الجمعة: 15/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

النكسة والوكسة والأدب

نشر بتاريخ: 07/06/2015 ( آخر تحديث: 07/06/2015 الساعة: 10:32 )

الكاتب: د. وليد القططي

من غير المعروف من أطلق اسم ( النكسة ) على هزيمة الخامس من يونيو حزيران في العام السابع والستين من القرن العشرين , والمعروفة إسرائيلياً بحرب الأيام الستة , ولماذا أ ُطلق هذا الاسم على هزيمة حزيران , فالنكسة في اللغة من الفعل نكس وفاعله ناكس ومفعوله منكوس , وتعني التغير من الأفضل إلى الأسوأ , فعندما نقول " انتكس المريض " أي عاوده المرض بعد أن شُفيَ , أو" انتكس الطالب " أي تراجع مستواه التحصيلي بعد أن تحسّن . وهذا المعنى لا ينطبق على هزيمة حزيران , لأن العرب لم يكونوا منتصرين ثم هُزموا , بل كانوا مهزومين في حربين سابقتين هما النكبة والعدوان الثلاثي , ثم هُزموا مرة ثالثة في الخامس من حزيران , هذه الهزيمة التي وصفها المفكر الإسلامي توفيق الطيب في مقال عقب النكسة بعنوان ( الحل الإسلامي ما بعد النكبتين ) بأنها أخطر من سقوط القدس في يد الصليبيين في المشرق , وسقوط قرطبة في يدهم بالمغرب , وسقوط بغداد على يد التتار في المشرق .

وربما يكون اسم ( الوكسة ) من الفعل وكس وفعله واكس ومفعوله موكوس أقرب من اسم النكسة لوصف ما حدث في هزيمة حزيران , فالوكسة تعني المصيبة والخسارة وخيبة الأمل , وهذا ما حدث بالفعل لأن الأمة العربية كانت تنتظر النصر الذي وُعدت به , وبدلاً من تحقيق النصر على الكيان الصهيوني وإزالته من الوجود – كما روّج لذلك إعلام الأنظمة العربية – إذ بهذا الكيان الذي وُصف بالعصابات ينتصر ويتمدد على ثلاث جبهات , فأحس العرب بخيبة أمل كبيرة وخسارة هائلة ومصيبة عظيمة , عبّر عنها الشاعر الكبير أمل دنقل في قصيدته ( البكاء بين يدي زرقاء اليمامة ) مخاطباً زرقاء اليمامة " تكلمي .. لشد ما أنا مُهان .. لا الليل يخفي عورتي .. كلا ولا الجدران .. ولا اختبائي في الصحيفة التي أشدها .. ولا احتمائي في سحائب الدخان .... " .

ومهما كان الاسم الذي أُطلق على هزيمة حزيران فلم يغير من مضمونها ونتائجها الكارثية , ولم يحول دون طرح الأسئلة الكُبرى التي أعقبت الهزيمة , وفي مقدمتها السؤال المركزي ( لماذا هُزمنا ؟ ) , وتجاوزت الاجابة على هذا السؤال الأسباب المباشرة للهزيمة العسكرية إلى الأسباب الأكثر عمقاً والكامنة في طبيعة الأنظمة الحاكمة والمجتمع العربي كمنظومة متكاملة تجمع بين فلسفة الحكم السائدة , والفكر الذي قاد إلى الهزيمة , وهذا ما عبّر عنه الشاعر الكبير نزار قباني في قصيدته ( هوامش على دفتر الهزيمة ) بقوله " أنعي لكم يا أصدقائي اللغة القديمة .. والكتب القديمة .. أنعي لكم .. كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة .. ومفردات العهر والهجاء والشتيمة .. أنعي لكم .. أنعي لكم ..الفكر الذي قاد إلى الهزيمة " .

ومن الأسباب العميقة لهزيمة حزيران أو النكسة التي ناقشها الأدباء العرب في أعمالهم الأدبية المختلفة الاغتراب كمحصلة للاستبداد والفساد الذي مارسته الأنظمة الحاكمة على شعوبها وحطت من كرامتها , وسحقت إنسانيتها , وأعدمت فاعليتها , وعزلتها من مراكز التأثير والقرار , هذه الأنظمة التي احتكرت نخبتها الحاكمة السلطة , واستحوذت على الثروة , وجعلتهما حقاً لها ولأبنائها من دون الناس , ومارست كل الفواحش تحت شعارات الثورة والوحدة والتحرير ... ولقد عبّر عن هذا الاغتراب الأديب الكبير نجيب محفوظ في روايته ( ثرثرة فوق النيل ) على لسان مجموعة من هؤلاء المهمشين " السفينة تسير دون حاجة إلى رأينا أو معاونتنا , وأن التفكير بعد ذلك لن يجدي نفعاً , وربما جر وراءه الكدر وضغط الدم " .

ومن الأسباب العميقة للهزيمة التي طرحها الأدباء في أعمالهم الأدبية الاستبداد , كرواية ( شيء من الخوف ) للروائي الكبير ثروت أباظة , التي قدمت شخصية ( عتريس ) كرمز للديكتاتور المستبد الذي حكم القرية بالخوف , ورمز للشعب بأهل القرية , مؤكداً على أن التحرر من الخوف والثورة على الاستبداد هو بداية الطريق للتقدم والنصر . أما الأديب المسرحي سعد الله ونوس فقد أشار إلى سبب آخر للهزيمة من خلال مسرحية ( حفلة سمر من أجل خمسة حزيران ) وهو التضليل الذي مارسته الأنظمة على شعوبها استخفافاً بهم , وأن الطريق إلى النصر هو الحقيقة لا التضليل والمقاومة لا الاستسلام .

واذا كانت هذه بعض الأسباب التي أدت إلى هزيمة حزيران , كالفكر المضلل للعقل , والاغتراب المهمّش للمواطن , والاستبداد المُعيق للتقدم , والتضليل المناقض للحقيقة .... فهل عالجنا – نحن الفلسطينيين , منظمة وسلطة وفصائل - هذه الأسباب وتخلّصنا منها أم أضفنا إليها أسباب أخرى رسخّت الهزيمة وأبقت النكسة وعمّقت الوكسة وأبعدت النصر .