الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

تراتيل مقدسية رمضانية ...

نشر بتاريخ: 19/06/2015 ( آخر تحديث: 19/06/2015 الساعة: 14:11 )

الكاتب: يونس العموري

هي القدس بكل تجلياتها، هي مدينة الله التي لا تنطق إلا بلغة الضاد، هي العربية الكنعانية التي تتحدى قسوة الجلاد، وتأبى إلا أن تظل شامخة معتزة بعروبتها.
هي القدس التي لا تقبل القسمة على أثنين، وهي عاصمة الفقراء، وملاذ العاشقين الأوائل، وحامية أحلام المحرومين المقهورين المعذبين.
هي القدس، وان كان جردان الليل يجوبون شوارعها، ويدنسون قدسيتها، لتتحدى غاصبيها وتستقبل عشاقها، وتفتح أذرعها للمتعبدين في رحابها.
هي كلمة الله على الأرض، ورمز سلامه، وعشقه لعباده. هي صوت أذان الرب، ورنين أجراس السلام في ملكوته.
هي القدس المتحدية رغم كل أشكال التهويد والأسرلة لمعالمها ولبشرها ولحجرها. تعلن أنها الحافظة للعهد، والوفية لوصايا الشهداء، ولن تكون إلا يابوسية مقدسية عصية على الاحتلال وجبروته....
هي القدس الأبهى والأنقى والأجمل، تحتضنكم من كل حدب وصوب، وتتجمل لكم حينما تزورنها وتعمرون أسواقها وحواريها وأزقتها، هي التي ترحب بإكتظاظكم على أبوابها، وتبتسم للعابرين نحوها.
تعالوا إلى أحضانها الدافئة واعتلوا أسوارها، وزينوها بحضوركم، والفحوها بأنفاسكم، وابتهالاتكم، حاولوا أن تأتوها بكل الأوقات فهي صامدة بكم، وانتم صامدون بها.
وللقدس صرخة ونداء ومناشدة، فهي تناشد فيكم ضمائركم بأن كفوا عن هذا العبث في شوارع غزة ورام الله ونابلس... وعودوا إلى قبلتكم الواحدة الموحدة، فبوصلة لا تشير باتجاه القدس مشبوهة، وخائنة. وبندقية تعبث في شوارع المدن والقرى، خبيثة وملعونة.
هي القدس توجه صرختها ونداءها لكم بأن عودوا إلى رشدكم، وأدركوا أن يهوذا يتربص بكم...
هي القدس ستلفظكم إن ما عدتم إلى رشدكم وصوابية توجهاتكم....
هي القدس سادتي سئمت عويلكم ونباحكم واعلنت عن حدادها وانتم أشباه الرجال تنطقون باسمها وهي براءة منكم ومن أفعالكم ومن مواقفكم....
برمضان وهي الحزينة الكئيبة تهمس في أذان عاشقيها كلمة ....
فيا كل العاشقين تجمعوا.... ويا معذبي الأرض انهضوا... ويا أيها المصلوبين على الجدران العتيقة انتظاركم طال... وحلمكم ما زال يتشكل... اكسروا الصمت.... وتعالوا الليلة فنحن بالانتظار... تعالوا عند قنطرة بالبيت العتيق..... تعالوا لنحكي قصص المدينة.... وعاشقة كانت بالمكان... تعالوا لنسمع معا صهيل الخيول وأنين العذارى... تعالوا فالقدس الليلة بالانتظار... والقمر على موعد معها.... فبمثل هذه الليلة كان القمر غائبا.... وعدها بالسطوع وغاب خائنا.... تعالوا... سنبكي الليلة... وننوح في حواريها.... ونعلن حزننا الأبدي.... تعالوا فلن نبرح المكان.... ولن نمارس اغتصاب نساؤنا.... وسنمارس صراخنا وضجيجنا... تعالوا لندشن وإياكم كرنفالية الموت... واحتفالية الرحيل... فقد كان العاشق هنا... منتظرا قدومها.... والموت أيضا كان يتربص... تعالوا متسللين فمن الممنوع عبور العشاق... تعالوا متخفين فيهوذا يكمن بالمكان.... تعالوا بغضبكم وأحزانكم.... تعالوا سكارى.... لنمارس نواحنا على الأسوار العتيقة.... تعالوا عرايا.... لنشهد اغتصابات المدينة.... تعالوا بلا رجولة... فنساء الحواري غادرن منذ البعيد.... تعالوا لقسم المدينة.... تعالوا لقسم الموت... تعالوا لقسم الحزن.... تعالوا لقسم القدس....
تعالوا سأعلن الرحيل بليلة القمر.... وقمر القدس يغيب وغائب... تحت جنح الليل أتسلل حواريكِ... والغاصبون نائمين آتيكِ.... اهرب من أزقة الحواري العتيقة... فالليلة يغريني الرحيل... على متن موجة آتية من بعيد سأعلن عن رحيلي... استأذنكم بهذا الرحيل... سأعمدني بتلاطم أمواج يافا... وسأرمي بجسدي على أعتاب بحرها... وسأسمع كل حكايا البحر.... فللبحر حكياه والموج يرويها...
استأذنكم سادتي...
فقد سئمت رحلة الانتظار... وعويل القلوب.... ونظرات العيون الباحثة عن معنى الوجود... والأجساد المنتظرة لاهتزازاتها.... سئمت الإجابة عمن بحثي وتحناني... وجنوني... سئمت انتظاركِ لتأتي ولن تأتيني... أسير بدرب المسيح.... باحثا عن وجودي... وفي باحات المسجد العتيق ابتهل لإله الكلمة الأولى... وهناك عند صخرة الرب أتكور جالسا... فعلها سـتأتيني وأنا الناسك المتعبد... أقص على مسامعها عذاباتي... واسترق السمع لآهاتها... وننوح نواحنا الشجي الحزين... لتطرب قلوب الحزانى... فللحزن طربا وموسيقاه...
استأذنكم سادتي للرحيل...
سأمتطي صهوة الريح... وسأحط بأنفاسي بليل يافا... فليل كل المدائن واحدا وليلكِ غريب...
فأنا القارىء لأحرفكِ التي ترسمها أمواج بحركِ... ففيها رسائلكِ نحو القدس... ولم تصلها رسائلكِ.. كمن هي رسائلي لعاشقتي لا تصلها.... فهي وريقات ربما ترى ظلال النور يوما...
وتقرأها عاشقات البحر... وحبيبة ستـأتيكِ يوما لتسألكِ عني.....