الأحد: 22/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

غاب زمن المثقفين الحقيقيين.. من حكايا السجن

نشر بتاريخ: 13/06/2015 ( آخر تحديث: 13/06/2015 الساعة: 11:19 )

الكاتب: محمود التعمري

ذات يوم ونحن في الأسر الصهيوني ، كان احد الاخوة يقوم على خدمة زميل له أسير مبتور اليد ومصاب بدزينة من طلقات جنود الاحتلال وصعب التنقل ، وكنا نلقب الجريح بالدكتور وذلك لأنه يفهم بطب الأعشاب ، " ومن لا يعرف الدكتور نافذ علان ..؟ "مازح الجريح زميله " م " قائلا ، ( انت تشــــــبه طاغـــــــور .. والا أقلك انت وبابلو نيرودا مثل بعض ) .. غضب " م " وزمجر وبدأت حفلة السباب على طاغور ونيرودا وبدأ في معاتبة الدكتور على ذلك ( الحق علي اللي قاعد بخدم فيك بغسلك وبطعميك وبحملك وبلبسك ...الخ ) .. ( مين هذا طاغور ومين نيرودا يمكن جواسيس أو عملاء أو ناس ساقطين .. ) .. ( انا من بكرا طالع من عندك ، ما بدي اظل عند واحد بشبهني بجواسيس ..) .


ومما زاد في الطين بلة أن الدكتور نادى على احد الرفاق الذي يقيم في الزنزانة المحاذية وكان يستمع لحفلة السباب والعتاب والغضب تلك طالبا منه أن يقول ل " م " من هم طاغور ونيرودا ..


وازدادت ثورة "م" عندما قال الرفيق مازحا ( ارجوك يا دكتور ما تدخلني في مشاكل بينك وبين الأخ " م " وما بصير تحكيله هيك ولازم تحكيله بالاول مين هو طاغور ومين هو نيرودا .. ) .


ولم تهدأ ثورة "م" الا بعد ان طلب الدكتور من زميله ان يجلس ليقول له من هو طاغور شاعر الهند العظيم ومن هو الشاعر الثوري بابلو نيرودا .. وقد بدات حفلة اخرى من الندم والأسف والاعتذار لدرجة البكاء من قبل "م" بسبب جهله بأمثال هولاء العظماء وهو المناضل الذي يجب عليه أن يكون مثقفا وواعيا وعارفا .. وفي اليوم التالي وضع قائمة باسماء عدد من الكتاب والشعراء التقدميين والثوريين أمثال .. غسان كنفاني والبياتي والفيتوري واحمد فؤاد نجم والطاهر وطار والطيب الصالح ونازك الملائكة والسياب وعدوان ويحيى يخلف ومكسيم غوركي وفيكتور هيجو وقائمة طويلة من الكتب والمؤلفات الاخرى .


للاسف .. غاب زمن المثقفين الحقيقيين .. وحل محلهم بعض "الثوار الكتبة " ( من باع فلسطن غير الثوار الكتبة ).. وبعض أنصاف ربع الساعة الاخيرة من الدجالين والكذابين والمرتشين الذين ينبطحون عند احذية من يدفع لهم ثمن أفكارهم ومقالاتهم وترهاتهم أكثر ..


رحم الله الزمن الذي كانت فيه الكلمة مثل حد السيف وحين كانت قصيدة للشاعرة فدوى طوقان تنظم عشرة فدائيين للثورة ( كما قال الصهيوني موشيه دايان ذات يوم عن شعر فدوى طوقان .. )