نشر بتاريخ: 21/05/2015 ( آخر تحديث: 21/05/2015 الساعة: 11:59 )
الكاتب: د. مجدي شقورة
لكل رؤساء العالم مستشارين، ولهم أدواتهم ووسائلهم في معرفة الحقيقة، لأن عمل الرئيس في أيامنا هذه يتطلب جلوساً في المكتب ولقاءات مع المسئولين وضيوف البلاد واجتماعات ومؤتمرات لا تعد ولا تحصى، وسفر إلى الخارج وحضور أنشطة وفعاليات دولية، وبالتالي فإن مسألة معرفته بأدق تفاصيل الحياة اليومية لأبناء شعبه تبدو مستحيلة لو اعتمد على نفسه فقط، فالإنسان في نهاية الأمر طاقة ومقدرة، وهو في النهاية إنسان، يتعب ويكد ويشعر بالإرهاق، ولو اعتمد الرئيس على ما يصله من تقارير أعدها أناس يحيطون به، وهم بشر كذلك يحبون ويكرهون ويتعصبون ويتحزبون ويثأرون ويتأثرون، لكانت قراراته مبنية على رغبة هؤلاء في الكراهية والعصبية والتحزب والثأر، وعندها ستبدو القرارات غير شعبية، وغير ذات صلة بهموم الناس ومعاناتهم ووجعهم، فما بالك بالحياة اليومية الفلسطينية التي تتجاوز بتعقيداتها ظروف العيش في أي بلد آخر على وجه البسيطة، وللرئيس نشاطات تتجاوز حدود هموم المواطن اليومية لتصل إلى طموحات الشعب وأمانيه في الحرية والاستقلال، ومن هنا جاءت ظاهرة المستشارين الذي يعدون بالعشرات في الحالة الفلسطينية الراهنة، لأسباب تتعلق بالاحتلال والانقسام والترامي الجغرافي لأماكن تواجد الفلسطينيين وتعدد الملفات والقضايا التي تشغل بال الشعب الفلسطيني.
قبل أيام طالعنا مقالة لسياسي فلسطيني وكاتب معروف يطالب الرئيس محمود عباس (أبو مازن) أن يعين مستشاراً لشؤون قطاع غزة، والفكرة على غرابتها من وجهة نظر البعض، إلا أنها فكرة تستحق أن يُلتفت لها، وأن يُنظر فيها، وأن تكون موضع اهتمام من طرف الرئيس، لأن ما نلاحظه من قرارات وتصريحات تتعلق بقطاع غزة، يبرهن على أن هناك نقص حاد في المعلومات المتاحة عن قطاع غزة، أو أن القطاع قد تحول في نظر البعض من صناع القرار إلى (ملف أمني)، وبالتالي يكتفون بتقارير (المندوبين) الذين لا همّ لهم سوى الإساءة لأناس، وتعكير صفو عيش آخرين، وقطع ما تبقى من (شعرة معاوية) بين غزة ومركز القرار الفلسطيني، وبالتالي فإن المطلوب هو مستشار للرئيس من قطاع غزة، ويعمل في قطاع غزة، ويتواصل مع الرئيس يومياً، بعيداً عن تعقيدات البيروقراطية الحكومية، ويضعه في صورة الواقع، واحتياجات الناس، وظروف العيش في قطاع غزة، لأن المسؤولية أمانة، وهي أمانة لم يحملها البعض بالشكل الذي ينبغي أن يكون، فضيعوها وأضاعوا معها أهل غزة.
الواجب يُملي علينا أن نطالب الرئيس بأن يختار مستشاراً، أو هيئة مستشارين من سكان القطاع، يقودون فريق عمل متكامل، متخصص في كل المجالات، يقدمون تقارير وافية، ويتلمسون هموم الناس واحتياجاتهم، ويتحينون كل فرصة لنصرة الضعفاء، مستشارين لا يهمهم مراكز القوى ولا مواقع النفوذ، لا تغريهم السياسة ولا تعربد عليهم مواطن القوة، يؤثرون الضعيف على القوي، والمظلوم على الظالم، وينهضون بفكر حضاري من أجل إعادة بناء منظومة سياسية وإدارية قائمة على فكرة العدالة للجميع، ويحملون معهم هم غزة، ويقدمونه في صورة لا تقبل التأويل، ولا تأخذهم في مواقفهم المحترمة لومة لائم، بل يواصلون الصراع في مواجهة "كتبة التقارير الوهمية"، ويتحينون الفرصة السانحة لمقارعة من يعتقد أن غزة، التي حملت الوجع الوطني وحدها لحقب طويلة، هي مجرد أداة في يده ووسيلة يضغط بها على خصومه.
آن الأوان أن ينهض الجميع بمسؤوليتهم تجاه معاناة غزة، وأولى خطوات تحقيق ذلك هي الاجتهاد الرئاسي بتعيين أشخاص قادرين على ملأ الفراغ الذي تركه غياب التنظيم القوي والمؤسسة الحكومية القوية والمؤسسات التي تعنى بالخدمة العامة، وينبغي أن ترتبط هذه "المستشارية" بمؤسسات ملحقة بمكتب الرئيس مباشرة، كي يسهل عليها تقديم الخدمة دون المرور من بوابة البيروقراطية القاتلة، وأن ينصب عملها بكثافة على جيل الشباب والفئات الأكثر تهميشاً في المجتمع الغزي، وأن تكون قادرة على قول الحقيقة والمجاهرة بها في وجه كل الدنيا، وألا تثبطهم رهانات البعض على شراء ذمم الناس مقابل صمتهم على جريمة ترتكب يومياً بحق غزة التي تستحق أن نفتديها بالمهج والأرواح.