نشر بتاريخ: 16/06/2015 ( آخر تحديث: 16/06/2015 الساعة: 15:25 )
الكاتب: سراب عوض
في حكاية أثارت إعجاب اليونسكو، خبأ السجين السياسي مذكراته الشخصية في بطن قبقابه الخشبي، واحتفظ بها نحو ثلاثة عشر عاماً. فقد اتسع باطن القبقاب، للمذكرات، لأن المناضل اليساري ضد الدكتاتورية في أوروغواي، خورخي تيسكورينا، خطها على أوراق لفافات التبغ الصغيرة الرقيقية، ذلك أن قضية الحرية لا تتجزأ، ولا حدود فاصلة بين المستعمرين والمستبدين.
والسجين من أجل الحرية أخٌ لمثيله في أي مكان. لكن حفاوة اليونسكو والصحافة الدولية، بمأثرة تيسكورينا، تفتح شهية أسرى الفلسطينيين لتلقي المزيد من الحفاوة لمآثرهم على صعيد ابداعات عقل السجين وأفكاره وتدابيره، للاحتفاظ بذاكرته وذكرياته وأسراره ومقتنياته ذات الأهمية الرمزية، فضلاً عن تطور مستوى مشغولاته اليدوية، حين يصنع المسابح من نويات الزيتون، التي يكسوها ويلونها، أو يصنع ايقونات الزينة الداخلية أو لوحات المطرزات، التي يهدها للأهل والأحباب.
مذكرات تيسكورينا، الخارجة من مخبئها في قبابه الخشبي، أضيفت الى فقرات برنامج الذكرى الأليمة، الذي تنظمه اليونسكو لعرض أشياء وشواهد تاريخية حية، تروي قصص العزل الطويل في السجون، وتعكس قوة الإرادة والمبادرة والإصرار على عدم النسيان وتسجيل كل الوقائع. ومثلما فعل كثيرون من أسرانا السابقين، ظلت يوميات تيسكورينا مخبأة في القباقيب، بعد أن لفظه السجن في العام 1985 حتى علم بها صديق له من السجناء القدامى، وأنتج عنها فيلماً وثائقياً بعونان “الرُزنامة” أهداه الى إرشيف حقوق الإنسان في أراغواي، الذي أحاله بدوره الى اليونسكو.
كانت الحاجة تدوين الوقائع، هي أم اختراع الكتابة على ورق لف السجائر. كذلك كانت حاجة الأسرى الفلسطينيين، الى تطيير الرسائل والتقارير، هي أم اختراع “الكبسولة” المعبأة بورق رقيق كُتبت عليه الموضوعات بخطوط صغيرة متأنية. وهذه يكون حملها وايصالها سهلاً عبر المنافذ الضيقة المتاحة لأسباب لوجستية.
كان خورخي تيسكورينا في مواجهة مع السجان الذي فعل كل شيء لتغييب ناموس تناوب الليل والنهار، وحجب ضوء النهار لإفقاد السجين الإحساس بالوقت والقدرة على تمييز الأيام. وهذا هو بالضبط، ما يحدث مع الأسرى الفلسطينيين في مرحلة التحقيق. وإن كان التدوين متاحاً للسجين في أوروغواي، على الرغم من غلاظة السجن هناك، فإن الكتابة لم تكن متاحة للأسير الفلسطيني في مرحلة التحقيق. لكن المتشابهات تكثر بعد فترة التحقيق، بين السجن الإسرائيلي والسجن الذي عاشه خورخي تيسكورينا.
وفي المحصلة يمكن القول، إن هناك الكثير مما يقدمه الفلسطينيون لليونسكو. فلدى الأسرى ما يجعلنا نطالب بإنشاء متحف مركزي للأسير الفلسطيني، يضم الشواهد والمذكرات والمطرزات التي أعدت في ظروف صعبة، واللوحات الخطية التي كتبت على المناديل والمشغولات الخشبية وغيرها والكتب التي أهداها الأسرى لرفاقهم وكل ما خطت يد أسير عبارة ألم في السجن!