الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

أزمة الشرعية على الساحة الفلسطينية

نشر بتاريخ: 25/06/2015 ( آخر تحديث: 25/06/2015 الساعة: 11:26 )

الكاتب: د.عبد الستار قاسم

انهمكت الأمم في العصر الحديث وبعد أن وعي الإنسان حقوقه بخاصة في المشاركة السياسية ومحاسبة الحاكم في البحث عن مصادر شرعية الحكم القائم، وأصرت دائما على وجود مبرر شرعي للحكم حتى لا تحصل الخلافات الداخلية ولا تتطور إلى صراعات، وقد أحذت الدول الأوروبية بالتحديد تحرص على مؤسساتها الشرعية المنبثقة عن مختلف السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية والإعلامية حرصا منها على تماسك دولها اجتماعيا وسياسيا وثقافيا. وطورت هذه الدول قيم الشرعية حتى باتت جزءا من ثقافتها الوطنية ومؤشرا قويا على صلاحية الحكم.

هذا الانهماك الحاصل في الدول الغربية ما زال بعيدا عن الممارسات العملية في البلدان العربية والتي يحكمها في الغالب أناس لا شرعية لهم. ومن الملاحظ أن فكرة الديمقراطية التي ترى أن شرعية الحكم تنبع من إرادة الشعب ليست مقبولة جوهرا في البلدان العربية على الرغم من قبولها شكلا. جرت انتخابات ديمقراطية في عدد من البلدان العربية، لكن الديمقراطية لم تصمد، وانقلب عليها من خسروا الانتخابات أو الذين لم يعجبهم الذين فازوا. العرب انقلبوا على إرادة الشعب في السودان وموريتانيا ومصر وفلسطين والجزائر والعراق وحيثما تغنى العرب بأعراسهم الديمقراطية.

لكن مأساة الشرعية الأكبر تحل بفلسطين أو بالتحديد في الضفة الغربية وقطاع غزة ذلك لأن فلسطين محتلة ويتطلع شعبها نحو التحرير وتحقيق الاستقلال واستعادة الحقوق الوطنية الثابتة. لا يوجد شرعية سلطة في فلسطين وعلى كافة المستويات الأمر الذي يفتح المجال واسعا أمام الخلافات الداخلية والصراعات، والانحدار إلى مستويات متدنية جدا من الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي والنهوض الأمني والعسكري والسياسي. والثقافي.

رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس غير شرعي لأن مدة انتدابه البالغة أربع سنوات قد انتهت عام 2009. قال عباس عام 2009 إنه يجدد لنفسه عاما آخر وسيجري بعدها انتخابات سياسية للسلطة. وقد كتبت له في حينه أن عام 2013 سيأتي وسأراه رئيسا للسلطة، وها نحن الآن في عام 2015 وهو ما زال على رأس السلطة. هكذا يتصرف حكام العرب، وهم لا يعرفون قيمة الشرعية في إدارة المجتمعات. الآن هو غير شرعي، ولا شرعية لقراراته أو نشاطاته العامة، لكنه يستمر في ممارسة أعمال رئيس سلطة دون أن يجفل أو ترمش له عين. والشعب الفلسطيني صامت لا يخرج إلى الشارع يطالبه بالرحيل، ولا الفصائل الفلسطينية مهتمة بقضية الشرعية وهي تستمر في تقديم ما يحتاجه من دعم لإيهام الناس بشرعية وجوده على رأي السلطة.

الحكومة غير شرعية أيضا لأنها منبثقة عن رئيس غير شرعي، وغير الشرعي لا يؤسس لشرعية. حتى تكون الحكومة شرعية عليها أن تحظى بثقة المجلس التشريعي، والمجلس التشسريعي الفلسطيني مغلق من قبل الرئيس غير الشرعي، ويقال إن مفاتيح المجلس في جيب عباس.

المجلس التشريعي الفلسطيني غير شرعي أيضا لأن مدة انتدابه البالغة أربع سنوات قد انتهت عام 2010. المجلس التشريعي الفلسطيني لم يحصل على فرصته في تنظيم المجتمع الفلسطيني بسبب قيام الصهاينة باعتقال أغلب أعضائه من الضفة الغربية، وبسبب الانقلاب الذي قامت به سلطة عباس بتاريخ 13/شباط/2006 على إرادة الشعب الفلسطيني الانتخابية. والمؤسف أيضا أن الشعب الفلسطيني لم يتحرك دفاعا عن إرادته السياسية الحرة في الانتخاب وترك الأمر لعباس ليعبث بالساحة الفلسطينية كما يشاء.

مجالس منظمة التحرير الفلسطينية غير شرعية أيضا لأنها جميعها: المجلس الوطني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية تخالف لوائحها الداخلية سواء من زاوية العضوية أو فترات الانعقاد أو طرق اتخاذ القرار. كما أن منظمة التحرير الفلسطينية غير شرعية لأنها ألغت الميثاق الوطني الفلسطيني الذي كان يشكل الإطار القانوني لشرعيتها. هي قضت على نفسها عام 1988 عندما اعترفت بإسرائيل واقترفت المحرمات الوطنية. ووفق القانون الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية يستحق كل عضو وافق على الاعتراف بإسرائيل الإعدام رميا بالرصاص.

كما أن حكومة حماس في غزة لم تكن شرعية لأنها لم تنل ثقة المجلس التشريعي، وكانت نتيجة فرض أمر واقع خارج الإرادة السياسية الانتخابية للشعب الفلسطيني.

الشعب الفلسطيني يتطلع إلى استعادة حقوقه الوطنية، والسلطة الفلسطينية تقول إنها تبحث عن دولة، فكيف بالشعب والسلطة أن ينجزا شيئا مع فقدان شرعية المؤسسات الدستورية المختلفة. فقدان الشرعية مسألة خطيرة على مصير المجتمعات، ويؤدي إلى المنابزات والمناكفات والصراعات التي قد تكون دموية في بعض الأحيان. المفروض في الحالة الفلسطينية أن يصر الجميع على حرية الإنسان الفلسطيني وذلك لكي يقدر المرء الحرية فيكون على استعداد دائم للدفاع عن حريته. وإلا كيف يمكن لغير الحر أن يحرر فلسطين من الاغتصاب والاحتلال؟ غير الحر لا يحرر، ويسهل عليه دائما التفريط بحريته، ويقبل استعباد الآخرين له. وربما يعكس هذه الحقيقة المرة أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية ما زالوا بعد هذه السنوات الطويلة من الاحتلال ينفقون بعض أموالهم لشراء البضائع الإسرائيلية وفي المتنزهات الصهيونية. لو عرف الناس معنى الحرية لما ارتضوا لأنفسهم دعم الاقتصاد الصهيوني استهلاكيا.