الكاتب: قسام مروان البرغوثي
لكل مواطن فلسطيني في كل أماكن تواجدنا أملٌ وحلمٌ ورغبة بأن يفعل شيئاً يصب في مصلحة القضية الفلسطينية ويقاوم الاحتلال الاسرائيلي، البعض يسير على هذا النهج أياً كان الثمن ومهما كبرت التضحيات، والبعض الآخر يبحث عن الرفض والصمود دون دفع الثمن الباهظ، وتختلف الأساليب والوسائل ما بين من يفند ضعفنا أو قوتنا في مواجهةٍ عسكرية مع اسرائيل، وما بين من تراه يفند اتفاقياتٍ أصبح الراتب والاقتصاد والبناء وسوق العمل مرتبطٌ بها خصوصاً أننا نواجه خصماً لا تهمه أي قيم أو أخلاق عندما يتعلق الموضوع بحقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة، ولعل أقصى وأنبل فكرة بامكانها إعادة الأمل لشعبنا بمستقبل أفضل بعد سلسلة العذابات هي نموذج واضح لأوسع مقاومة شعبية شاملة (لأن المؤسسة الرسمية خارج دائرة المقاومة بكل صورها حتى الآن) لا يضطرفيها الفلسطيني أن يدفع روحه وماله ولا أن يلحقه الأذى، وهو حقُ منطقي على الرغم من قناعتي الشخصية بأن التضحية بالنفس هي أعلى درجات النبلوالإباء والكرم والوفاء للوطن.
إذن ما هو هذا النموذج الحي القادر على وضع كل طاقاتنا الفلسطينية في بوتقة واحدة لتشكل أدوات ضغط كبيرة على هذا الاحتلال وانهاء نزهته المجانية في الأرض الفلسطينية!؟
الحل أمام أعيننا، ابتدعه شبابٌ فلسطيني يُحترم من المجتمع المدني الفلسطيني، هو أسلوبٌ قديمٌ إستُعمل في السابق مراراً ضد الاحتلال الاسرائيلي في صور شهدت هبوط وصعود وهو المقاطعة الشاملة لهذا الكيان العنصري، الا أنه للأسف لم يرفى حتى الآن لأن يكون الاستراتيجية الموحدة التي يتبناها الشعب الفلسطيني. الا أن دراسة التاريخ تشير الى أن الأدوات والأوراق تغيرت مع زمن التكنولوجيا وثورة الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي، ففي الماضي كان الفدائي هو أقوى وأنبل سلاح فلسطيني يدك المعسكرات الاسرائيلية ويضرب في كل مكان محدثاً زخماً كبيراً في الدعم العربي والاسلامي للقضية الفلسطينية وملحقاً الضرر بالاحتلال السرائيلي، أما في وقتنا الحالي فما زال الفدائي هو أنبل سلاح الا أنه لم يعد الأقوى برأيي مع اختلاف الخرائط السياسية في المنطقة، وذلك بسبب تمكن اسرائيل على الرغم من هزائمها في كلٍ من غزة ولبنان من الحاق الضرر الشديد والخطير على المجتمع الحاضن والبيئة الفلسطينية للأسف، خصوصاً في ظل صمت وتآمر كبير على قضيتنا وشعبنا والانشغال بما يجري بمحيطنا واقليمنا والتفرد بنا.
ال BDS هي الحل، دون أدنى شك، حيث أن ما حققته هذه الحملة الفعّالة خلال 10 سنوات قد تجاوز بكثير ما حققته السياسة الفلسطينية خلال نفس الفترة بالحقائق والأرقام ودون أي مزاودات، ولعل تخبط اسرائيل في التعامل مع هذه الظاهرة المصحوبة بحملات تعزيز وتضامن وتكاتف دولي الى جانب قضيتنا العادلة هو أكبر دليل على أن دولة الجيش المحتل لا تفقه التعامل مع مقاومة شعبية مدنية منظمة تتسلح بالقانون الدولي وبالرأي العام خصوصاً في القارة العجوز أوروبا التي تتأثر نظمها الديمقراطية بمثل هذه النشاطات، وبقارات تميل دولها الى دعم صمود شعبنا وحقوقه مثل أمريكا اللاتينية وافريقيا وبعض دول آسيا.
مقاطعة، سحب استثمارات وعقوبات، كفيلة بتركيع نظام يقوم على الاقتصاد المزهر الذي توفره الشركات العالمية في اسرائيل، الا أن هذه الشركات لن تخسر قارات ودول من أجل عيون اسرائيل ومطامعها ولن تضحي بأرباحها وسمعتها لتحمي مستوطنات غير شرعية أقيمت على أراضٍ محتلة بحكم القانون الدولي، ولن تتمكن اسرائيل من سجن أو معاقبة أو اغتيال المدراء التنفيذيين لهذه الشركات العالمية ولا على وصفها بالارهاب، بل أن السحر سينقلب على الساحر وستشكل حملة ال BDS دون أدنى شك رأس الحربة في الدفاع عن الحقوق المغتصبة للشعب الفلسطيني اذا ما توفرت لها كل مقومات الدعم والنجاح.
قد يعتقد البعض أن ال BDS هي أضعف الايمان وفعاليتها محدودة مقارنةً بضرب تل أبيب بالصواريخ، وقد ير ى البعض الآخر بأنها ذريعة أو حجة لاسرائيل لمحاصرتنا ومعاقبتنا والحاق الضرر باقتصادنا، الا بالضرورة يرى الجميع بدون استثناء ويجمع الشعب الفلسطيني بكافة شرائحه أننا بحاجة الى استراتيجية تزاوج ما بين تدفيع الثمن للاحتلال وحفظ التوازن المعيشي الذي لا يودي بحياتنا وبمكتسباتنا، ومن هنا فإن تجربة ال BDS وبعد عشر سنوات من النضوج والتبلور وبدء الحصاد تمثل دون أدنى شك فرصة كبيرة يجدر بنا جميعاً التقاطها، دون ركوبها أو تجييرها وشق الصفوف فيها وإنما تبني نفس الفلسفة ونفس والأدوات التي مارستها منذ عشر سنوات والبناء عليها، والصب في نفس البحيرة من كل المشارب، لتصبح الاستراتيجية الوطنية التي يجمع عليها الجميع ويتحدث اللسان السياسي والاقتصادي والثقافيوالرياضيبها على الرغم من تضييع فرصة تاريخية لبناء الزخم لهذه الحملة من بوابة الفيفا.
على قيادة حركة فتح وأحزاب منظمة التحرير الإعلان الفوري عن تبني ال BDS كفكرة تدعو الى وضع حدٍ للانتهاك الممنهج للقانون الدولي الذي تمارسه اسرائيل عبر استيطانها وتهجيرها للسكان والعنصرية الجلية التي تمارسها بحق الفلسطينيين وحرمانهم من حق تقرير المصير، والأهم من كل هذا آلة القتل المستمرة التي أودت وتودي بآلاف الأرواح الفلسطينية، كما علينا الضغط في كل المحافل الدولية والتمسك بأن اسرائيل دولة عنصرية يتحتم على العالم مقاطعتها أسوةً بما حل في جنوب افريقيا من حملات دولية بدأت شعبية وأصبحت رسمية أنهت نظام الأبارتهايد الذي لم يعتقد أحد أنه سينهار قبل حملات المقاطعة، إن مثل هذه الحملة بحاجة الى عشرات الحملات التوعوية تصاحبها داخل الوطن وخارجه، وبحاجة الى تجيير الإعلام والسياسة والأحزاب والجامعات والمؤسسات الأهلية والأندية وكل جهة لها احتكاك بالفعاليات الدولية والمناصرين الدوليين لتبذل جهداً يؤدي لاستصدار المواقف المحاصرة للاحتلال والداعية لمقاطعته والضاغطة على رجال الأعمال في بلدانها لانهاء استثماراتهم فوراً.
ونهايةً، لا أعتقد أن أمام السلطة الفلسطينية حالياً أفضل من هكذا خيار شعبي موحد في الضفة وغزة والقدس العاصمة الأبدية والشتات، ولا يجوز أن تكون القيادة الفلسطينية عقبة في وجه هذا الخيار العادل والأكثر تأثيراً في وقتنا الحالي، وحتى فصائل المقاومة المسلحة الفلسطينية بامكانها دون أدنى شك أن تستفيد من هذا التوجه الشعبي الذي سيشكل غطاء دولي لها وبيئة حماية مقاومة تتقاطع معها من أجل نفس الأهداف في النهاية، فاذا كانت هذه الحملة وخلال وقت قصير جداً نسبياً وبامكانيات محدودة قد استطاعت أن ترعب الحكومة الاسرائيلية لامكانية توسعها وانتشارها، واستطاعت أن تلحق خسائر فعلية للجامعات والمصانع والشركات والأسواق والثقافة والرياضة الاسرائيلية وتظهرها على حقيقتها كدولة احتلال وتمييز عنصري!! فما بالكم لو تضاعفت الجهود الى أضعاف ما يحصل حالياً، وتوفرت المقومات الضخمة التي يتم تبذيرها شهرياً، ولو وُجه الإعلام الفلسطيني والعربي والدولي الى تبني هذه الاستراتيجية ونشر كل ما ينحها القوة ويعطيها المنبر، والأهم من كل هذا زيادة وعي الجمهور الفلسطيني بأهمية هذه الحملة واشراك أكبر عدد من المغردين والكتاب والرياضيين ورجال الأعمال والسفارات ومؤسسات أهلية وغيرهم من قطاعات المجتمع الفلسطيني، ما بالكم ستكون النتائج على اسرائيل!؟ بالتأكيد ستكون كارثية، بالتالي فان الانتظار والفرجة لا مكان لهما في الاستراتيجية القادمة لا محالة.