نشر بتاريخ: 21/05/2015 ( آخر تحديث: 21/05/2015 الساعة: 15:01 )
الكاتب: احمد حنون
احتشد محبو الثلاثي جبران في قصر رام الله الثقافي بهدوء واستعدوا لقضاء امسية جميلة ممتعة ساحرة فنيية بامتياز لينثر العازفون على مسامع الحضور فنا عربيا اصيلا ، ولكنهم لم يعرفوا انهم احتشدوا الى مهمة انسانية نبيلة كانت حاضرة بانتظارهم ، دونما اعلان مسبق ودونما ضجيج بان ريع الحفلتين ذهب بالكامل الى حيث المخيم وشعب الخيام في اليرموك ، الفنان سمير جبران قائد الفرقة اوضح إنه تم تخصيص ريع امسيتين فنيتين لصالح مخيم اليرموك " أقل ما يمكن أن نساهم به لمساعدة أهلنا في المخيم ، ونحن اليوم نسد بعضا من ديون الحب التي منحنا إياها شعبنا".
شق الثلاثي جبران طريقهم الى العالمية بخطا ثابتة وجهد ومثابرة ، اسس الثلاثي سمير ووسام وعدنان جبران فرقة عود موسيقية فلسطينية نصرواية ، يتنقل الثلاثي جبران بين فلسطين وباريس التي تعد مكانا لإقامتهم ومنها ينتقلون ويجوبون العالم. وقد رافق الثلاثي جبران الشاعر الراحل محمود درويش ثلاثة عشر عاماً، في اهم العروض في معظم دول العالم ، وفي حفل افتتاح القدس عاصمة الثقافة العربية عام 2009 ، كسبوا من خلالها شهرة تجاوزت المحيط إلى العالمية في التأليف الموسيقي ، جميعهم يتقنون التأليف الموسيقي والعزف على آلة العود ، بينما يتولى وسام صناعة آلاتهم ، هذه الحرفة التي ورثها عن والده وطوّرها بالدراسة في معهد أنطونيو ستراديفاري في إيطاليا. وهي أول فرقة في تاريخ الموسيقى الشرقية تضم ثلاثة عازفي عود.
في اقتباس متأصل في حب العطاء والتوازن الذي دعا اليه شاعرنا الكبير محمود درويش ، وعبر لافتة مضيئة كبيرة بألوان زاهية وصورة جميلة من الامل والتفاؤل تلح علينا الطلب بالتفكير بالغير فكر بغيرك ولا تنسى شعب الخيام ، صورة نرسمها ابداعا ونحن نفكر بغيرنا ، وعادة يخصص الثلاثي جبران ريع حفلاتهم للتبرع بها لطلبة فلسطينيين في بيروت وغزة ، ولصالح مشاريع خيرية وأخرى إغاثية كمخيم اليرموك ، كان الثلاثي جبران هناك معهم بين ازقة المخيم يحاولون رسم البسمة رغم الحصار والدمار ، دون ان يقولوا لنا انهم هناك حتى اذا وصلوا الى قلوبنا وصلوا حيث المهمة الانسانية في الوصول الى هناك ، لم يخبرونا انهم سيأخذون انتباهنا وانصاتنا وتصفيقنا معهم لتصبح جزءا من الصورة ، ولتكسر حالة التفكك لتعلن اننا معكم يا اهلنا في مخيم اليرموك ، الذي يعيش فيه اللاجئين أوضاع اللاجئين مأساوية بحسب الناطق باسم وكالة الغوث ، وكان في المخيم ما قبل بدء الأحداث التي تشهدها سوريا ما بين 160-180 ألف لاجئ، تقلص عددهم حتى وصل إلى نحو 18 ألف لاجئ.
ليس بعيدا عن المكان يرقد شاعر الانسانية الفلسطيني محمود العربي درويش ، ليتحدث بلسان جبران خليل جبران ما دمنا نتحدث عن الثلاثي جبران فالحالة الفلسطينية واللبنانية تتشابه حد التطابق بين الحالتين وان كان جبران خليل جبران اللبناني جمع جبرانين من التفاؤل والامل في اسمه ، فان للثلاثي جبران نصيب منه وقد زادوا عليها فنا وابداعا وعطاء ، ليقول جبران وكما كتب على قبره " أنا حي مثلك ، وأنا واقف الآن إلى جانبك : فاغمض عينيك والتفت ، تراني أمامك " فكان امامنا درويش وكل المبدعين الذين وصلوا الى العالمية يشدون على الايادي ويردد وصيته بان لا تنسوا شعب الخيام ، ليعلن سمير جبران على هامش الحفل، باننا "صدحنا اليوم مع صوت الشاعر محمود درويش، وقدّمنا موسيقى لم تخلُ من المتعة"،وليعلن انحياز درويش للفكرة وللمخيم الذي كان يحبه ويشعر به رمزا وقيمة معنوية كبيرة لمستها عن قرب من شاعرنا الكبير ، في محبة نابعة من مكنونات الذات الانسانية لجبران الشاعر والكاتب والرسام اللبناني الذي اشتهر في العالم وترجمت اعماله إلى أكثر من خمسين لغة .
واعتقادي اننا عندما نتصرف كشعب يشعر ببعضه يتكافل يتراحم ، فاننا شعب جسد دولته بالعطاء والمباديء والاخلاق وعمد نضاله بالمحبة والتقدير والاحترام والقيم النبيلة ، التي تفرض علينا ان نألم لآلم اهلنا ونتوجع لمعاناتهم وألمهم ، ولكن الاهم ان نخرج من البكائيات نحو العمل والفعل المؤثر المنتج ، دونما ضجيج او شعارات لا طائل منها ، فقد تكون الخطوة بالاتجاه الصحيح اهم بكثير من رفع الشعارات وتقديمها على العمل ، ان خلق الامل والتفاؤل يكون بالانجاز والعمل والشعور بالغير ، وكم كان جميلا ان يتبرع موظفي القطاع العام الفلسطيني بيوم عمل اي ما يعادل 5 ملايين دولار اضافة الى اقتطاع 1% من رواتب المتقاعدين ، الذين عبروا كذلك عن دعمهم ومساندتهم لمخيم اليرموك واللاجئين الفلسطينيين .
وكم هي مقدرة تلك الجهود التي تؤمن بالعطاء كقيمة انسانية نبيلة التي تساهم في بناء مجتمع التكافل ، وتساهم من خلال مسؤوليتها الاجتماعية والوطنية في العطاء من اجل اهلنا ولمجتمعنا ، وفي الجهد الذي بذل في انشاء صندوق الرئيس ابو مازن لمساعدة الطلبة الفلسطينيين في لبنان وتأمين التعليم الجامعي للطلبة ، وحتى لا اكون اتحدث عن نفسي كوني من مؤسسي الصندوق ، فانني اطالب الرئيس ابو مازن ان يتم تأسيس صندوق خاص للطلبة الجامعيين للمخيمات واللاجئين والمحتاجين ، وان يتم تمويله من صندوق للمسؤولية الاجتماعية بنسبة 5% من صافي الارباح السنوية للشركات ، مع علمي بان هناك شركات تقوم بهذا الامر، ولكن يمكن ان يعمم على الشركات والافراد بان يتكفل المقتدرون بعدد محدد في كل عام ، وادعو ان تكون الامسية القادمة لهذا الغرض ، والتحضير لافطار رمضاني لرجال الاعمال الفلسطينيين ربما في الاردن لهذ الغرض وبحضور الرئيس لحشد التمويل المطلوب ، لغاية اليوم لم اسمع عن رجل اعمال فلسطيني خصص مبلغا كبيرا من خاص ماله لهذا الغرض كما هو الحال من قبل رجال اعمال في دول اخرى ، علما بان ما يخصص في امريكا من تبرعات للعمل الخيري والانساني والتعليم يقدر سنويا باكثر من 300 مليار دولار ، ان انشاء صندوق موحد يبن مدى مساهمة كل رجل اعمال بشكل واضح حتى يكون هناك منافسة في العطاء وعمل الخير وليس منة ولكن كمال قال الفنان سمير جبران وهو من خريجي مدرسة محمود درويش فكر بغيرك " ونحن اليوم نسد بعضا من ديون الحب التي منحنا إياها شعبنا" ، وانا شخصيا اشعر بالفخر لابداع الثلاثي جبران ولما حصلوا عليه من تكريم وخصوصا من الرئيس التركي رجب طيب اردوجان فهذا تكريم لكل الشعب الفلسطيني .
•