الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

ورام الله من الخلف تشبه مخيم لاجئين

نشر بتاريخ: 24/05/2015 ( آخر تحديث: 25/05/2015 الساعة: 14:48 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

من خلال عملي كصحافي التقي بأنواع مختلفة من المواطنين ، والمسؤولين ، ورجال الاعمال والفقراء والمتدينيين والملحدين والوطنيين والمنافقين والسلبيين والمتفائلين ، ولكن معظم الناس تنتقد الحكومات والوزارات في غزة وفي الضفة الغربية ، وهي ظاهرة تنتشر بشكل اضطرادي وكأنها متلازمة المواطنة في الارض المحتلة .

هناك انتقادات صحيحة وهناك انتقادات مغرضة ، وهناك انتقادات هدفها ان ينتبه المسؤول لصاحبها فيجزل له العطاء فيكون كمن تسلّق على اّلام الضعفاء ليحقق شيئا لذاته ، وكثير من الانتقادات لمكاسب شخصية او حزبية او جهوية . ولكن ذلك لا يعني ان في فلسطين رجال ينتقدون لانهم يدافعون عن الوطن وعن القضية ، ولا اقصد الجنرال المتقاعد الذي يأخذ راتبا شهريا 8 الاف شيكل أو اكثر ولا شغل له من الصباح وحتى العشاء سوى شتم الوزارات والمسؤولين بلا كلل ولا ملل وبسبب ومن دون سبب ، فهذا كائن طفيلي تافه يتعمشق على الام الضحايا ويقول ما لا يفعل .

هناك من قرر في حياته ان يعطي الوطن ، وهناك من قرر ان يكرس حياته ليأخذ من الوطن وانا لا ارى اي مشكلة في الطرفين ، فكلاهما منسجم مع مستواه الثقافي ومفهومه للوطن . ولكن ان تتحول ظاهرة السلبية الى مرض خطير يعدي فئات المجتمع فهذه مصيبة .
من خلال عملي ايضا ارى أن العدوى انتشرت ، والوزراء قبل الفقراء ، والعقداء قبل العقلاء ينتقدون ويشتمون ، ويكتبون ويزبدون ، فيما القضايا المهمة في الوطن تركت دون مسؤولية . القدس تركها القادة والمسؤولون نزلوا عنها كما نزل المسلمون عن جبل احد ، وملف حق العودة تحوّل الى لازمة في بيان تصدره منظمة التحرير او المجلس الوطني ويحظى باقل عدد قراء على الاطلاق ، والاقصى بيد الله وبيد حزب التحرير ، والجامعات تتناحر على من يفوز في مجلس الطلبة ، والبلديات تترنح بين الواجب والميزانية وتخلو من اي لمسة هندسية راقية ، والمحافظ اصبح يعمل مثل الاطفائية لاخماد النيران هنا او هناك بدلا من التخطيط الاستراتيجي وتنفيذ المشاريع والاشراف على عمل الاجهزة والبلديات !!!

مؤخرا حصلت على تصريح لدخول القدس والخط الاخضر ، لاول مرة منذ 15 عاما احصل عليه بشكل دائم ، وفي الحقيقة انني منذ العام 1985 لم ادخل القدس عمليا ، ولغاية الان لم ادخل مطار اللد لاسافر منه الى العالم - مرة واحدة في حياتي سافرت من هناك - لقد مر زمن طويل، ولكنني حين مشت بي السيارة على طريق 443 غرب اراضي عين عريك ورأيت مستوطنة موديعين وهندستها الجديدة ، ورايت الطرق الجديدة التي شقتها اسرائيل من بيت صفافا للمالحة ، وقطعت طريق " عابر اسرائيل " انتابني حزن شديد ، حزن عميق ، حزن قاتل ... سألني رجل الاعمال طارق النتشة مالك تنظر الى رام الله بكل حزن ؟ قلت : رام الله تبدو من هنا " من الخلف " تشبه مخيم لاجئين ولا يبدو عليها الهندسة ولا التصميم الحديث ، انها عشوائية كبيرة من الاسمنت الكثير . وجميع مدن الضفة صارت تشبه مخيمات اللاجئين لا هندسة عامة ولا ترتيب وكل واحد يبني لنفسه ما يريد ما جعل جميع مدن الضفة تشبه المخيمات او تشبه مجمعات كراج السيارات !!!

عند نصب عملية دلال المغربي ، وقفت قليلا ، مشيت حيث مشت دلال المغربي على شاطئ هيرتسيليا ونفذت العملية في العام 1978 ، ورايت حول النصب ناطحات سحاب هيرتسيليا ويافا وتل ابيب والبورصة وبرج عزرائيلي وقيساريا وجسر الزرقا ، رأيت حيفا وهي اجمل من موسكو وبرلني وباريس واجمل من واشنطن واجمل من بيروت والقاهرة ، ورأيت عكا لا تزال تحمي سورها بعدما خانها السور ، رأيت كيف تغيرت الاسماء من دير طريف الى شوهم ومن لفتا الى جفعات شاؤول ومن راس ابو عمار الى سور هداسا .
حاول مضيفي ادخال البهجة في قلبي ، وطلب وجبة سمك في مطعم في ميناء يافا القديمة ، مقابل مطار دوف ، ظل قلبي باردا وظل عقلي حائرا ، ثم عدت مرة اخرى الى بيت لحم فوجدت الجميع في وطني ينتقدون السلطة ويشتمون الاحزاب.

صورة معاكسة - صديق اخر جاء من غزة ، واعجبته رام الله جدا جدا جدا ، وحين سأله الزميل احمد عودة : كيف ترى رام الله ؟ اجاب : حين شاهدت رام الله الجميلة تذكرت اننا نحن اهل غزة كما قال عنا الممثل عادل امام في مسرحية شاهد ما شافش حاجة حين قال : سايبين الشقة كلها وقاعدين بغرفة وحدة ؟
السلطة دبور ، لا تنتج عسلا ... وانما المواطن هو الذي يصنع السلطة وهو الذي يحميها وهو الذي ينجحها وهو الذي يفشلها ، وهو الذي يبنيها وهو الذي يهدمها ....نقطة نظام - نحن السلطة ونحن الشعب ، والسلطة لا تقرر مصيرنا ابدا ، نحن نقرر مصير السلطة ومصيرنا .

نحن السلطة ، وكما نكون يولّى علينا .