نشر بتاريخ: 22/06/2015 ( آخر تحديث: 22/06/2015 الساعة: 11:52 )
الكاتب: أكرم عطا الله العيسة
رامي ليفي تاجر إسرائيلي يمتلك سلسلة من المحلات التجارية التي تبيع الكثير من السلع الغذائية، حيث يبلغ عددها 26 محلا تجاريا، أربعة منها منتشرة بالقرب من المدن الفلسطينية وعلى مداخل المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية، مثل مستوطنة غوش عتصيون المقامة على أراضي بيت لحم والخليل جنوب الضفة الغربية، ومستوطنة معاليه ادوميم المقامة على أراضي القدس. من الواضح ان شركة رامي ليفي تعمل بعقلية الاعتماد على البيع الكثير والربح القليل مما حول محلاته المنتشرة في الضفة الغربية الى مقصد للكثير من المواطنين الفلسطينيين, ومن مختلف الشرائح الاجتماعية والاقتصادية، البعض منهم يبحث عن السلع الارخص والتي تتناسب مع دخله، والبعض يعتقد ان السلعة المعروضة في السوق الإسرائيلية أكثر جودة من مثيلتها العربية.
مساء يوم الاحد 21 حزيران اليوم الرابع من رمضان، دخلت الى احدى المحال التجارية التي اعتدت التسوق منها في مدينة الدوحة محافظة بيت لحم، كان المحل مزدحما بعض الشيء والسبب يعود لرغبة الجميع في التسوق قبل ساعة الافطار، كان جزء من اللغة المتدولة في المحل هو العبرية، للحظة الاولى اعتقدت ان بعضا من الشباب الزبائن يتحدثون بها من باب التندر او الاستعراض او التغيير، خاصة ان الكثير من الفلسطينيين الذين يعملون او عملوا في اسرائيل او اللذين قضوا فترات طويلة في المعتقلات الاسرائيلية فهم يتحدثون اللغة العبرية بطلاقة.
ويتبين لي لاحقا ان من يتحدث العبرية ويريد التسوق هم مواطنون اسرائيليين يهود، كان أحدهم يناقش اسعار بعض انواع العصائر, وكان يعتقد ان صاحب المحل سيعطيه اولوية واهمية او ان يقدمه على الزبائن الاخرين، لم تعجب الاسعار الزبون الاسرائيلي، وقال انني اشتري العصير من عند رامي ليفي بخمسة شواقل وليس بستة شواقل، اجابه صاحب المحل وباللغة العبرية بان رامي ليفي يشتري كميات كبيره وبالتالي لديه القدرة ان يحصل على أسعار اقل.
سألت مستغربا هل جرت العادة ان يأتي متسوقين اسرائيلين الى وسط بيت لحم؟ تفاجئت من الاجابات من قبل الزبائن، بعضهم قال نصادفهم كثيرا، منهم من ياتي لغسل سيارته، ومنهم من يأتي لشراء قطع سيارات، ومنهم من يأتي لتسوق مواد غذائية، فهم يعتقدون ان الاسعار في الضفة الغربية اقل من اسرائيل, واضاف اخر ان بعضا منهم يتحدثون العربية ومن الصعب تمييزهم, هل هم فلسطينيين ام اسرائيليين.
وطال الحديث لينتقل خارج السوبر ماركت، فقال احد الاشخاص، انا لا احب ان اشتري من رامي ليفي، ولكن اذا كانت أسعاره اقل فانا على استعداد للذهاب الى كفار عتصيون فهي لا تبعد عشرة كليومترات عن بيت لحم،وقال اخر "اه شو المشكلة ان نشتري بعض البضائع من رامي ليفي إذا كانت الأسعار عنده ارخص" ، قلت له يجب ان نقاطع البضائع الاسرائيلية، فقال الكثير من البضائع عندنا تأتي من الأسواق الإسرائيلية؟! ثم تدخل شخص آخر في النقاش وقال اذا أن سعر كيلو الدجاج في بعض المحلات الإسرائيلية 13 شيكل بينما في الضفة الغربية فيبلغ 20 شيكل وأكثر، كيف بتقلي ما اشتري من السوق الاسرائيلية.
على ضوء هذا النقاش غير المخطط قفزت الى ذهني العديد من التساؤلات ، وباالتأكيد فهي تشغل بال الكثير من الفلسطينيين غيري، كيف يمكن للمواطن الفلسطيني ان يساهم ويندفع للمقاطعة والرأسمال المحلي يساهم في جلده وفي احيان كثيره اكثر من الراسمال الاسرائيلي، شركات الاتصالات الفلسطينية تبيعنا اسعار المكالمات، واستخدام الانترنت اكثر من اسعار الشركات الاسرائيلية؟ كيف يمكن للمواطن الفلسطيني محدود الدخل ان يمتنع عن استخدام شركات مثل اورانج وسيلكوم وغيرها، والتي تقدم خدمات اكثر تطورا؟
وكيف سيتدبر المواطن الفلسطيني اوضاعه الاقتصادية علما ان الحد الادني للاجور في فلسطين هو 1450 شيكلا، مع الاخذ بعين الاعتبار ان هنالك العديد من العاملين في بعض المصانع والمشاغل الفلسطينية يتقاضون اقل من ذلك. في المقابل فان الحد الادنى للأجور في اسرائيل هو 4650 شيكلا شهريا، والسؤال هنا كيف يمكن للمواطن الفلسطيني صاحب الدخل الأقل ان يتجنب البحث عن السلعة الاسرائيلية حتى تلك المنتجة في مستوطنات الضفة الغربية اذا ما كانت ارخص سعرا مما هو معروض في بعض اسواق الضفة الغربية؟.
اما ان نجد بعض الدعوات الفلسطينية بضرورة مقاطعة اللحوم والدواجن لان اسعارها قد ارتفعت بشكل خيالي خلال الاسبوعين الاخيرين، ففي اعتقادي ان ذلك سيكون بلا جدوى، فالمواطن الفلسطيني سينقسم على امره ، فمنهم من سيتوجه للسوق الاسرائيلي، باحثا عن اسعار اقل, ومنهم من سيمتنع عن الشراء ليس من باب المقاطعة انما من باب عدم امتلاكه للقدرة الشرائية، وان اشترى فهو سيشتري بكميات اقل، ومنهم من سيشترى بما هو متاح من اسعار لانه يمتلك المال الكافي.
بالمقابل فان الارتهان الي وعي المواطن الفلسطيني ونشاط المؤسسات والحركات الداعية لمقاطعة البضائع الاسرائيلية فقط من اجل احكام المقاطعة على السلع والخدمات الاسرائيلية فانه لا يكفي، وستبقى نتائجه محدودة، حتى وان تم اسناده ببعض المحاولات المحدودة والخجولة من قبل وزارتي الاقتصاد والزراعة الفلسطينيتين، ان المطلوب هو رفع مستوى الرقابة والمحاسبة بحق الشركات الاحتكارية الكبرى، سواء أكان ذلك في قطاع الاتصالات او في قطاع السلع الاستهلاكية الأخرى وخاصة المواد الغذائية، بحيث تتم الرقابة على أسعارها وخدماتها ومحاسبتها على تغولها وجشعها المتزايد في السوق الفلسطينية.
اما منتجات المشاريع الصغيرة سواءا اكانت سلعا ام خدمات فمن الضروري الالتفات لها وحمايتها وتشجيعها ووضع سياسية ضريبيبة مناسبة لها وليس تقويضية لها، فنحن بحاجة الى سلعة منافسة من حيث السعر والجودة، وبحاجة ايضا الى منتج يلقى التشجيع حتى يتمكن من الاستمرار، وايضا نحن بحاجة لبعض الرقابة الشعبية والحكومية عليه حتى نحافظ ونشجع المواطن الفلسطيني على طلب سلعه وخدماته ليس فقط من باب الالتزام الوطني وانما ايضا من باب ان السلعة منافسة سعرا وجودة.