الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حول الميزانية العامة وحياة الناس؟

نشر بتاريخ: 24/06/2015 ( آخر تحديث: 24/06/2015 الساعة: 10:13 )

الكاتب: عقل أبو قرع

اقرت الحكومة الفلسطينية يوم امس، الميزانية العامة لعام 2015، ورغم ان ذلك مر بشكل عادي، وبالاخص في ظل غياب المجلس التشريعي الفلسطيني، الذي من المفترض ان يراقب ويمحص ويسائل عن بنود الميزانية، من ونفقات ومن ايرادات، وعن الطرق التي تتم فيها الواردات والنفقات، الا ان ما يهم المواطن الفلسطيني، هو هل من الممكن ان يؤثر ذلك على حياتة اليومية، اي ما تم تغييرة في بنود الميزانية، سواء من نفقات، اي من اولويات في الانفاق العام، اي في قضايا مهمة لة، مثل الصحة والتعليم والزراعة والتشغيل والاسعار وما الى ذلك، وكذلك في بنود الايرادات، اي في جباية الضرائب والرسوم واسعار الخدمات الحكومية وما الى ذلك؟

ومن خلال الملامح العامة لميزانية الحكومة للعام الحالي ، كان واضحا ان الخطوط العريضة التي تميز هذه الموازنة، التي تبلغ حوالي 5 مليارات من الدولارات، لم تتغير كثيرا، وانة وكما كان في السنوات الماضية، تم التركيز على زيادة الايرادات وترشيد او خفض النفقات العامة، وبالتالي تقليل العجز المالي في السنة الحالية، والذي من المتوقع ان يكون حوالي 385 مليون دولار في السنة، او حوالي 32 مليون دولار امريكي في الشهر، هذا بالاضافة الى العجزالمتراكم خلال الاعوام الماضية، والذي من المتوقع ان يتجاوز او تجاوز المليار دولار امريكي؟

ورغم التصريحات والبيانات بين الفينة والاخرى، التي تشير وبوضوح الى حتمية البدء في اجراءات جذرية، من اجل الاصلاح المالي، او للتغلب على الفجوة او العجز المالي، ورغم ان هذه التصريحات يتم تكرارها، الا ان تطبيق ما يتم الحديث عنة لم يتم ويبدو انة لن يتم، في ظل اوضاعنا الحالية من سياسية واجتماعية واقتصادية، وفي ظل مقاومة من اطراف عدة، وفي ظل محدودية الامكانيات وبالتالي محدودية افاق التغيير، وفي ظل اعتماد جزء كبير من الايرادات على الخارج وتبرعاتة او منحة او قروضة، وفي النهاية يتم الحديث ان المسبب لذلك هو الوضع الفلسطيني الخاص من احتلال وتمزق وانقسام ومن عدم دقة توقع الاعتماد على الاخرين، اي على الدول المانحة وغيرها.

ومن الواضح ان التأثير على حياة الناس لن يتغير، اي لن يكون هناك تغيير جذري في اولويات بنود الميزانية، اي مثلا لن يكون تغيير جذري على ميزانية الصحة او التعليم مثلا، او على البطالة والتشغيل، حيث ان نسبة الوظائف سوف تبقى صفر، اي ان عدد الوظائف الجديدة ستساوي عدد من يترك الخدمة تقريبا، ومن الواضح كذلك، ان الحلول التي تطرحها لمواجهة العجز المالي هي حلول قصيرة المدى او حلول مؤقتة، وبأن الميزانية كوثيقة مالية هي بالاحرى جزء ويرتبط بالسياسات السياسية العامة للسلطة ولا يمكن ان تعكس وبحد ذاتها سياسة مالية محددة، وان الخيارات المالية فيما يتعلق بالميزانية هي خيارات محدودة كما هي الخيارات السياسية والاقتصادية هي محدودة للسلطة وبالتالي محدودية هذه الخيارات للسلطة وبالتالي للموازنة هي قيود على رسم سياسة مالية وبالتالي طرح ميزانية تتسم بهذه السياسة، او تسمح باعادة هيكلة الموازنة في خارج القيود التي تقيد السلطة؟

ومن ضمن الامرر التي اثقلت وسوف تبقى تثقل الميزانية، هو بند النفقات الجارية التي ستكون حوالي 4 مليارات دولار في الميزانية الحالية، وان البند الاساسي في هذه النفقات هو بند الرواتب، اي رواتب لحوالي 157 الف موظف، منهم حوالي 70 الفا في قطاع غزة، وبالتالي فأنة حين تضعف السيولة المالية او بالاحرى لا تصل الايرادات المتوقعة فأن بند الرواتب هو الاكثر تأثرا كما لمسنا في الفترات السابقة، واذا كان واضحا ان بند الرواتب هو الاضخم في الميزانية، فلم يكن واضحا كيف يمكن التقليل من هذا العبء ولو بشكل تدريجي، بدون احداث هزات سواء على صعيد السلطة او المجتمع الفلسطيني، وفي نفس الوقت التعامل مع مواضيع البطالة والفقر ودور الاستثمار و القطاع الخاص الذي مازال يعول علية الكثير في امتصاص المزيد من الايادي العاملة ومن ضمنها ايادي من القطاع العام، ولكن بدون معرفة كيف ومتى والكثير من التفاصيل الاخرى؟

وبما ان العجز المالي او الديون هو ما يؤرق هذه الميزانية، فان اعتماد مدى هذا العجز على تلقي المساعدات الخارجية، وبغض النظر عن نوعها هو من القيود التي من الصعب التنبؤ بها، واذا كان من البديهي اعتبار هذه المساعدات هي اموال سياسية، اي ان هناك مصالح واهداف من ورائها، فان قدرة السلطة على التعاطي او التعامل مع هذه المعطيات هو من المقيدات الاخرى للميزانية، وبالتالي لتحقيق اهدافها سواء فيما يتعلق بالبنود الجارية او التطويرية، التي تبلغ حوالي المليار دولار، منها حوالي 800 مليون دولار لاعمار قطاع غزة، ويبدو ان من الامثلة على ذلك هو ما حدث خلال الفترات السابقة، من انتظار وصول بعض الدفعات من هنا او من هناك من اجل دفع الرواتب وبالتالي ادارة عجلة الاقتصاد، يبدو انة لن يكون المثال الاخير، خاصة في ظل اجواء من التأزم السياسي سواء اكان داخليا او خارجيا.

ومن الامور التي لم تجب عليها الميزانية الحالية، وميزانية السنوات الماضية، هو كيف يمكن التعامل، وبشكل جذري او منهجي مع الابعاد او الاثار الاجتماعية للاوضاع الفلسطينية الحالية، وبالتحديد مكافحة الفقر، حيث اشارت الارقام الى ان حوالي 25% من الفلسطينيين هم تحت خط الفقر، وموضوع البطالة، التي تصل الى حوالي 26% من الايادي العاملة بشكل عام وقد تصل الى حوالي 40% عند الشباب او خريجي التعليم العالي، وما يجر ذلك من تداعيات واثار.
ومن الامرو التي ما زالت جامدة، ولا يتم تناولها بشكل جذري، هو تشجيع الاستثمار وتحفيز القطاع الخاص وتوفير حلول للعديد من القضايا المتراكمة، ومنها الازمات المالية التي تعصف بالتعليم العالي، وتطوير التعليم العام والقطاع الصحي والزراعة والقطاعات الانتاجية والتصدير وما الى ذلك، والتي تعطي ميزانيات الدول الاخرى هذه البنود الاولوية، ومثال ذلك الميزانية في تركيا حيث البنود الاولى في الميزانية من حيث الاولوية والاهتمام وبالتالي الاموال المخصصة لذلك هي بنود التعليم والصحة والزراعة وما الى ذلك، وهذا يمكن ان يفسر كيف ان دولة مثل تركيا اصبحت تتمتع بالاكتفاء الزراعي وتصدر الفائض الغذائي او الزراعي الى الخارج.

ومن الامور الاخرى التي تثقل الميزلنيات والدول هي الديون، سواء اكانت ديون من القطاع الخاص كالبنوك او شركات الادوية او المقاولين او من القطاع العام كهيئات التقاعد مثلا ، وعلى ذكر الديون فأن مثال اليونان هو المثال الابرز هذه الايام، وما نشاهد هناك من تداعيات وكواراث، ومحاولات متواصلة لاصلاح ما يمكن اصلاحة.

ورغم السلبيات والمأخذ والتحفظات والانتقادات والاقتراحات، على الميزانية الحالية وميزانيات السنوات السابقة، الا انة يبدو ان هناك فهم للاطار التي تدور فية هذه الميزانية، اي فهم لاطار السلطة او للوضع الفلسطيني العام، من قيود سياسية واقتصادية واجتماعية ومن قضايا المعابر والحدود والانقسام والمصالحة، ومن قضايا الوضع العربي والدولي، ومن قضايا الشباب والخريجين والبطالة، ومن عدم وجود او من هشاشة البدائل ومن محدودية الخيارات، وكل ذلك يجعل هذه الميزانية هي موازنة ادارة ازمات او ميزانية تسيير اوضاع، او في احسن الاحوال، ميزانية الابقاء على الاوضاع الحالية؟