيار القومي يشدد على الوحدة العربية لأن تحقيقها سيفضي إلى تحقيق الحرية، والاشتراكية، والتيار الليبرالي يرى أن مشاكل الوطن العربي تكمن في غياب الحرية، والديمقراطية، وللتيار الإسلامي منحى أخر حينما يؤكد أن الحفاظ على الهوية هو المفتاح لحل المشاكل الأخرى، والتيار الماركسي الذي يشدد على هدف الاشتراكية.

وفي المحصلة النهائية لم يتحقق شيء على أرض الواقع ولا زالت المشكلات على حالها وأصبحنا بعيدين عن الوحدة العربية، وبات الحفاظ على الهوية مهمة شاقة، وعسيرة، وتبخر حلم الاشتراكية، ولم تتحقق الديمقراطية، نحن في حاجة ماسة إلى مستوى جديد، وعال من الجد، وخطاب شامل جامع يعلو على الخطابات الفرعية وإلى رؤية، ومشروع يشمل تحقيق الحريات الأساسية للإنسان، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ويحقق الأصالة الحضارية.

ومثل هذا المشروع يتطلب مشاركة واسعة من قبل النخب السياسية، والحزبية الحقيقية في السلطة، وخارجها، ورجال الفكر، والثقافة، والإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني، لأن التحدي الأساسي الذي يواجه العالم العربي، يتعلق بقدرتنا على اللحاق بالركب الحضاري، وهذا يتطلب تقديراً سليماً لحاجاتنا الملحة، ومتطلباتنا الأساسية بشأن التغيير، والتقدم، عبر التطور والوسطية، والاعتدال، وهو ما نطلبه لأنفسنا.