الثلاثاء: 19/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

فلسطين أمام واقع دولي وإقليمي

نشر بتاريخ: 26/05/2015 ( آخر تحديث: 26/05/2015 الساعة: 20:44 )

الكاتب: عثمان أبو غربية


تيقنت الولايات المتحدة وربما الكثير من حلفائها أن حل الدولتين أصبح متعذراً، ليس بسبب سياسات نتنياهو فحسب، وإنما كذلك بسبب الانجراف إلى التطرف في أوساط كيان الاحتلال.

ومما يزيد الطين بلة الإنهيار الإقليمي المحيط في الوسطين العربي والإسلامي، من خلال السقوط في دوامة التدمير الذاتي، حيث تصبح جميع الأطراف أدوات في تدمير ذاتها ونقاط قوتها ونطاقها سواء أدركت ذلك أو ربما البعض لم يدركه.

تتفاقم أزمة الاقليم ويتسع نطاق صراعاته، وتستخدم الولايات المتحدة الأطراف أدوات في لعبتها من حيث يدري غالباً كل طرف أو ربما كذلك من حيث لا يدري،وتقوم بتغيير الأدوات والأسماء وتجديدها وتجديد صيغ لها، وتحاول في نفس الوقت إخفاء بصماتها وأحياناً اعلانها معارضة أدواتها الأكثر تدميراً، لأن ذلك ضروري لتنفيذ المخططات، ولأن الارتباط بمثل هذه الصيغ من الأدوات محرج ومدين ومغاير للادعاءات الأمريكية بكل ضروراتها.

تتغير المواقف والتحالفات وطبيعة التناقضات الرئيسية في المنطقة على إيقاع خفايا سياسة الولايات المتحدة، بحيث أصبح اتجاهها بمجملة ضد مصالح الأمة، وفي خدمة مصالح الاحتلال.

تتغير الحدود، ويجري بروز أوضح لتقسيم الأمر الواقع، ولعل المثال الأكثر وضوحاً هو ما يجري في العراق، بينما يتم ذلك بملامح ما زالت عائمة في سوريا، وهي ملامح تشير إلى أن المخاطر قد تسفر عن عدد من الكيانات أو مناطق النفوذ بتصورات طائفية وغير طائفية.
سوريا هي البلد الأكثر تعرضاً لأكبر تفتيت ولا يمكن أن يكون هذا صدفة، فمنذ عام 1974 أبدى السيد هنري كيسنجر تصورات تقسيمية لمحيط كيان الاحتلال ضرورية لهذا الكيان.
ولعل سوريا هي الدولة الأكبر من دول الطوق التي لم توقع معاهدة صلح مع هذا الكيان.

ثمة ملامح خفية لفرص انضمام المناطق ذات التواجد الكردي من سوريا إلى كردستان العراق، ولإقامة منطقة نفوذ تركية، والدفع باتجاه إقامة كيان علوي، وإقامة منطقة نفوذ لكيان الاحتلال، وقيام دائرة من المناطق المتجانسة شرق سوريا وبمحاذاة غرب العراق.
العراق ثلاثة كيانات متناقضة ربما تحت عنوان اتحادي وسوريا خمسة كيانات كل منها له مصيره، والأطراف العربية والإسلامية في خضم الدوامة بشكل من المؤكد فيه أن يكون لكل طرف دوره في جحيم هذا التدمير.
إن ما يجري في ليبيا واليمن يكاد يستدرج الأطراف الأكبر إلى ما هو أخطر.
تنعكس مآسي التطورات الإقليمية على القضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين حيث ينشأ وضع عربي ليس مشلول القوة والقوى فحسب وإنما يدمر ذاته بذاته تحت عناوين وقضايا من المستغرب أن تنطلي على أطرافها.

كان يمكن تفسير الوقوع في دوامة عمى الألوان في البدايات، ولكن الآن لا يمكن التوقف إلا عند تفسير واحد وهو أن جميع الأطراف المساهمة في دوامة التدمير الذاتي تدرك ذلك وتشارك فيه بدور وظيفي ومهام مرسومة.
ربما هناك من وجدوا أنفسهم أمام خيارات مفروضة، ولكن حتى مثل هذه الحالات لم تتمكن من إدارة للأزمة في محاولة للانقاذ أو بما ينم عن وعي أبعاد المؤامرة مبكراً.
هناك ازدواجية في المواقف تثير الريبة وهناك المواقف المتناقضة لكل طرف حسب ظروف المكان والزمان والأطراف وتحالفاتها.
وفي مقابل كل ذلك أصبح الاحتلال في مأمن حتى ممن يرفعون شعارات مقاومته ومواجهته بل وفي حالة مد جسور مع أطراف لم تكن علاقتها معه تفسر بغير القطيعة الكاملة.

كل ذلك يجعل الولايات المتحدة تعرف أن حل الدولتين أصبح مجرد سراب أمام الشعب الفلسطيني لا تريد لهذا السراب أن يتبدد لأنه يخدم مخططها في الترتيبات الاقليمية بينما يتيح مزيداً من الفرص لكيان الاحتلال.
هذه الصورة تلقي بكل ظلالها على فلسطين، بداية ما يجري من إجهاز حثيث الخطى على القدس، ومن تثبيت أمر واقع لابتلاع أكبر مساحة ممكنة من مناطق فلسطين التاريخية، وخاصة في الضفة الغربية، بل ومن استعداد للوثوب خارج فلسطين وفقاً لنضج معادلة دولية وإقليمية تتيح وثبات جديدة.
عندما اسقطت القمم العربية خيار السلاح، فقدت فلسطين القاعدة الارتكازية الآمنة التي توفر كفاحاً استراتيجياً غير مجزوء أو مسيطر عليه.
بقي هذا الأمر يتداعى إلى أن وصلت الحالة الفلسطينية إلى درجة غير قليلة من الشلل أو ضعف الخيارات، وربما انعدام البدائل.
ولعله كان من الطبيعي في ظل موازين القوى العربية ومنحاها التنازلي ومخططات الاحتلال والاستعمار أن تصل فكرة حل الدولتين إلى طريقها المسدود، والتي اتخذتها قوى الاستعمار اصلاً مجرد زرع من الأوهام.
وفي ظروف استمرارية الوضع الدولي في إظهار تبني خيار حل الدولتين دون تحقيقه، وهو يعرف أن طريقه غير سالك، فإنه يوهن التوجه الفلسطيني نحو خيارات أخرى.
من الطبيعي أن تظهر نزعات لاستكشاف البدائل، وأول ما بدر منها أن الدولة الديمقراطية بدون تمييز بين العرق أو الدين أو الجنس، وبدون عنصرية هو أحد الأهداف الفلسطينية والذي تم تبنيه منذ عام 1968، وأن الشعب الفلسطيني تلقاه بدايةً بكثير من الاستهجان، لأنه يدرك أن حقوقنا الطبيعية تكمن في تحرير فلسطين.
وحتى في إطار الشرعية الدولية فقد صدر القرار 242 لمعالجة آثار عدوان عام 1967، وهو القرار الذي لم يتجرعه الشعب الفلسطيني، بينما قرار عام 1947، بحدود معرفة هو القرار مع القرار 194، اللذين صدرا لمعالجة جذور قضية فلسطين بكل ما فيهما من افتئات وتجني على مدى الحقوق الفلسطينية.
خيارات تتم مراجعتها في نفس اللحظة التي يتم فيها التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية، كما هو مؤكد قبل نهاية شهر حزيران القادم، حيث سيتم تقديم الأوراق الفلسطينية.
لقد أصبح الشعب الفلسطيني أمام خيارات ضئيلة للتحرك ومنها فرصة التحرك على الهوامش في الإطار الدولي.
ولكن فرصته الذاتية التي يعبر عنها بكامل تصميمه هي الحفاظ على الذات بكل ما يعنيه من وحدة ومصالحة وتماسك وبقاء في أرض الوطن على الرغم من ظروف مناخات طاردة شديدة المكر والوطأة.
إن وضعاً إقليمياً ودولياً معقداً يدفع باتجاه أو يفرض حالة من التناقض بين الموقع الطبيعي والموقع المفروض.
لا شك أن إرادة ورباط الشعب الفلسطيني هي أساس كل أمل مستقبلي، حتى في العمق الإقليمي، من المؤكد كذلك أن عوامل دولية جديدة بدأت تظهر لا يمكن المرور عليها.
فقد أعطت احتفالات يوم النصر في روسيا رسائل في كل الأبعاد ومن أبرزها ذلك التواصل بين الهند وروسيا والصين، وتلك الشراكة بين الصين وروسيا، وما تم إعلانه عن اتفاقيات. وما تم إعلانه عن استراتيجية لإنهاء عهد إحادية القطبية وتحقيق عهد تعدد الأقطاب العالميين.
لقد تم استعراض عسكري ظهر فيه من الحزم وقوة الإرادة ما يذكر بالاستعراض الذي قام به ستالين في الحرب الوطنية العظمى، عندما كانت تمر القوات المشاركة في الاستعراض من مكانه إلى مواقعها في جبهة القتال، لقد ترك ذلك أثراً معنوياً إيجابياً في المقاتلين السوفييت، وعكسه في القوات النازية.
بدأ يلوح تغيير في العالم، حتما ستصل تداعياته إلى منطقتنا لكن المشكلة في الزمن الذي ستستغرقه هذه التداعيات لكي تصل، وفيما يمكن أن تكون قد أصبحت عليه الحالة العربية ومن ضمنها واقع فلسطين والتحديات أمام الشعب الفلسطيني في وطنه.
يجب أن تقف الأطراف العربية والإسلامية أمام الحقيقة وأن تتجرع مرارة تجاوز الماضي والجراح، لكي تتمكن من البدء في طريق الإنقاذ.
ما من شك ان الاستعمار يستخدم أدوات قابلة للتغيير والتجديد واستمرارية الإمداد في إطار من الخديعة والملامح الكاذبة، وهو أمر يتطلب من الجميع أن يكفوا عن أن يكونوا أطرافاً فيه.
ربما لا يستطيع البعض أن يكف لأن إرادته مرهونة، وربما لا يستطيع البعض أن يكف لأنه غير قادر على الخروج من وجع الجراح، لكن المستقبل أمام الجميع أسوأ مما يتخيلون إذا استمروا في هذا الطريق التدميري.
كفى وألف كفى، يجب أن يفهمها الجميع.