السبت: 16/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

إجراءات الحماية: هل تحمي العمال!

نشر بتاريخ: 04/06/2015 ( آخر تحديث: 04/06/2015 الساعة: 10:55 )

الكاتب: تحسين يقين

هل أعزّ من الروح!

كنا أطفالا حينما عمّ الحزن قريتنا والقرى المجاورة لوفاة عامل شاب إثر إصابته بصدمة كهربائية أثناء العمل، لدرجة أن الصغار لحقوا الكبار مشيا للمشاركة في تشييع الجنازة. وما زلنا كبارا حتى الآن وغدا نتذكر الحادثة المفجعة، خصوصا حين نرى بصمتها على وجه أمه وأسرته. لقد فارق العامل الشاب الذي كان يساعد في إعالة أسرته، فعانت الأسرة، ومرّت سنوات حتى اشتدت سواعد أخوته الأطفال، فانضموا إلى العمل، فتحسنت الأحوال، أما الحزن وإن خفّ، لكنه لا يزول، يبقى في القلب والذاكرة.

لم تمر أشهر، إذا بعامل آخر، يسقط عن سطح بناية قيد التأسيس، فيفارق الحياة تاركا زوجته الشابة، وأطفاله الصغار، فصارت الأم ترأس أسرتها، لتؤمن لهم ما يحتاجون، وما يحتاجون هو فوق قدرتها، فكيف عاشوا!

في تلك السنة، سقط أخي عن سطح البيت مساء، ليفارقنا صباح اليوم الثاني، لتستمر معنا ذكرى محزنة، فازدادت وصايا الوالدين بأن "ندير بالنا": دير بالك يما، دير بالك يابا..

العاملان المذكوران، الأول قريبنا من قرية مجاورة، والثاني من قريتنا، هما من محيط مكاننا الصغير، وأخي وآخرون إما أصيبوا أو مضوا. إنهم من زمان طفولتي التي تتأثر بهذه الحوادث المأساوية، فتنحفر في الذاكرة، وتنحفر معها أسئلة، كيف ؟ وماذا ولماذا؟ وما ذا بعد؟

أسئلة ومشاعر ووعي يتطور، ولكن استمرت الحوادث، وصولا لحوادث ليست في فضاء العمل بأجر، مثل العمل في الزراعة، أو البيت.

فهل كان بالإمكان أن "ندير بالنا"!

هل أعزّ من الروح!

واجب ذاتي شخصي علينا جميعا، وواجب ووظيفة المؤسسة الحاكمة؛ فإن تم التقصير الذاتي، فإننا نلوذ بعدم التقصير العام.

تصفعنا أخبار حوادث العمال، ويكون صفعها مؤلما عند التكرار؛ فكيف يتكرر الفعل المؤدي إلى هذه النتائج؟

من المسؤول؟ من؟

ذاتيا وشخصيا، نتساءل عن حوادث العمال القاتلة أو ما هو دون، هل من دور للعامل؟ كيف يقبل العمل في ظل عدم وجود إجراءات حماية ملائمة للعمل ونوعه؟ هل من دور له من أجل الحماية؟

إنسانيا، كيف يقبل صاحب العمل أن يرى العمال غير ملتزمين بإجراءات الحماية؟

مهنيا وعمليا، كيف يقبل صاحب العمل أن تمضي مثل هذه الحوادث دون الاطمئنان الدائم على سير العمل؟

أمران أود التركيز عليهما وهما مرتبطان ببعضهما بعضا:

الأول وهو ضمان توفر إجراءات الحماية.

والثاني وجود التأمين لضمان علاج للإصابات ولتأمين الأسرة في حالة الوفاة.

من الطبيعي أن إجراءات الحماية تنبع أصلا من المهنة نفسها، وهي إما أن يجتهد صاحب العمل في التفكير بها، أو ما يضعه القانون والأعراف.

وهذا يقودنا إلى ضمان تحقق الرقابة على الأشغال والمهن، فلكل مهنة قوانينها ودوائرها في المؤسسة الرسمية لتقوم بدورها الرقابي الهام.

ففي مجال الإنشاءات والبناء، هناك عشرات المراقبين، فإذا ضمنا قيامهم بمتطلبات عملهم، فإننا سنخفف من الألم. ومعلوم أن من حق المراقبين سحب الترخيص من المقاول إذا لم يلتزم.

لذلك نحن بحاجة إلى توعية مستمرة، بدءا من مؤسسة التعليم والتدريب، ثم داخل العمل، واستمرا ذلك في كل مرحلة.

من أهم مواضيع الدورة هو التوعية على الحقوق والواجبات، وأهمية الالتزام بإجراءات الحماية؟

ويمكن لوزارة العمل بالتعاون مع نقابات العمال واتحاد رجال الأعمال والمجتمع المدني.

أما التأمين، فهو يخدم الجانبين، يخدم العامل، ويخدم العامل نفسه. كما يخدم صاحب العمل؟

في حالة الحوادث، بدون إجراءات حماية، وبدون تأمين، تضيع الأسر، فمن سيضمن لأسرته العيش الكريم؟

وهل تطمئن النقابات على مستقبل الأسرة التي تفقد المعيل/ة؟

- هل أعزّ من الروح!

- ...........!

ذاتيا وموضوعيا:

من الضرورة أن ينتبه أطراف العمل للمسؤوليات؟

ومن الواجب أن تقوم الحكومة بدورها.

كلاهما مهمان، نتمنى التأكيد على ألا تتعرض أي منهما لعقبات ومعيقات.

مؤلم ذلك. مؤلم أن تتكرر الحوادث؛ فكيف لا يأخذ العمال موعظة واعتبارا من الحوادث!

ينبغي أن نركز على حماية الروح، بدلا من التركيز على الحوادث، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج.

نتذكر الأسر التي فقدت معليها، أو معيلتها، بدون التزام من المجتمع، سوى التزام بسيط، يتلاءم مع الصدقة القليلة، التي رغم دورها في المساعدة، إلا أن أسلوب تنفيذها يورث أحزانا ومشاعر غير طيبة، للصغار والكبار. (ليتنا في هذا المقام ننشئ صندوقا من الصدقات لكن أن ترعاه جهة رسمية، تقوم بتقديم المساعدة بطريقة كريمة عن طريق البنك).

من الطفولة حتى الآن شاهدنا وراقبنا استمرار الأحداث المأساوية، والتي ازدادت مع تطور التكنولوجيا، وعلو البنيان (نسبيا) في بلاد لا تتواكب معها إجراءات الحماية، كأننا من زمن آخر.

والذي يثير الحزن والغضب هو أن المأساة تتكرر!

بعد تأسيس السلطة الوطنية، بما حملته للمجتمع الفلسطيني من تنمية وحماية، وخدمات، ومسؤوليات تجاه المواطنين، ومع تطور الوعي على حقوق العمال، وما رافقه من توعية إعلامية عن إجراءات الحماية، والتأمين، كان المفروض أن يتم أمران:

الأول أن تخف الحوادث.

والثاني هو الاطمئنان على حياة الأسرة بعد فقد المعيل/ة.

ولا أدري، فربما أجرت وتجري الجهات المسؤولة أبحاثا عن هذه الظاهرة، وأي المهن التي تتركز فيها، وأي الأماكن بما فيها الورش الإسرائيلية، بسبب تواجد جزء من العمال هناك، بتصريح عمل أو تهريب، بدون تصريح.

كذلك ربما أجرت وزارة الشؤون الاجتماعية بحثا ميدانيا حول الأسر التي فقدت عاملا فيها.

ويمكن قراءة تلك الحوادث من منظور العمر، أو نوع الإصابة، أو الحالة التعليمية، والاجتماعية، والاقتصادية، وغيرها.

مثل تلك البيانات وغيرها، يمكن أن تضيف معلومات هامة تقدم للمجتمع والنقابات والحكومة، ليتم عمل خارطة عمل إستراتيجية للتخفيف من الحوادث، لتخفيف الآلام أيضا والدموع.

ولعل الجهاز المركزي للإحصاء بما امتلكه من خبرة ريادية على مستوى الإقليم، أن يتعاون مع الجهات ذات العلاقة، لعمل مثل هذه البيانات وتحليلها من قبل مختصين، ثم تطوير أساليب التوعية التي تقوم بها الجهات المختلفة، وصولا للعمال، بمن فيهم الأطفال تحت سن ال 18 عاما، ما دمنا غير قادرين على تنظيم أو الحدّ من وجودهم في العمل كمعيلين.

رحم الله من فقدنا، والشفاء للمصابين، ونرجو ألا تتكرر هذه الحالات التي بإمكاننا الحدّ منها باتباع إجراءات الحماية، وتضافر الاهتمام الذاتي الشخصي مع الاهتمام الحكومي. فكل له مسؤوليته عن نفسه والآخرين، وكيف ستراقب الحكومة كلّ العمال، إن لم يلتزموا هم ومشغليهم؟

غدا هو الحياة، فلنعمل من أجلها.

فلنعمل بشكل منهجي ومنظم أيضا.

وسيكون مفتاح عملنا هو التربية على الحماية، والتوعية المستمرة حولها، والمحاسبة أيضا.

لنسائل أنفسنا، ثم نسائل المسؤولين، ولنسائل الإعلام عن دوره وخطباء الجمعة أيضا.

لعل بعض أسباب الحزن تنتهي!