الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

القطبية الوهابية .. اختلاف المنهج وتشابه المخرجات

نشر بتاريخ: 26/06/2015 ( آخر تحديث: 26/06/2015 الساعة: 13:04 )

الكاتب: د. وليد القططي

لفت انتباهي أثناء مطالعتي لبعض الدراسات والمقالات التي تتناول نشأة تيار السلفية الجهادية , والتي تؤصل فكرياً وتاريخياً لولادة تنظيم القاعدة ومشتقاته البارّة به كجبهة النصرة أو العاقّة له كتنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) , أنها لم تميز بين مدرستي القطبية ( نسبة إلى فكر سيد قطب ) , والوهابية ( نسبة إلى فكر محمد بن عبد الوهاب ) وأن بعض الكتّاب الذين خاضوا في هذا الموضوع – دون خلفية ثقافية كافية في حركات الإسلام السياسي – قد صنفّوا فكر سيد قطب في إطار الفكر السلفي , دون أن يدركوا انتمائه لمدرسة فكرية مختلفة عن المدرسة السلفية وتحديداً السلفية الوهابية التي أفرزت السلفية الجهادية بمسمياتها المختلفة , وأن فك الارتباط بين السلفية الوهابية الإصلاحية والسلفية الوهابية الجهادية قد جاء متأخراً عن نشأتها التي بدأت كجزء من الحرب الباردة عندما دعمت إحدى الأنظمة العربية المرتبطة بأمريكا ( المجاهدين العرب ) في أفغانستان , ثم انقلب السحر على الساحر في حرب الخليج الثانية , بسبب الاستعانة ب(الكفار) لتحرير الكويت , وأن هذه النشأة لا علاقة لها بالتيار القطبي الذي جاء لاحقاً بفعل تأثير المجاهدين المصريين وعلى رأسهم أيمن الظواهري .

وتوضيحاً لهذا اللبس الذي يخلط بين القطبية والوهابية , ويجانبه التوفيق في تقدير دور كل منهما في نشأة السلفية الجهادية وتنظيم القاعدة وفروعه , رغم كونهما رافدين فكريين أساسيين لهذا التيار السلفي الجهادي , ويؤديان إلى بعض المخرجات المتشابهة وأهمها التكفير الذي يؤدي إلى العنف بالضرورة , إذا قررت جماعة ما تحويل النظرية إلى واقع وانتقلت من التنظير إلى التطبيق , كما حدث مع منظمة الجهاد الاسلامي المصرية , والجماعة الاسلامية المصرية , وجماعة المسلمين ( التكفير والهجرة ) , أو الجماعات التي تنتمي للتيار المعروف بالسلفية الجهادية كالقاعدة وأخواتها , رغم هذا التشابه في المخرجات إلا أنهما مختلفتان في المنهج الناتج عن اختلاف المدرسة الفكرية والمرجعية المذهبية العقدية والخلفية الثقافية لكل منهما .

أما عن اختلاف المدرسة الفكرية لكل من المدرستين فالأستاذ سيد قطب ينتمي للمدرسة الفكرية الاخوانية التي وضع أصولها الشيخ المؤسس للجماعة الإمام حسن البنا آخذاً بالمنهج الوسطي ودامجاً بين مختلف التيارات الإسلامية في بوتقة واحدة بما فيهم السلفية والصوفية , وهذه المدرسة تشكل إحدى أُطره المرجعية الأساسية , رغم خروجه عن هذا الإطار وتميّزه عنه في الكثير من القضايا باتجاه التطرف , لا سيما في تفسيره لمفهوم الحاكمية , وتعريفه للمجتمع المسلم والمجتمع الجاهلي , واعتباره المجتمعات المسلمة الموجودة مجتمعات جاهلية بحاجة إلى اعادة بناء عن طريق الجماعة المسلمة الجديدة , وهذا يُخالف رؤية الشيخ حسن البنا الذي يعتبر هذه المجتمعات مسلمة بحاجة إلى إصلاح وليس إعادة بناء , وهذا ما أكد عليه المرشد الثاني للإخوان المسلمين القاضي حسن الهضيبي في كتابه ( دعاة لا قضاة ) وأعاد توضيح رؤية الإخوان المسلمين لمواضيع الحاكمية والجاهلية وتعريف الإيمان والكفر .

أما الشيخ محمد بن عبد الوهاب فينتمي للمدرسة الفكرية السلفية التي وضع أصولها الكثير من الأئمة السابقين له في مراحل زمنية مختلفة , وأهمهم الأئمة أحمد بن حنبل وأحمد بن تيمية وتلميذه ابن القيّم الجوزية , التي تلتزم بالفهم الحرفي للنصوص الشرعية انبثق عنه مذهباً متميزاً في العقيدة والفقه عن المذاهب الإسلامية الأخرى , غير أنه وتلاميذه تميّزوا عمن سبقوهم بمزيدٍ من التشدد في فهم وتطبيق تفسيره للإسلام باعتباره هو الإسلام نفسه , وليس اجتهاداً داخل الإسلام , وبالتالي فإن من لا يرى رأيهم ولا يذهب مذهبهم يوضع خارج دائرة الإسلام الصحيح , ويتم تصنيفه حسب مدرج يبدأ بالخطأ وينتهي بالكفر ماراً بدرجات البدعة والضلال والفسق .

كما أن المدرستين – القطبية والوهابية – لهما مرجعيتين مذهبيتين عقديتين مختلفتين , فالأستاذ المفكر سيد قطب – كما معظم الاخوان المسلمين المصريين , إضافة لمعظم علماء الأزهر – ينتمي إلى مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري في مجال العقيدة , وهو المذهب الوسط بين تياري المعتزلة والسلفية , والمستند فقهياً للإمام الشافعي , فهو أشعري العقيدة , وهذا واضح في تفسيره لآيات الصفات الموجودة في كتابه ( في ظلال القرآن ) حيث اتبع منهج الأشاعرة في تأويل آيات الصفات , وهذا مخالف لمنهج السلفيين في رفض التأويل . أما الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب – كما كل تلاميذه من بعده – ينتمي إلى مذهب الإمام أحمد بن تيمية في مجال العقيدة , وهو المذهب السلفي المستند فقهياً للإمام أحمد بن تيمية , فهو سلفي العقيدة , وهذا واضح في فهمه للتوحيد والشرك ومطالبته بالعودة إلى فهم الإسلام كما فهمه سلف الأمة الصالح , وصرامته في اعتباره بعض المعاصي والبدع شرك يستوجب التكفير كما هو واضح في رسالته ( كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ) .

ومن النقاط التي خالف فيها سيد قطب السلفية الوهابية موقفه من الشيعة , حيث انه قد استرشد ببعض آراء علماء الشيعة أسوة بعلماء السنة لتوضيح موقفه من بعض القضايا التي ناقشها في كتابه ( في ظلال القرآن ) , وهذا موقف يخالف السلفية الوهابية التي تكفّرهم . كما أن رأيه في الفتنة الكبرى في عهد الخلفاء الراشدين يختلف أيضاً عن رأي السلفية الوهابية التي يرى علمائهم عدم الخوض فيها والمساواة بين جميع الصحابة – رضوان الله عليهم – بينما ينتقد سيد قطب في كتابه ( العدالة الاجتماعية في الإسلام ) بشدة الذين حاربوا الإمام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – الخليفة الراشدي الرابع ،ولذلك اتهموه بالطعن في الصحابة. وهناك العديد من القضايا الاجتماعية والفكرية التي تبنى فيها سيد قطب مواقف أكثر جرأة , وانفتاحـاً ومرونـــة من المواقـــف السلفية المقيدة بكابوس الماضــي وجمـود التقليد وحرفية النصوص .

وخلاصة الأمر أن التشابه في بعض مخرجات المدرستين – القطبية والوهابية – الخاصة بإنتاج التكفير والعنف , لا يعني الاتفاق في المنطلقات والأُطر المرجعية وطرق التفكير بينهما , بل هما للاختلاف أقرب منه للتشابه , وحتى في مجال المخرجات والنتائج فقد ساهمت المدرسة القطبية ومن ورائها أطارها المرجعي الممثل في فكر وتيار الإخوان المسلمين في بلورة النظرية الثورية والفكر الجهادي للحركة الاسلامية المجاهدة في فلسطين ويُمكن أن ينضم التيار السلفي للحركة الاسلامية المجاهدة في فلسطين إذا ما أعاد توجيه بوصلة الجهاد والمقاومة نحو القدس وفلسطين ، وتخلّى عن أولوياته الأخرى التي تحرف البوصلة عن الصراع المركزي بين الأمة الإسلامية بمجملها و الكيان الصهيوني و من ورائه المشروع الغربي الحاضن له.