نشر بتاريخ: 26/05/2015 ( آخر تحديث: 26/05/2015 الساعة: 12:20 )
الكاتب: نبيل دويكات
قبل عدة أيام نظم موظفوا إحدى أكبر مؤسسات حقوق الإنسان في فلسطين تحركاً جماعياً إحتجاجياً تحت شعار "االمساواة وعدم التمييز"، وتحركهم كان موجهاً بالأساس للهيئات القيادية لهذه المؤسسة العريقة في متابعة ورصد إنتهاكات حقوق الإنسان، ودأبت المؤسسة التي يغطي طاقم موظفيها كل محافظات الوطن على فضح هذه الانتهاكات والمطالبة المستمرة بوقفها. وقبل عدة أشهر شهدنا أيضا تفجراً لنزاع عمل بين إدارة وموظفي إحدى المؤسسات التي تعني بالدفاع عن حقوق العمال والموظفين، وبين هذا وذاك، وقبله وربما بعده أيضاً شهدنا وسنشهد "أزمات" مشابهة من نفس المضمون والعنوان، إنتهاك حقوق الإنسان (عمال، موظفين، رجال، نساء، شباب، معاقين.. وغيرهم) من قبل إدارات مؤسسات تعمل في ذات المجال الذي تم و/أو يتم إنتهاكه، وهذا بحد ذاته ينبغي أن يكون كافياً لدق ناقوس وجرس إنذار عالي يصم ليس فقط آذاننا، وإنما يحرك أدمغتنا للتفكير في بعض الأمور التي سأوجزها في هذه المقالة بالامور التالية:
اولا: الحديث عن الموضوع لا يعني التعميم، بل ان التعميم بحد ذاته لا يقل خطورة عن الإنتهاك، أو ربما هو إنتهاك لحق الإنسان في الإطلاع والتمحيص والفحص. وللموضوعية فإن هناك أوجه مشرقة لدور وعمل مؤسسات حقوق الإنسان لا ينبغي تجاهلها، بل يجب التركيز عليها وإبرازها كنماذج للعمل والنضال الحقيقي في كل مجالات وجوانب حقوق الإنسان، بما في ذلك جوانب العمل المؤسسي الداخلي.
ثانيا: رغم أنه من الخطأ التعميم إلا أن القلق من التعميم لم يعد كافياً كسبب للصمت والسكوت على انتهاك حقوق الإنسان، لأن الإنتهاك في هذه الحالة مضاعف من ناحية، وسيطال تأثيره كل من يعمل في هذا المجال. ولذلك فإن عبارة "عدم نشر الغسيل الوسخ" لم تعد مناسبة للوضع، لأن عدم نشر الغسيل الوسخ في هذه الحالة هو إعادة ارتدائه مرات ومرات. وهذا باعتقادي مسئولية تقع على عاتق الهيئات والائتلافات والمنظمات القطاعية العاملة في مجال حقوق الانسان.
ثالثا: هناك جملة من الأسئلة والتساؤلات التي يجب طرحها حول "الدور" الذي تقوم، أو يجب ان تقوم به الهيئات القيادية والتوجيهية لهذه المؤسسات، ومدى النجاح الذي تحققه في إيجاد الإنسجام والتوازن بين الرؤى والتوجهات وبين النظم والاجراءات الداخلية وإدارة العمل والفعل اليومي لهذه المؤسسات والهيئات.
رابعا: هناك أيضا جملة من الأسئلة والتساؤلات التي يجب طرحها حول آليات وطرق المتابعة والتقييم للأداء الفردي والجماعي، وهي أسئلة مرتبطة ايضا بنظم وإجراءات الشفافية الداخلية والمساءلة والمحاسبة داخل هذه المؤسسات. السؤال الذي نجده دائماً مطروحاً هو : من يحاسب من؟
بسبب قربي وعلاقاتي الجيدة في هذا الحقل فإنني لا أفشي سراً إذا قلت أن هناك حالة متعاظمة من القلق والغضب تسود في أوساط واسعة من العاملين في مؤسسات حقوق الإنسان حول إنتشار العديد من مظاهر الترهل وسوء الإدارة وإنتهاك لأبسط الحقوق للعاملين لصالح "نخبة" أو مجموعات نخبوية تقف على رأس الهرم الإداري في بعض هذه المؤسسات، وهذه سأتحدث عنها بشكل اوسع في مقالات قادمة. ولا أفشي سراً إذا قلت أن هناك جهداً كبيراً يُبذل في هذا القطاع لإعادة تصويب الوضع من خلال جملة من الإجراءات التي تهدف الى تحسين آليات وطرق الرقابة والمتابعة والمساءلة داخل هذه المؤسسات، وهو ما يستحق منا التقدير والدعم. وجرس الإنذار الذي أطلقته التحركات التي اشرت اليها أعلاه إنما يجب أن يكون بإتجاه التسريع في وتيرة عملية التصويب، وتوفير الغطاء والدعم المعنوي لها.
وجود وإستمرارية مؤسسات حقوق الإنسان في فلسطين مرتبط بشكل وثيق بحقيقة نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المختلفة المنتهكة على مدار عدة عقود من الزمن. ومرتبط بحق شرّعته كل المواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان وهو حق الإنسان في العيش بحرية وكرامة والتخلص من الإحتلال الذي هو الأصل والسبب في كل انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني في كل المجالات. أي أن شرعية وجود وإستمرار هذه المؤسسات مرتبط بشرعية الحق، وبما أن حقوق الإنسان عالمية وأصيلة ولا تتجزأ فإنه لا يمكن حرمان أي مدافع عنها من حقوقه الإنسانية المختلفة، لأن ذلك إنتهاك للمبدأ ومساس بالشرعية. وهكذا الأمر في مؤسساتنا التي لا يمكنها التقدم الى الأمام، فضلاً عن أنها قد تخسر شرعية ومبررات وجودها، إذا لم تحسم أمورها في العمل على تحقيق التكامل والإنسجام بين الرؤى والتطلعات ومناهج وآليات العمل والإدارة في كل المستويات ابتداءا من الإنسان، لأنه ببساطة شديدة لا يمكن لأنسان مقموع ومنتهك الحقوق أن ينجح في قيادة شعب يناضل من أجل حقوقه.