الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

العنصرية و التمييز العنصري

نشر بتاريخ: 24/06/2015 ( آخر تحديث: 24/06/2015 الساعة: 15:31 )

الكاتب: عهد جرادات

عانت البشرية عبر التاريخ الطويل و حتى اللحظة من الحروب و النزاعات بين الناس بمختلف الاماكن و الاهداف, و ما نتج عنها من افكار و معتقدات تمييزية سلبية و عنصرية عند جماعات اتجاه جماعات بشرية اخرى, الى جانب النظرة الدونية اتجاههم و امتلاك صفة العلو و الافضلية عليهم. مما اسهم في تبرير الوسائل العنفية , الى جانب الممارسات العنصرية ضد الجماعات الانسانية من قبل جماعات اخرى تعد نفسها الافضل و الاقوى و الارقى تحضرا.

التعصب العنصري يعد من المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها البشرية قديما و حديثا لما تقوم عليه من معتقدات فكرية قائمة على الظلم و ارتكاب المجازر و الجرائم ضد جماعات بشرية تحت مظلة مقبولة اجتماعيا تقوم على الكراهية تتعلق بالعرق او الدين او اللون او الثقافة.
فهذه الافكار تعد اساس اشكال التعصب بكافة صوره من حيث التعصب الثقافي و الديني, بحيث ياخذ اشكالا متطرفة تنعكس على الجانب السياسي بفرض السيطرة و الهيمنة, و الديانة تؤدي الى انغلاقها باعتبارها الافضل على غيرها , و بالتالي الاحتلال و الهيمنة على الشعوب الاخرى كما حدث في الولايات المتحدة و جنوب افريقيا سيطرة البيض على السود و التعصب اليهودي ضد الفلسطينين و غيرها .

فالتمييز العنصري مرتبط بمشاعر الكره التي تولد ممارسات انتهاكية تمثل عقبات جسيمة امام اية محاولة دولية او وطنية لتمتع المواطنين بالحقوق الانسانية, الى جانب انكار مبدأ المساواة بين الافراد و رفض ضمان الحرية و الكرامة الانسانية لهم.كما و تمنع ايجاد علاقات قائمة على الود و الاحترام بين الشعوب, مما يزرع الضغينة و النزاعات سواء كانت داخلية بين الافراد والمواطنين, او دولية بين شعوب العالم, و ما يترتب عليها من تشريد و نزوح للافراد و ضياع الحقوق و الحريات .

فالتمييز العنصري هو عبارة عن سلوك تعصبي ضد جماعة اخرى تكون اضعف من ناحية القوة, و بالتالي يتم ممارسة العنف و القتل ضد افرادها مثل ممارسة العنف ضد السكان الاصليين من هنود الحمر في الولايات المتحدة و المجازر اليهودية ضد الفلسطينيين .
كما و تعرفه الامم المتحدة خلال المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية و التمييز العنصري عام 2001, بانه كل الممارسات التمييزية القائمة على اساس اللون او الجنس او النسب او العرق و الاصل القومي او اللغة او الدين او الراي السياسي, بحيث يعاني الضحايا من اشكال التمييز و اضطهاد استنادا لعنصر او مجموعة من العناصر السابق ذكرها .

و في قرار 2106 الصادر من الامم المتحدة سنة 1965 يقوم على تعريف التمييز العنصري في المادة الاولى بانه" كل تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الجنس، ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في الميدان السياسي أو الميدان الاقتصادي أو الميدان الاجتماعي أو الميدان القضائي أو أي ميدان آخر من الميادين العامة ".

حاولت نظرية الهوية الاجتماعية التي وضعها كل من تيرنر و تاجيفل ان تشرح اسباب الممارسات العنصرية بين الجماعات تحت افتراض ان الفرد يتكون من هويتين الهوية الشخصية الفردية و الهوية الجماعية التي تتحقق من خلال انتماءه الجماعي للجماعة التي يعيش ضمنها و بين اعضائها و بالتالي تصبح الجماعات الاخرى خارجية. فخلال انتماءه للجماعة تتكون الصور الذهنية الايجابية التي تخص جماعته و تفتقر اليها غيرها و بالتالي معارضة تلك الجماعات الخارجية و تكوين صور نمطية ضدها كما هو الحال بين الفلسطينين و اليهود, حيث يتم تكوين صورة معادية ضد الفلسطينيين و العرب بانهم مخربون و ارهابييون و متخلفون يجب التخلص منهم و بالتالي تشريع قتلهم و ارتكاب الجرائم ضددهم, و وضع القيود على حركتهم. اما نظرية التهديد الجماعي مقابل الاهتمام الفردي لكل من كيندر و بيتجرو و التي ترى بان الجماعة التي تشعر بوجود خطر يهدد وجودها و مستقبلها, يدفع افرادها للاهتمام بمصيرهم المشترك و تكوين الحس الجماعي تحت اطار ان التهديد الجماعة هو تحديد الذات نفسه و بالتالي يسهم في تفعيل الانتماء الجماعي و الاهتمام بمصير الجماعة مثل اتباع سياسة بناء الجدار الفصل العنصري ضد الفلسطينيين و حرمانهم من التنقل الى جانب قطع الاوصال بين فلسطينيين الداخل و القدس مع الفلسطينيين في الضفة بفعل العمليات الاستشهادية ضد المستوطنين و قوات الاحتلال, الى جانب زرع مشاعر الكراهية و الحقد و الغضب ضد الفلسطينيين بكافة اماكنهم باعتبارهم مصدر للتهديد الخطر و الخوف .

كان اهم رواد الفكر العنصري في اوروبا مثل فيتشه , فون ترتشكة وفريد ريش نيتشه, حيث تبلورت العنصرية بشكل واضح مع ما قدمه المفكر فريدريش نيتشه الذي عمل على تمجيد القوة و اعتبارها اهم العلاقات الاساسية بين الشعوب، كما و عمل على تطوير نظرية النخبة المسيطرة.
و هنا نرى بان المفكر موزيس هيس تاثر الى حد كبير بفلسفة نيتشه وهربرت سبنسر حول عدم اندماج الأصناف الاجتماعية المختلفة داخل الدولة الواحدة و عدم التساوي بينها بحيث هناك اصناف تاخذ طابع السيادة على اصناف الاخرى باعتبارها خادمة لها او يحق التخلص منها باعتبارها ضعيفة او متخلفة. واخذ تيودور هرتزل من فلسفة نيتشه في تمجيد القوة بينما اخذ تبنى احاد عام مقولة "التفوق" واستبدال اليهودي بالآري في نظريته العنصرية التي استمدها من فكر هتلر . حيث تم التاثر بنظريات التطور العرقي التي عملت على تصنيف البشر حول ميزان التطور, بشر متطورة تستحق الحياة و اخرى متخلفة يحق للمتطورين سحب حقهم في الحياة و العيش,اي يحق لهم قتلهم و ذبحهم. فهذه النظريات الانثربولوجية التي ظهر منها افكار هتلر الذي ادعى بتطور العرق الاري و الاوروبي على العرقيات الاخرى, وضرورة التخلص من الضعفاء باعتبارهم مرضى و متخلفون و ذوي عاهات لا يصلحون للعيش و الحياة و يجب تنقية المجتمعات منهم ومن هنا بدا عملية تنظيف الامة الالمانية و الحفاظ على جودة نسلها و جيلها من حيث الذكاء و الجمال و القوة . و من هنا تاثرت الحركة الصهيوينية بالفكر الاري و ضرورة تنظيف ارض فلسطين من سكانها, بارتكابها المجازر و التشريد بحق الفلسطينيين كما حدث في عام 1948 و 1967 و غيرها من سنوات الدمار و السلب التي عاشها الفلسطينيين.