الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

في ذكرى الخامس من حزيران 1967

نشر بتاريخ: 10/06/2015 ( آخر تحديث: 10/06/2015 الساعة: 15:14 )

الكاتب: عثمان أبو غربية

لا بد للإنسان العربي ومنه الإنسان الفلسطيني أن يقف وقفة مراجعة خلال ثمانية وأربعين سنة بعد أن قام كيان الاحتلال بعدوان عام 1967 واحتلاله لكل ما كان قد بقي من فلسطين وأراضي عربية أخرى.

لقد كان ذلك المنعطف منعطفاً أساسياً في تاريخ الصراع العربي مع كيان الاحتلال وفي الخارطة الاقليمية، وقد استمرت تداعياته تتكشف وتتعمق لعقود عديدة.
مما لا شك فيه أن حرب تشرين وقعت بعد هذا التاريخ، ولكن نتائجها وتداعياتها أديتا إلى تغير في خارطة جبهة الصراع مؤثر وخطير.
كانت مصر هي الركن الأساسي في جبهة الصراع وبعد كامب ديفيد أصبحت هذه الجبهة بدون مصر، وتم التطلع إلى إقامة جبهة شرقية معارضة، ولكن الحرب العراقية الإيرانية والخلاف السوري العراقي أعاق فعالية هذه الجبهة وحتى قيامها.

وقد انعكس ذلك في محاولات من أطراف أساسية لانهاء خيار السلاح والمواجهة، وهو الأمر الذي أشعر القيادة الفلسطينية بخطورة ذلك، حيث سيتم الاستفراد بها وحرمانها من القاعدة الارتكازية الآمنة التي هي ركن أساسي من أركان الكفاح المسلح الفلسطيني، والقائم على مبدأ حرب الشعب ومفهوم التحرر الوطني وهو ما تم فعلاً بعد اجتياح لبنان عام 1982 والانشقاق الذي تلاه داخل الحركة الأمر الذي أبعد القيادة الفلسطينية والتواجد الأساسي آلاف الكيلومترات، ولم يتم حتى استدراكه بفتح خطوط الكفاح من القاعدة الارتكازية إلى داخل الوطن وبالتالي انتهاء القاعدة الارتكازية للثورة حتى للذين بقوا على ساحتها.

وقد أعقب فقدان هذا الجدار الاقليمي فقدان الجدار الدولي بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة في قمة مالطا بين السيدين ميخائيل غورباتشوف وجورج بوش الأب الذي خرجت على إثره الولايات المتحدة في طور جديد من أطوار استراتيجيتها في الاقليم.
وما زاد من خطورة الأمر هو هزيمة ما تراكم من سلاح عربي للعراق في معارك حفر الباطن.
وقد اصبح الواقع الاقليمي مكشوفاً لسياسات الولايات المتحدة وفتح أمامها النوافذ للانتقال إلى أطوار جديدة.
ولا بد من التطرق إلى رافعة إيجابية هي الانتفاضة الأولى، والتي أدت إجراءات الاحتلال والظروف الاقليمية الجديدة إلى زخم من التركيز لإنهائها. ولكنها على الرغم من ذلك استطاعت أن تضع فلسطين على طاولة الترتيبات الجديدة.

يشهد الواقع الاقليمي الآن منعطفاً بحجم منعطف ما بعد حرب عام 1967، وهو منعطف ما سمي بالربيع العربي، وما انطوى عليه من وقوع في دوامة تدمير قطرية اقليمية كاملة بعناوين دينية او طائفية او قومية أو عشائرية او جهوية او اجتماعية، الكثير منها انطوى على مطالب محقة، ولكن الجميع انزلق إلى فخ دوامة التدمير الذاتي الذي أعدته الولايات المتحدة وبحوافز من كيان الاحتلال منذ عقود طويلة.
إن أهم حافز من حوافز هذه المنعطفات هو توسع كيان الاحتلال، بحيث يهضم الوجبة الأولى للانتقال إلى الثانية، ولعل صمود ومقاومة الشعب العربي الفلسطيني كانت خط الدفاع الأول لما أظهرته من استعصاء على الهضم.

لكن على الرغم من أن الشعب العربي الفلسطيني أثبت أنه لن يستسلم وسيبقى صامداً في وطنه وهو ما سيجعل هضم هذا الوطن عسيراً على أنياب الاحتلال على الرغم من كل ما يمتلكه من أوراق وقلة ما يمتلكه الشعب الفلسطيني من أوراق.
ليس هذا فحسب بل أعطت مناخات ما سمي بالربيع العربي الفرصة لكيان الاحتلال للتطلع إلى نطاق نفوذ جديد يكون مقدمة لفرص توسعية وخاصة على الجبهة السورية ومنابع المياه في لبنان.
إن وقفة المراجعة المطلوبة هي وقفة استدراك للأخطاء ونقاط الضعف وأولاً وقبل كل شيء القدرة على الخروج من دوامة الاستنزاف الجاثم على قلب الأمة والاقليم بعالميه العربي والإسلامي.

يبدو أن بعض الأطراف غير قادرة على الصحوة وأن بعض الأطراف تحكمها هيمنة الأجنبي وبعض الأطراف تحكمها نزعة الهيمنة في النطاق الاقليمي.
ذلك الأمر يجعل المراجعة عسيرة، والخروج من دوامته صعباً على الرغم من أن لكل دوره وأن على الجميع أن يتقي المخاطر في خندق الصراع الأمامي الآن قبل أن تصله النار.
لن تفلت هذه النار أحد قادر على الوصول إليه في الاقليم مهما تراءى الأمر على عكس ذلك.
كذلك فإن فقدان التماسك بين الأنظمة والشعوب قد قدم الثغرات والهوامش للنفاذ منها، مثلما أفقد تماسك الأمة المناعة في وجه الاحتلال وأطماعه.
لقد برزت بعض صور التضامن في الماضي، ولكنها لم تكن كافية، وكانت تبرز في اللحظات الأخيرة في الوقت الذي كانت تحتاج فيه إلى المقدمات الطويلة الأمد والتناسق المتجذر اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً.

لعل ضروروات الافلات من الاستنزاف القائم وأولويته يجعل من المبكر الحديث حتى عن حدود كانت غير كافية في الماضي.
ولكن على الجميع أن يدرك أن هذه الأمة في سباق مع التاريخ والزمن وأن أمامها مسافة كبيرة للحاق تكنولوجياً واقتصادياً وحضارياً بكثير من الدول من الدرجة الثالثة بالمعايير العلمية لهذا التصنيف، سواء الناتج القومي أو امتلاك التكنولوجيا العالية أو القوة العسكرية المتكاملة والتي تتناسب مع حجمها أو التنسيق والتكامل المطلوب.
يعيش الواقع الدولي عصر المتحدات الكبيرة والتحالفات الأكبر بينما لا تستطيع الأمة تحقيق درجة من التعاون كافية لردم الصراعات والتأسيس لمستقبل يحمي مقدراتها حتى الحالية.

من البديهي أن على الواقع الفلسطيني أن يجذف في هذا البحر المتلاطم، وأن من واجبه أن يجيد ذلك أكثر مما يفعل وأن يجيد التماسك الذاتي بكل معانيه، وأن يجيد تلافي السلبيات وتعزيز الصمود والبقاء وبناء الإنسان كماً ونوعاً.
كل ذلك يحتاج إلى خطة واضحة وآليات قادرة وإرادة صلبة لمواجهة التحديات والمناخات المضادة التي يجتهد الاحتلال في توفيرها.
على الجميع أن ينتبه إلى ضرورات اليقظة بأسرع وقت ودون أي إبطاء لأن نار الاحتلال والاستعمار لن ترحم أحداً.