الكاتب: محمد خضر قرش
التداعيات الخطيرة لتطبيق قانون الامتثال الضريبي
على حسابات الأميركيين العاملين في الخارج
(ملاحظات نقدية على آليات تطبيقه في فلسطين)
الحلقة الثالثة والأخيرة
كان من المفترض أن تنشر هذه الحلقة في شهر آب من العام الماضي، لكنها تأجلت بفعل عاملين رئيسيين الأول هو العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الحبيب مما أستوجب أن تكون كل الأقلام والأصوات والأفعال مركزة لنصرة شعبنا ومقاومته الباسلة وعليه فلم يكن من المناسب وطنيا وعمليا ومهنيا حرف الرأي العام الفلسطيني أو إشغاله بأية قضية أو موضوع عدا عن صد العدوان وفضحه وتعريته. أما السبب الثاني فلم نكن قد حصلنا على الوثائق الرسمية المؤيد لما سنذكره بعد قليل وخاصة رسالة مردخاي فان رئيس دائرة الرقابة في بنك أف إسرائيل إلى المدير التنفيذي لدائرة الرقابة على البنوك في سلطة النقد وهناك سبب آخر أقل أهمية لتأجيل النشر وهو الاستماع لوجهة نظر سلطة النقد بما اشتمله المقال من معلومات وتحليلات وهذا ما تم الحصول عليه يوم الثلاثاء الموافق 21/10/2014 بحضور المحافظ والمستشار القانوني لسلطة النقد،حيث تمت مناقشة المواضيع التي أثيرت سواء فيما يتعلق بعمل سلطة النقد أو بكاتب هذه السطور وكان هناك طلبا وبالأدق رجاء بتأجيل النشر(الرسائل المتبادلة مع المستشار القانوني بما فيها الرسائل القصيرة SMS على الجوال محفوظة). وبعد مرور هذه الفترة فقد رأينا من المناسب وبعد أن هدأت الأمور أن ننشره كما هو ليتسنى لذوي الشأن من المسوؤلين في الرئاسة والحكومة قراءتها بهدوء وبتمعن لعلهم يجدو بما ورد فيها فرصة لإعادة تصويب المنهج والأسلوب المتبع حاليا.
الحلقتان الأولى والثانية
وبالعودة إلى الحلقات المنشورة ، فالأولى تضمنت شرحا لماهية التشريع الذي أصدرته الولايات المتحدة الأميركية بشأن مراقبة حسابات الأميركيين المقيمين أو يعملون في الخارج أو يحملون جنسية مزدوجة إحداها الأميركية أو البطاقة الخضراء أو لديه إقامة سارية المفعول على جواز سفره غير الأميركي أو مضى على إقامته في أميركا 183 يوما أو كان مولودا في الولايات المتحدة. ويهدف التشريع محل البحث تحويل الشركات والمؤسسات المالية والبنوك الدولية غير الأميركية إلى محصلين وجباة يعملون مجانا لصالح الخزينة الأميركية، بالإضافة إلى رغبة الولايات المتحدة بالسيطرة والتحكم التام بالنظام المالي والمصرفي الدولي ومراقبته.فالمبلغ غير المدفوع (التهرب الضريبي)وفقا لتقديرات مصلحة الضرائب الأميركية نفسها لا يزيد عن 4.3%(نحو 100 مليار$ من مجموع الضرائب المحصلة سنويا والمقدرة ب 2.3 تريليون $ والذي يشكل نحو 15% من الناتج المحلي الأميركي) أي أن نسبة التحصيل الضريبي في الولايات المتحدة تصل إلى 95.7% وهي عالية جدا ومن النادر أن تجدها في أي دولة بالعالم. من هنا يمكن وضع علامات استفهام كبيرة جدا حول الأهداف الحقيقية التي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها جراء طرح هذا القانون؟ وإذا كانت معظم دول العالم ستضطر للتعامل مع هذه القانون "القراقوشي " غير المبرر، إلا أن تطبيقه ووضعه موضع التنفيذ بدون مناقشة أو وضع الملاحظات عليه والتفاوض الجدي والحازم، من شأنه أن يصادر أو يلغي السيادة الوطنية ويجعل التشريعات المحلية في كل دولة تتغير وفقا لمصالح ورغبات الولايات المتحدة بالدرجة الأساس.فقد تمكنت من فرض عملتها على العالم كعملة تداول ووحدة حساب وتسويات في مناخ وظروف دولية معينة من الصعب جدا تكرارها والتي أعقبت الحرب العالمية الثانية. وقد وجد طرح العملة الأميركية قبولا في ذلك الوقت نظرا لربطها بالذهب بسعر متفق عليه.
حيث كان بإمكان أي دولة أو شركة أو فرد استبدال الدولارات التي لديه بالذهب في أي وقت بالسعر المعلن وهو 35.25 $/ أونصة مضافا إليها نفقات الشحن والنقل .ومع انهيار نظام بريتون وودز ووقف العمل به في أغسطس عام 1972 بسبب السياسة الأميركية الموغلة في التوحش والهيمنة والسيطرة والغطرسة التي اتبعتها في العالم اجمع، وخاصة إبان حروبها العدوانية في جنوب شرق آسيا وفيتنام على وجه الخصوص واضطرارها إلى إنفاق المليارات، فقد اضطرت لإتباع سياسة التمويل بالعجز عن طريق طباعة الأوراق النقدية غير المحمية أو المغطاة بالذهب. لقد توقف المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي عن استبدال الدولارات بالذهب بالسعر المنوه عنه آنفا. وعليه باتت قيمة الدولار لا تزيد عن تكلفة طباعته المقدرة بأقل من عشر سنتات. أما الحلقة الثانية فقد توقفت أمام أبرز الأخطاء التي مارسها المحافظون السابقون والحالي في التعامل مع القضايا التي واجهت سلطة النقد،لأنها كانت ضرورية لفهم لماذا أخطأت الإدارة الحالية في التعامل مع التشريع الأميركي الغريب وغير المبرر. فالأخطاء المتعاقبة لمحافظي سلطة النقد رسمت بل وأعطت مؤشرات عن الأداء غير المهني الذي غلب على مجمل القرارات الرئيسية التي اتخذت في العقدين الماضيين وخاصة لجهة أداء ودور مجالس الإدارة الضعيفة والتي كانت بمعظمها كشاهد ما شفيش حاجة. وعليه لم يكن يتوقع أمام قلة الخبرة والأداء الإداري غير المهني، إعطاء نتائج أفضل مما تم. وفي هذه الحلقة الثالثة والأخيرة سنركز على الأخطاء التي اتخذت في التعامل مع هذا القانون "القراقوشي" سواء من حيث آليات الإجراءات ووضع الخطط الكفيلة لاستيعاب المخاطر الجمة التي ستلحق بالنظام المصرفي والمالي في فلسطين وكيفية مواجهتها .
نقد الإجراءات التي تمت من قبل سلطة النقد
من المؤسف حقا أن يتم سلق هذا الموضوع وتمريره للمصارف بتعميم رقم 6 لعام 2013 الصادر في 6آب من العام المذكور،دون إطلاق أو عقد ورشات العمل وندوات واسعة ومعلنة ومنشورة ومركزة تشمل المؤسسات والجامعات ومراكز البحوث المتخصصة والجمعيات المهنية لمناقشة المخاطر والآثار المختلفة التي ستلحق بالاقتصاد الفلسطيني ككل وبالأخص النظامين المالي والمصرفي.فقد اكتفت سلطة النقد وبنص تعميمها المذكور بالاتصال بجمعية البنوك وبالتنسيق مع السلطات المختصة"!!( دون أن تكشف من هي) بغرض دراسة تطبيق القانون وليس بإبداء الملاحظات عليه ومناقشته.فقد ألزمت سلطة النقد البنوك باتخاذ سلسلة إجراءات وخطوات عملية وصلت إلى 13 إجراء بدءا من تشكيل لجان فنية والاستعانة بالمستشارين القانونيين والماليين بغرض إرشاد المصارف حول كيفية التعامل والالتزام بقانون الامتثال الضريبي سالف الذكر(وليس مناقشته) مرورا بضرورة تدريب الموظفين وإعداد السياسات وحصر وتصنيف الحسابات وتطبيق الإجراءات بعناية وبتعديل بعض الأنظمة والعقود والمستندات بما فيها اعرف عميلك وانتهاء بنماذج رفع السرية المصرفية والالتزام بالجداول الزمنية الصادرة (وهذا مهم جدا) عن مصلحة الضرائب الأميركية !!! وفي الختام طالبت سلطة النقد بتعميمها المذكور البنوك (لاحظوا هنا ثقافة التوجيه) "بمتابعة كل ما يصدر عن مصلحة الضرائب الأميركية والمتعلقة بالإطار الزمني للتطبيق""،وليس كل ما يصدر عن سلطة النقد أو السلطات المختصة الفلسطينية !!!.فهذا الإجراء خطير جدا لأنه سمح بل وشرَع للعلاقة المباشرة بين المصارف العاملة في فلسطين ومصلحة الضرائب الأميركية.فلم يُلزم أو يطلب من البنوك بضرورة الرجوع إلى سلطة النقد لأخذ رأيها بشأن أية تعليمات تتلقاها من مصلحة الضرائب الأميركية (التعميم موجود على موقع سلطة النقد). ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أن المدير التنفيذي لدائرة الرقابة على البنوك طالب في رسالته الجوابية التي أرسلها إلى كاتب المقال في 21/5/2014- وهي محفوظة – باتخاذ قرار وطني (لاحظوا هذا التعبير الكبير) حيث قال وبالحرف " يلزم اتخاذ قرار وطني بمشاركة كافة الأطراف وعلى رأسها الحكومة ووزارة المالية وسلطة النقد والمصارف واتخاذ ما يلزم من تعديلات قانونية وفنية بالخصوص". أي يريد أن يحولها لقضية وطنية حيث يتوجب على الحكومة والهيئات الرسمية أن تعمل على تعديل القوانين الفلسطينية لخدمة مصلحة الضرائب الأميركية !!! هل هذا معقول!!
كنا نتوقع أن تشكل لجنة وطنية للحد من البطالة وتفعيل المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الإسرائيلية، لكن لم يكن يدر في خلدنا أو نتوقع أن تكون المحافظة على المصالح الضريبية الأميركية وزيادة إيراداتها بات يتطلب قرارا وطنيا فلسطينيا!! كما يقول المدير التنفيذي لدائرة الرقابة ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد بل أن سلطة النقد قامت بتخويف المصارف العاملة في فلسطين من عدم انصياعها لتعليمات مصلحة الضرائب الأميركية حيث قالت تحت البند رقم 1/4 من التعميم رقم 6 للعام 2013 بعنوان مخاطر عدم الامتثال ما يلي بالحرف الواحد " أن عدم التزام المصارف بمتطلبات القانون – يقصد القانون الأميركي – قد يعرضها لمخاطر قطع العلاقة مع المصارف المراسلة بالإضافة إلى مخاطر السمعة لذا "على مراقبي الامتثال ومدراء المخاطر إعداد تقرير يحدد به مخاطر وتكلفة عدم الامتثال أو الإخلال بمتطلبات هذا القانون ورفعه للإدارة العليا للمصرف" أما كان الأجدى والأكثر مهنية وحرفية ومسؤولية وطنية أن يطلب التعميم من كل بنك تقدير الخسائر والمخاطر التي ستلحق به جراء تطبيقه لقانون الامتثال الضريبي ورفعها إلى سلطة النقد لدراستها وإجراء تقييم شامل للنتائج المترتبة على تنفيذ القانون الأميركي بنهاية كل فترة!!.فوفقا لما هو متاح أمامنا من معلومات ومعطيات فأن هذا الموضوع على أهميته البالغة لم يستحق أن يذكر في التعميم ولا برسالة المدير التنفيذي إلى كاتب المقال.الحرص والهم الوحيد لسلطة النقد كان في سرعة تنفيذ متطلبات القانون الأميركي بدون مناقشة أو تحفظ .
الإجراءات التي كان يجب اتخاذها من قبل سلطة النقد
حتى لا يقال بأن كاتب المقال يكتفي بتوجيه النقد ولا يأخذ الظروف المحيطة بعين الاعتبار ولا يقدم البديل، فسأحاول تقديم رزمة من المقترحات و/ أو الإجراءات التي كان يمكن اتخاذها أو القيام بها من قبل سلطة النقد قبل إصدار التعميم المنوه عنه والمحتوي على الخطوات التي على البنوك اتخاذها لوضع القانون الأميركي موقع التطبيق بهذه الطريقة الانصياعية التي أقل ما يقال فيها أنها لا تستجيب للمصالح الاقتصادية الحالية والمستقبلية لفلسطين بالإضافة إلى أنها تقلل من احترام سلطة النقد نفسها ومجلس إدارتها أيضا.لذا وانطلاقا من المثل القائل "ما خاب من استشار" فسوف أذكر بعض المقترحات والإجراءات التي كان يجب القيام بها قبل إصدار التعميم وهي باختصار ما يلي:
1- كان يجب دعوة رؤساء مجالس الإدارة والمدراء العامين والإقليميين للبنوك وطرح الموضوع عليهم لسماع وجهة نظرهم وملاحظاتهم على القانون وتوثيقها وليس لعقد اجتماع مخصص لمناقشة آليات تطبيقه ووضعه موضع التنفيذ ، فالفرق واضح وكبير بين هدف كل اجتماع. فلو كان شيئا من اجتماع النقاشات وإبداء وجهات النظر والرأي قد حصل لتمت الإشارة إليه في التعميم المذكور أو في الرسالة التي أرسلها المدير التنفيذي لدائرة الرقابة إلى كاتب المقال وهي ليست سرية وذكرها يأتي من باب النزاهة والشفافية التي تتغنى بها سلطة النقد وغيرها.
2- كان يجب على سلطة النقد في البداية حصر وإحصاء من ينطبق عليهم القانون الأميركي في كل بنك وتبيان حجم الودائع وكيفية توزيعها جغرافيا على المحافظات ومعرفة أكثر البنوك تأثرا بها. وعمل تقرير فيها يرفع للجهات الرسمية لمعرفة حجم الأضرار المتوقعة التي ستلحق بالاقتصاد الوطني بما فيها فرص فقدان الودائع الجديدة المتوقعة من الفلسطينيين الذين ينطبق عليهم القانون ،استنادا لنسب الزيادة السنوية الفعلية خلال العقدين الماضيين.
3- كان يجب على سلطة النقد دعوة رجال الاقتصاد والقانون وهيئة سوق رأس المال والبورصة والجامعات والمعاهد البحثية مثل ماس والجمعيات المهنية المتخصصة، كالاقتصاديين والمحكمين والمحاسبين ورجال الأعمال والمحامين لسماع وجهات نظرهم ووضع الملاحظات بما فيها كيفية التفاوض مع الجهات المختصة الأميركية المعنية في تطبيق هذا القانون كما فعلت العديد من الدول التي تحترم نفسها وتدافع عن مصالحها ونشر ذلك على نطاق واسع في وسائل الإعلام.
4- كان يجب على سلطة النقد تحديدا أن تبادر لطلب اجتماع عاجل لمحافظي البنوك المركزية العربية وطرح الموضوع عليهم بغرض اتخاذ موقف تفاوضي موحد إزاء القانون الأميركي ،فسيجد دول عربية كثيرة مثل لبنان ومصر والعراق والأردن واليمن وبعض دول الخليج العربي والسودان مستعدين لسماع وجهة نظره والتفاوض بشأنه مع الولايات المتحدة الأميركية كما فعل الاتحاد الأوروبي وحصل على ضرورة مبدأ التعامل بالمثل.فكان الأولى به أن يهتم بهذا الموضوع وخاصة مع كل من البنكين المركزيين الأردني والمصري وإصدار بيان مشترك بذلك للتفاوض بشأنه.
5- كان يتوجب على سلطة النقد منذ أن صدر التشريع الأميركي والتعديلات التي تمت عليه في السنتين 2012 و2011 ،دعوة الفلسطينيين الذين ينطبق عليهم أو يخضعون للقانون وإبلاغهم بكل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي لضرورة عقد اجتماع معهم في كافة المحافظات لإطلاعهم على تفاصيل القانون ومخاطره عليهم وان لا يجعلهم يتفاجئون عند مراجعتهم للبنك أو عند تحديث بياناتهم أو قيامهم بصرف شيك لهم .ما كان يجب كتمان هذا الموضوع الذي كان يتطلب نشره على نطاق واسع جدا وسماع وجهة نظر أصحاب العلاقة. لا أعلم ماذا كان يضير سلطة النقد من إعلانه على نطاق واسع قبل إصدار التعميم المنوه عنه.لقد تم التعامل معه بطريقة شبه سرية، ولم تقم أي وسيلة إعلامية محلية بتحليل ونشر المعلومات المتعلقة به إلا بعد أن تمت كتابة سلسلة المقالات الحالية.(بإمكان أي شخص مراجعة وسائل الإعلام المحلية للتأكد من ذلك)
6- التشريع الأميركي قيد البحث لا يخص المصارف وحدها وإنما الشركات المالية وصناديق الاستثمار والتأمين وحتى الشركات التجارية المساهمة العامة والخاصة إذا كان احد مساهميها الأساسيين ومتخذي القرارات فيها يحمل الجنسية الأميركية وله /لهم نسبة تصويت مؤثرة (10%) لذا كان يجب التنسيق مع هيئة سوق رأس المال والبورصة ومراقب الشركات وإصدار تعميم موحد لكل الجهات المعنية ،فحصر التأثير على المصارف فحسب يشكل خطأ كبيرا وأهمية هذا الموضوع تعود إلى أن العديد من الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الأميركية أو البطاقة الخضراء وغيرها لديهم أصولا مالية وحصصا في الشركات ويتعاملون في البورصة الفلسطينية ويديرون شركات .
7- غياب جمعية البنوك كليا عن هذا الموضوع حيث لم يسمع لها رأي أو يصدر عنها أي موقف أو بيان منشور في وسائل الإعلام المحلية، علما بان لسلطة النقد الحق في المصادقة على تعيين مديرها والتأثير على توجهاتها أيضا.
8- أن جانبا مهما من هذا القانون له علاقة بالسيادة وبالدولة المستقلة وهذا يتعدى صلاحية سلطة النقد المهنية والقانونية مما كان يتوجب عليها طرح قانون الامتثال الأميركي على الحكومة الفلسطينية والرئاسة وحتى تبليغ المجلس التشريعي بغض النظر فيما إذا كان مفعلا أم لا كما تفعل العديد من المؤسسات.
وكان ممكنا الدفع بعدم وجود أساس قانوني لالتزام فلسطين به، لكون فلسطين دولة غير مستقلة وما زالت تحت الاحتلال. فالتشريع الأميركي الذي نحن بصدده يطبق على المؤسسات المالية والمصرفية للدول المستقلة ذات السيادة الكاملة ونحن لا نصنف حتى تاريخه كدولة مستقلة، لحسن حظنا لغرض تطبيق هذا القانون لكننا لم نستفد منها للأسف الشديد.إن أخذ المسؤولية في تطبيق القانون على عاتق سلطة النقد، يشكل تجاوزا لصلاحيتها المحددة بقانونها.وبالمناسبة فليست هذه هي المرة الأولى التي يتولى فيها المحافظ اتخاذ قرارات هي في صميم صلاحية المستويات السياسية. فقد سبق له وان طرح على مجلس إدارة اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال التصويت في خريف عام 2012 على ضرورة قبول فلسطين عضوا كاملا(عاملا) وليس مراقبا في منظمة مجموعة العمل الدولية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمكافحة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب MENAFATF، وقد احتج عضوان من المجلس في حينها واستقالا أو لم يجدد لهما لعدم توقيعهما بالموافقة على المحضر (سجلوا اعتراضهما معا مرفقا مع التوقيع) ومن حسن حظ فلسطين أن عضويتها الكاملة لم تقبل لكونها غير مستقلة.
9- تعاملت سلطة النقد مع القانون الأميركي كأمر لا بد من تنفيذه وليس مناقشته ووضع الملاحظات عليه كما فعلت أكثر من دولة فلماذا كل هذا الاستعجال ونحن لم نتحول إلى دولة مستقلة بعد.
10- كان يجب على سلطة النقد أن تطرح على مصلحة الضرائب الأميركية قبل إصدار التعميم تكلفة ونفقات التعديل والتغيير الذي سيتم على البيانات والنماذج البنكية بما فيها نفقة الموظفين وتدريبهم والمتابعة ورفع التقارير وإرسالها إلى مصلحة الضرائب الأميركية.
((ملاحظة هامة جدا: أوضح محافظ سلطة النقد في اللقاء الذي تم معه يوم الثلاثاء الموافق 21/10/2014، أن معظم المقترحات التي أشير إليه آنفا قد قامت به سلطة النقد بالفعل بما في ذلك الاتصال بالجهات الحكومية المختصة واخذ موافقتها وعقد اللقاءات مع الجهاز المصرفي ومع بعض البلديات (البيرة كمثال) وعقد اجتماع مع البنوك المركزية العربية وانه تم إرسال كتاب رسمي من وزير المالية الحالي إلى وزير الخزنة الأميركي حول الازدواج الضريبي لمن ينطبق عليهم قانون الامتثال)) وفي حدود علمي كمواطن لم أقرأ في وسائل الإعلام المحلية أي شيء عن هذه النشاطات. فالخطأ ليس خطأنا، فنحن نحكم على ما هو مكشوف ومعلن من مواقف وبيانات، علما بان كل هذه النشاطات علنية وليس لأي منها صفة السرية حتى تحجب ولا تنشر، على الموقع الإليكتروني لسلطة النقد على الأقل. علما بأنها تعتبر من ضمن النشاطات التي تفتخر بها كل مؤسسة.
المخاطر المتوقعة من تطبيق القانون في فلسطين
السذج وحدهم من يعتقدون أن المخاطر المترتبة على وضع قانون الامتثال موضع التنفيذ ستنحصر بسحب عشرات الملايين من الدولارات أو حتى المئات منها وإقفال أخرى ، فهذا أمره سهل ونأمل أن يتوقف عند هذا الحد لأن بإمكان النظام المالي والمصرفي استيعابه والتعامل معه دون أن يؤثر ذلك على سلامة الجهاز المصرفي وأداءه. أما أبرز المخاطر المتوقعة فهي:
1- ماذا لو أصدرت إسرائيل غدا تعليمات أو قانونا مماثلا للتشريع الأميركي وطالبت فيه من كافة البنوك تزويدها بأسماء وأرصدة من يحملون هويات مقدسية أو من فلسطينيي 1948 تحت طائلة المقاطعة وحرمانها من التقاص مع البنوك الإسرائيلية فماذا سيكون موقف سلطة النقد الفلسطينية هل سوف تستجيب وتنفذ بنود القانون كما فعلت بالقانون الأميركي بحجة حماية المصارف من مقاطعة البنوك الإسرائيلية لها بما فيها إغلاق حساباتها بالشيكل أم سترفض ذلك وفي هذه الحالة ما هو المسوغ القانوني الذي ستحتمي وراءه ((ملاحظة هامة أخرى: حين طرح كاتب هذا المقال على المحافظ هذا السؤال ،أجاب، عندها لكل حادث حديث!!)). ومن المفيد في هذا السياق أن نشير إلى مسألة في غاية الخطورة يحب فحصها والتأكد منها ومعرفة ملابساتها الكاملة.فقد أرسل مردخاي فان مدير النقد في بنك أوف إسرائيل برسالة إلى المدير التنفيذي للرقابة بسلطة النقد الفلسطينية بتاريخ 11/7/2012 يطلب فيها معلومات وبيانات مصرفية محددة،قامت سلطة النقد الفلسطينية إثر ذلك،بإرسال تعميم رقم 113/2012 الموافق في 2/8 /2012 ((غير موجود على موقع سلطة النقد بعكس تعاميم أخرى غيره)) تطلب فيه من البنوك العاملة في فلسطين تزويدها بنفس المعلومات التي طلبها مردخاي، وهي حجم وعدد ودائع العملاء الجارية والتوفير ولأجل كما هي في 31/7/2012 وفقا لما جاء في نص التعميم، لمن يحمل هوية القدس وفلسطيني 1948 وجنسيات محددة بالإضافة إلى الإسرائيليين وفق السقوف التالية: الودائع التي تزيد على 50 ألف شيكل أو سحب بنفس القيمة وحجم شراء وبيع الشيكل لمن يزيد قيمته على 10 ألاف $ خلال آخر ثلاثة شهور.ومقابل ذلك سمحت إسرائيل لسلطة النقد بإيداع 300 مليون شيكل في بنك أف إسرائيل بشكل استثنائي.إن هذه العلاقة إذا تأكدت سيكون لها نتائج خطيرة لأنها قد تتجاوز على الأغلب موضوع الخطأ الفني والإداري إلى تزويد بنك أوف إسرائيل بمعلومات تخص الودائع وعددها وكيفية توزيعها وتصنيفها.
والسؤال هو هل مجلس إدارة سلطة النقد كان على علم بذلك أم لا؟ لذا فمن الضروري تشكيل لجنة تحقيق مستقلة من خارج سلطة النقد للوقوف على حقيقة وملابسات هذا التعميم ورسالة مردخاي فان. كما أننا نطرح الموضوع أيضا أمام القضاء الفلسطيني وهيئة مكافحة الفساد ومؤسسة آمان وكل منظمات المجتمع المدني والأحزاب والفصائل والمجلس التشريعي. من واجب بنك أف إسرائيل وفقا لاتفاقية باريس والعرف والقواعد المصرفية أن تقبل عملتها التي أصدرتها، فهي دين على الخزينة الإسرائيلية.فتزويد بنك أوف إسرائيل بمعلومات مقابل وضع السيولة الزائدة بالشيكل يشكل خطيئة يتطلب الوقوف أمامها. ((ملاحظة هامة ثالثة:أرسلت رسالة مردخاي والتعميم على صندوق بريد كاتب المقال في القدس/ بيت حنينا وهما محفوظان وأعطيا لبعض الشخصيات السياسية والاقتصادية والبنوك))
2- والإتحاد الأوروبي على وشك اتخاذ قرار مماثل للتشريع الأميركي بخصوص من يحمل جوازاته فماذا سيكون موقف سلطة النقد من هذا التشريع!! هل ترفضه أم تنصاع إليه ونفس الشيء بالنسبة إلى كندا واستراليا.
3- موافقة سلطة النقد على التشريع الأميركي محل هذا المقال، فتح الباب عل مصراعيه أمام المفتشين الأميركيين لفحص دفاتر وحسابات البنوك الفلسطينية والعاملة في فلسطين حيث يحق لها وفق التشريع المذكور أن لا تكتفي بالفحص الآلي وإنما بالتفتيش المادي المباشر من خلال زيارة المفتشين ميدانيا.
4- سوف تتعرض المصارف العاملة في فلسطين إلى مخاطر تشغيلية منها ازدياد النفقات والتكاليف المترتبة على التزام بالقانون، وفي حال وجود خلاف في التطبيق من الذي سيضمن عدم تعرض البنوك إلى قيام مصلحة الضرائب الأميركية بفرض الاقتطاع الضريبي بنسبة 30% حتى يثبت البنك العكس؟.
5- وهناك خطر ناجم عن فقدان فرصة جذب واستقطاب ودائع جديدة لفلسطينيين يحملون الجنسية الأميركية في المستقبل ، والتي سوف تتجه بالتأكيد نحو القنوات غير المصرفية وغير النظامية.
6- أكدت كل التجارب أن التشدد في إجراءات معينة سيدفع بالجهات المستهدفة إلى اللجوء والتوجه للتهريب واستخدام القنوات غير القانونية بل والتفوق في التحايل على إجراءات القانون . فمعظم الفلسطينيين الذين ينطبق عليهم القانون لديهم أقرباء من درجات مختلفة لا يحملون جنسيات أميركية، فيمكن وبسهولة جدا فتح حسابات بأسمائهم وهذا لا يمكن منعه أو الحد منه.إن وضع هذا القانون موضع التنفيذ سيزيد من نسبة المعاملات التي تتم خارج القنوات المالية والمصرفية.وختاما فإن الإيجابية الوحيدة لهذا القانون هي أن هناك الآلاف ممن يحملون الجنسية الأميركية بدؤوا بالتفكير الجدي بالتنازل عن جنسيتهم .فوفقا للصحافة الكويتية فإن نحو 5000 على وشك اتخاذ القرار بذلك ، لانتفاء الغرض منه .
المقال القادم :هل يجوز لبنك وفقا لاتفاقيات بازل الانتقال إلى الشريحة المساندة (الثانية) قبل استكمال متطلبات الشريحة الأولى (الأساسية) وبنفس الوقت لديه خسائر متراكمة!!!؟.