الجمعة: 20/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاختلاف بوجهات النظر لا يؤدي الى التجريح

نشر بتاريخ: 02/06/2015 ( آخر تحديث: 02/06/2015 الساعة: 12:04 )

الكاتب: عباس الجمعة

يرتبط تفاقم الازمة عند البعض بالعديد من العوامل المؤثّرة، لانه لم يفهم العلاقات الرفاقية والنضالية ومكانة الناس ، وخاصة اذا كان هذا البعض الذي لا يعترف للأخر ويحاول التجريح به ، وعندما يأتي انسان من خارج جسد مدرسة ثورية قل نظيرها في الساحة الفلسطينية ، لانها علمت مناضليها التواضع والالتصاق بالجماهير وهمومها،ودفء العلاقة الرفاقية والقناعات الفكرية العميقة وتغليب المصالح العليا على المصالح الخاصة والفئوية،حملت هذه المدرسة هوية فكرية ديمقراطية ثورية، لاننا كنا نعي بشكل جيد ان التسلط والتسلق على المراكز والمهام لا يعطي نتيجة ، فنحن لم نأت من خارج الواقع لقد عشناه ، وكنا ممن صاغوا مبادئ المرحلة والمهام والأهداف التي نسعى لتحقيقها ، للأننا لا نؤمن الا بالحياة المتطورة باعتبارها تتطور الحياة مع التطور الفكري – السياسي والخبرة التنظيمية المتراكمة والمكتسبة من واقع الممارسة العملية .

ان احترام الرأي والرأي الآخر ، وحق الاجتهاد في إطار اي حزب او تنظيم هو حق مشروع ، يجب ان يكون بعيدا عن العصبوية التي تؤدي الى عدم الاعتراف بالأخر ، لذلك فأن بعض التصرفات تضر بواقعنا ، وهي تعتبر غريبة عن النظريات والاهداف ، لأن من يؤمن بفلسطين ويحمل هويتها وهوية فكره اليساري الاشتراكي الديمقراطي ، يجب ان لا يخيف البعض التي يتذبذب امام الناس والقوى .
أن الفكر النقدي وممارسة الحرية النقدية هي حجر الزاوية في كل عمليات التجدد والنهضة، فمن دون الممارسة الفكرية النقدية للأفكار والسلوكيات على ضوء المستجدات والظروف والتحولات، فان العقائد تتحجر ويتوقف التطور وتستكين الشعوب فتتخلّف وتضمحّل.

لذلك اقول ان الوصول الى الفكر بالممارسة والهدف النهائي بالحركة معززا بالصلة بجماهير الشعب والنضال من أجل المصالح والأهداف الوطنية والديمقراطية ، ولنا في الممارسة والحياة ما سيغني ، لكن يظهر أن هؤلاء الذين يسيرون على الهامش لا يروقهم أن نميز بين اهدافنا القريبة والبعيدة ، يفزعهم أن نفهمهم عمليا ان حفظ كيان نضالنا لتعبئة الجهود الوطنية والديمقراطية شئ آخر ، يزعجهم أن نقول لهم أن قضيتنا الوطنية والديمقراطية التي نريد حلها وأنجازها تتوقف بالدرجة الأولى على وجود قوى موحدة ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها لتكون قائد نضال شعبنا في هذه المرحلة من حياتنا ، لكن هؤلاء الذين يحبون المظاهر على حساب المناضلين لا يريدون هذا ، انما يريدون ان نهدم ما بنينا في سبيل مستقبل قضية شعبنا .
إن العملية النقدية لا تصبح ذات قيمة إن لم تبدأ بالنقد الذاتي، على ضوء الحقائق والتطورات والحاجات الاجتماعية، وبهذا تتحوّل التجارب والممارسات السابقة إلى ثروة علمية ذات قيمة هائلة في استشراف مسيرة المستقبل وطرائق النضال المتجددة.

امام ذلك اقول ان توافر الفكر النقدي لمعرفة أسباب الضعف امام المفاصل التاريخية تتطلّب من أصحاب النهج الاقصائي ان يعيدوا حساباتهم قبل تقيمهم لغيرهم لان تحمل المسؤولية هي تكليف وليس تشريف ، فيجب على الانسان ان يقيم نفسه قبل الحديث عن غيره ، ان تقييم أدائها ومهامها ورؤيتها اين هي وماذا تتحدث عنها الناس والقوى على الصعيد السياسي والاجتماعي. فالمبادئ ليست قوالب جامدة، كما أنها في ذاتها، ليست غايات مقفلة، بل وسائل تتطور كقواعد للفكر والإبداع، فإذا تحجّرت في رؤيتها وأساليبها ومهامها تتحول الى "طواطم" لا قيمة لها، وقد تكون معيقة ومعطلة للبناء أحيانا.

ان حالة "التوهان" هو نتيجة غياب القرار المركزي الموحد في قضايا مفصلية وجوهرية، وهذا كان نتاج لكون ان قوى واحزاب تعيش أوضاعاً تنظيمية تؤثر سلبا على اطرها ، لذلك الانسان المناضل لا يريد شهادة من احد ، فتاريخه معروف ، ولكن من ركب الموجة لا يحق له التجريح برفيق او اخ له ، ومن باب الحرص والغيرة على ان تبقى بوصلة النضال نموذجاً ومثالاً رائعاً ورائداً للكثير من الحركات التحررية والثورية في العالم.
أن تراجع اداء بعض الفصائل والقوى وفعلها وحضورها الشعبي والجماهيري،مرده وسببه بالأساس هو وجود إنتهازيين، يتحملون القسط الأكبر عن اي ازمة وتعمقها،لأن من حق من يعمل أن ينتقد،والنقد نابع من الحرص والمسؤولية.

ان ما تعلمناه من مدرسة ثورية يستغربه البعض ، فقادة هذه المدرسة من شهداء ومناضلين علمونا الكثير من السجايا والقدرات والطاقات المبدعة القادرة على إحداث نقلة نوعية في مسيرة النضال الوطني في مختلف الميادين والمجالات،وكيفية ان نوحد الرؤية والموقف السياسي من مختلف القضايا الاستراتيجية والسياسية رغم ما عشناه من أزمات ، وما تركته على مسيرة الثورة والنضال والقضية الوطنية من أثار وتداعيات سلبية،حيث بذل البعض في الساحة الفلسطينية جهوداً كبيرة واستخدم كل وسائل التحريض والدس الرخيص ووظف كل طاقاته وإمكانياته وعلاقاته من اجل تشويه موقفنا ،رغم ان البعض وقع في المغيرات ، حيث بقينا امينين على المبادئ واوفياء للشهداء وللاسرى والمعتقلين وللشعب والقضية وللتاريخ الذي جمعنا ،وتجاوزنا تلك المرحلة،رغم ما تركته على جسدنا من أضرار،وفي الوقت الذي كان فيه الشهيد القائد الامين العام ابو العباس يستعيد دورالجبهة وحضورها،داهمت الانتفاضة الثانية ايلول/2000 الجبهة،كما داهمت الفصائل الأخرى،ولكن هذا لم يمنع الجبهة اوفي المقدمة منها أمينها الشهيد القائد ابو العباس وهيئاتها القيادية،من أن تتخذ قرارات جريئة،ليس بالمشاركة الفعالة في الانتفاضة،بل الزج بكل طاقات الجبهة في ميدان العمل الانتفاضي المقاوم،ويبدو ان الاحتلال استشعر بأن وجود هذا القائد ،وهو يعطي ويولي أهمية كبيرة للعمل الكفاحي والنضالي، رداً على جرائم الاحتلال بحق شعبنا، ولذلك كان ثمن ذلك باهظا،حيث كانت عملية اغتيال الشهيد القائد ابو العباس بعد اعتقاله في معتقلات الاحتلال الامريكي في العراق لمدة عام ،معتقداً ومتوهما الاحتلال بأن ذلك قد يؤدي الى تفكك جبهة التحرير الفلسطينية،ولكن اتت التطورات لتؤكد قدرة الجبهة على النهوض، وما زالت الجبهة تعبر عن هويتها الفكرية والايدلوجية بشكل واضح، على صعيد الفكر والنظرية والعمل، ولكن لا ننكر ان البعض موجود في اطرنا مثل بقية القوى لا يستطيع سوى اجترار النقد والتجريح أو القيام بمهام التشريفات،وهذا يتطلب منا ان تنتهي ظاهرة العمل الفوقي، وأن نبتدع أشكال جديدة ومتطورة للعمل والنضال تستوعب كل الطاقات،مطلوب قيادات موحدة وجامعة لا قيادات طاردة ومنفرة، حفاظا على تاريخ الجبهة وأرثها النضالي والكفاحي،فثقة شعبنا كبيرة بها وبمناضليها،والذين مثلوا حالات نضالية مميزة،وممكنات نهوضها وتقدمها، قادرة على التقاط الأحداث ومواكبتها، في معاركها النضالية والجماهيرية في مختلف الميادين.

من هنا يتضح أن ممارسة النقد الذاتي من موقع النضال، يختلف تماما عن النقد من موقع المترفع المتعالي، فموقع المناضل يصار الى اغناء التجربة وتطويرها وتعميمها وبالأخص اذا كان الموقع النضالي هو خندق مواجهة تاريخية كبرى ضد المغتصبين والامبرياليين، أي معركة مصير تتحدد على نتائجها مصائر الشعوب ، لذلك المطلوب من كافة القوى والاحزاب تجديد نفسها بالنقد الذاتي والرؤيا الاستراتيجية والممارسة الرائدة المنسجمة مع حقيقتها ومصداقية مبادئها.

إن الهدف الأساسي للفكر العلمي، في بعديه النظري والتطبيقي،تتطلب في الدرجة الأولى قرارا سياسيا واضحا وذلك من خلال خلق بيئة داخلية صحية تحفز على التفكير والنقاش لتسهيل إيصال الرأي الآخر من خلال شبكات التواصل الإجتماعي تحقيقا لهذا الغرض، وكذلك العمل على بناء وتطوير برامج عمل ملموسة في الإطار الحزبي او التنظيمي كأداة لزيادة فعالية نشاط القوى والاحزاب والفصائل ، بمواجهة تيار الاسلام السياسي البعيد عن الدين ، على وجه التحديد، المدعوم من قبل القوى الامبريالية التي تسهل دخول المرتزقة من جميع دول العالم الى الأراضي السورية والعراقية ، التي ستستفيد من العلاقة المتبادلة بينها وبين قوى "الإسلام السياسي"، لتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية كوسيلة لتفتيت المنطقة واخضاعها لسيطرتها من خلال استهداف الشعوب وحضارة وثقافة دول المنطقة واستهداف دور العبادة من مساجد وكنائس إلا رسالة عنوانها الفتنة من خلال قتل المواطنين الأبرياء وعلى مختلف انتماءاتهم ، اضافة الى تكميم للأفواه وتكسير للأقلام ، تحت اسم الإسلام بدعم وتمويل من بعض الانظمة العربيه ، بينما يتم التطبيع مع الكيان الصهيوني على حساب قضية الشعب الفلسطيني، مما يبرر فكرة "يهودية الكيان الإسرئيلي".

لذلك يجب استنهاض كافة القوى والاحزاب لمواجهة الارهاب التكفيري ، من خلال توحيد جهودها ومعاركها الفكرية الحضارية بهدف إنقاذ دول المنطقة من براثن الإرهاب الأصولي ومن الأخطار المحدقة التي تحيق بشعوبنا المتطلعة نحو افق الحرية، لانه بات من الضروري الوقوف أمام أزمة حركة التحرر العربية ووضع حلول لمعضلاتها، من خلال تجديد خطابها القومي العربي، وتحديد أهدافها المعاصرة والتفكير في عمل جبهوي قومي عربي إسلامي مقاوم، لمواجهة حقيقية شاملة من خلال التنسيق مع التيار الإسلامي التنويري وبلورة جبهة مقاومة لكل مخططات الهيمنة الأمريكية الصهيونية والارهابية في المنطقة، و التنسيق مع القوى والأحزاب العربية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، ووضع هذه القوى أمام مسؤولياتها التاريخية، ووضع آلية عمل لمحاربة التطبيع وكي تخوض هذه القوى معركتها من أجل الديمقراطية والأهداف القومية العربية، لا بد من قيام تحالف واسع بين القوى الديمقراطية على الصعيد العربي، ويقوم على أساس تحديد مفهوم وأشكال العلاقة بين القوى المكوّنة له من الأحزاب والقوى السياسية الديمقراطية والوطنية واليسارية ، من اجل التحرك الفاعل والوقوف امام الخطر القادم، سياسياً وفكريا وشعبيا.

ان المرور على التاريخ ودراسة الماضي لايعني بالضرورة اجترار الاحقاد او ترجيح وجهة نظر على اخرى فجميعنا اخطأ وجميعنا يقف على نفس المسافة من الحقوق والواجبات، وعليه فمن لم يتعلم من دروس التاريخ فأن التاريخ سيتجاوزه في الديمقراطية والفضاء المفتوح والرأي والرأي الاخر.
ختاما : ان المرحلة تحتاج الى ابتكار وانتاج الفكر الديمقراطي الثوري المؤمن بالحرية والديمقراطية والكرامة الوطنيه والعدالة الاجتماعية ، وهو فكرحضاري يؤسس لبناء سليم ومبني على التنوع الفكري والعقائدي، وهذا يستدعي افساح المجال للأجيال الجديدة حتى تتمكن من مواصلة نضالها في الدفاع عن القضية الفلسطينية.