طُرحت حلولٌ عديدة لأزمة القيادة التي ظل يعانيها الشعب الفلسطيني منذ عقود، مثل إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية من الداخل بإجراء انتخابات لاختيار المجلس الوطني الفلسطيني، أو إدخال حماس وغيرها من الجماعات الإسلامية في عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
غير أن أزمة القيادة القائمة والأحزاب السياسية كافة، اليمينية واليسارية، باتت عميقةً جدًا لدرجة أن الوسيلة الوحيدة للمضي قدمًا قد تكمن في "الانسحاب من المشاركة" في النظام السياسي الفلسطيني الحالي.
ماذا يعني "الانسحاب من المشاركة"؟ بحسب تعريفه الوارد ضمن سياق مختلف في كتاب مسعود ظفرزاده ودونالد مورتون المعنون "Theory as Resistance" فإن "الخيارات المتاحة تنحصر إما في ’الاقتناع‘ بشرعية العمل ضمن النظام وقبول الهياكل القائمة تبعًا لذلك وإما في التوصل إلى أنه لا مكان للتغيير الجذري."1 تكمن مشكلة العمل ضمن النظام القائم الفاقد للشرعية في أنه يُبهِم "الأمر الممكن بالأمر الواقع،" كما يشير ظفرزاده ومورتون.
إذا أردنا تسليط الضوء على قوة ما هو ممكنٌ للشعب الفلسطيني، لا بد لنا أولًا أن نسحب مشاركتنا في الهياكل السياسية غير الشرعية، وإلا فإن خياراتنا ستظل محدودة جدًا وسيئة، ولن نُحرز حقوق الفلسطينيين ولا سيما في تقرير المصير. وهذه ليست دعوةً لوقف المساعي الفلسطينية الرامية لتقرير المصير وإحراز الحرية والعدالة والمساواة بل هي على العكس من ذلك، كما سيأتي لاحقًا بعد استعراضٍ موجز لأزمة التيارين اليميني واليساري.
أزمة اليمين
إن إطلاق صفة "اللاشرعي" على النظام السياسي الفلسطيني برمته، بما فيه الأحزاب السياسية اليمينية واليسارية، قد يبدو قاسيًا جدًا أو معمِّمًا إلى أن يعاين المرءُ الحقائق. لقد تركزت كتاباتي مؤخرًا في رأي اليوم عن أزمة اليمين بشقيه العلماني والديني. وتجدر الإشارة إلى القضايا الرئيسية.
باتت أزمة الأحزاب اليمينية، سواء "العلمانية" (فتح وحلفاؤها) أو "الدينية" (حماس وحلفاؤها)، أكثر سفورًا من أي وقت مضى.2 ومن الخطأ إرجاع هذه الأزمة إلى مواجهة عام 2007 بين فتح وحماس، التي حصلت إلى حدٍ كبير بتدبير من الولايات المتحدة، وأدت إلى الانقسام بين غزة والضفة الغربية.
إن أزمة اليمين، في الواقع، تعود إلى حرب أكتوبر 1973 واعتماد منظمة التحرير الفلسطينية برنامجها المرحلي ذي النقاط العشر لعام 1974 ومبدأ إقامة سلطةٍ وطنية على أي جزءٍ محررٍ من أرض فلسطين. فذلك بدوره أفضى إلى تقديم تنازلات في اتفاقات أوسلو منذ العام 1993. لذا، حتى لو التأمت هوة الانقسام بين فتح وحماس، كما سعت إلى ذلك العديدُ من المبادرات الحكومية والأهلية كخطوةٍ أولى في تقويم الجسم السياسي الفلسطيني، فإنه لن يحيي اليمين الفلسطيني كقوةٍ فعالة من أجل إعمال تقرير المصير الفلسطيني وسائر الحقوق.
إن اليمين، في هذه المرحلة، بشقيه العلماني والديني على السواء ملتزمٌ بمشروع حل الدولتين الذي في جوهره يحرم الشعبَ الفلسطيني حقَّه في العودة، ويُحوِّل العلاقةَ بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، من جهة، والفلسطينيين اللاجئين والمنفيين والقاطنين داخل الخط الأخضر، من جهة أخرى، إلى علاقة "تضامن." أما الدولة المأمولة، وإنْ قامت، فلن تعدو في أفضل الأحوال أكثر من بانتوستان قائم على أساس التمييز العرقي والديني. والأسوأ من ذلك أن الضفة الغربية وقطاع غزة قد أصبحا منفصلين الآن.
لقد سقط اليمين الفلسطيني العلماني ومن بعده اليمين الديني فعليًا في فخٍ وضعه قبل عقود اليسارُ الصهيوني الذي كان مستعدًا لقبول قيام دولة فلسطينية مع التوصل إلى "حلٍ عادل" لقضية اللاجئين. وهذا هو النهج الذي قَبلَته منظمة التحرير الفلسطينية في برنامجها المرحلي رغم التناقض بين إقامة دولة مستقلة على حدود 1967 وحق العودة وحق الشعب الفلسطيني ككل في تقرير مصيره. وقد كرَّست اتفاقات أوسلو هذا النهج منذ العام 1993.
يعتبر اليمينُ العلماني والديني إقامةَ علاقات بالولايات المتحدة أولوية. وفي حين نجح اليمين العلماني في ذلك، ظل اليمين الديني يُرسل رسائل تنم عن استعداده لقبول حل الدولتين والالتزام بهدنة تمتد 20 عامًا، وإنْ كان لا يعترف رسميًا بإسرائيل. وكلاهما مستعدٌ لقبول "الاستقلال" مقابل الحرية. ولم يُظهر أيٌ منهما قدرةً على المقاومة الفعالة الخلاَّقة. وتتمثل أولويتهما في الحفاظ على وجودهما السياسي كسلطتين واهنتين في بانتوستانين منفصلين. وما انفكا يزدادان إفلاسًا بعد أن أعلنتها إسرائيل صراحةً بأن مشروعها الاستعماري مستمرٌ ولن يتوقف.
اليسار الأوسلوي
ليست إخفاقات اليمين هي ما يستدعي ذاك القدر من الدهشة والاستغراب. فإخفاقات اليسار هي مدعاة الألم والخيبة كما تركزت كتاباتي مؤخرًا في مركز المعلومات البديلة. لقد تدهورت حال اليسار عقب قبوله الضمني باتفاقات أوسلو رغم معارضته المزعومة. فقد أضفى حزب الشعب (الحزب الشيوعي السابق) شرعية عليها بقبوله مناصب وزارية في الحكومات كلها تقريبًا التي تشكلت منذ إنشاء السلطة الفلسطينية سنة 1994. وشاركت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، وأضفتا بذلك شرعيةً على واحدةٍ من أبرز المؤسسات المنبثقة عن اتفاقات أوسلو. وقبلت الجبهتان ضمنًا الاجتماعين غير الشرعيين الذين عقدهما المجلس الوطني الفلسطيني بعد التوقيع على أوسلو.
ولا بد لي أن أعترف بأنني، كالكثيرين من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة، اعتقدتُ بسذاجةٍ أن اليسار الفلسطيني والقوى الليبرالية الأخرى سوف تستغل هذه الفرصة لتقوية الحركة الوطنية الفلسطينية وتعزيز الديمقراطية فيها وإضعاف قبضة فتح المستبدة بمنظمة التحرير الفلسطينية. غير أن ادعاء اليسارِ بأنه يمثل تطلعات الشعب الوطنيةَ قد انكشف زيفه.
لا يختلف الصادقون من مؤيدي اليسار على أن اتفاقات أوسلو جلبت كارثةً على فلسطين. وهي، على حد تعبير الراحل إدوارد سعيد، "نكبة ثانية." فقد جلبت معها مستوى غير مسبوق من الفساد، والتعاون الأمني مع إسرائيل، واستعمار أكثر شراسةً وأسرع وتيرةً في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وحصار قاس ووحشي على غزة.
معظم أعضاء المكاتب السياسية في الأحزاب اليسارية الرئيسية إما موظفون مباشرة لدى السلطة الفلسطينية/ منظمة التحرير الفلسطينية وإما يتقاضون رواتب شهرية دون أن يكونوا موظفين مباشرين. فهل يمكنهم إطلاق دعوةٍ صادقة أو مؤثرة من أجل حلِّ السلطة الفلسطينية كما يحثُّ على ذلك بعض الناشطين والمثقفين الفلسطينيين المحترمين؟ وفي الوقت نفسه، أمسى العديد من غير الموظفين لدى السلطة الفلسطينية يعملون كمديرين في عددٍ متكاثر من المنظمات غير الحكومية الممولة من الغرب، بما يصاحبها من قيود وأجندات. وباختصار، بدلًا من أن يقود اليسار الجهودَ المبذولة لمحاربة مخرجات اتفاقات أوسلو، فإنه للأسف غدا مروَّضًا بفعل تلك الاتفاقات. وقد أطلقتُ سابقًا مصطلح "الأَسلوة" على هذا التطور الحاصل. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن اليسار لم يسلك برمته هذا المسلك، وأن هناك شريحةً مهمَّشة عاكفة على البحث عن بدائل.
ولعل أفضل ما يوضح هذا التدهور المستمر في اليسار هو موقفه الانتهازي والمتجرد من المبادئ ازاء الخلاف بين حماس وفتح. فبدلًا من احترام نتائج انتخابات 2006 ودعم تشكيل جبهةٍ موحدة مع الحزب الفائز في الانتخابات بأغلبية واضحة على أساس برنامجٍ للمقاومة والإصلاح، دعمَ اليسار الفلسطيني في معظمه حكومةَ رام الله غير الدستورية وحاربَ حكومة تصريف الأعمال التابعة لحماس.
لم تدفع أيٌ من تصرفات السلطة الفلسطينية اليسارَ لاتخاذ موقف مبدئي أو مؤثر من شأنه أن يقنع "القيادة الرسمية" لمنظمة التحرير الفلسطينية بإعادة النظر في أفعالها. والقائمة تطول وتتضمن: إغلاق المنظمات الخيرية في الضفة الغربية، وحظر صحيفتين تابعتين لحماس في الضفة الغربية، وإغلاق مكاتب قناة الأقصى الفضائية، وحبس السجناء السياسيين بقرار من السلطة الفلسطينية دون تهمة أو محاكمة، واتخاذ القرار بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وعرقلة تقرير غولدستون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وقيام القوى الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية باستخدام القوة الوحشية ضد المظاهرات المناهضة لأوسلو، بما فيها تلك التي تنظمها الكيانات اليسارية.
حتى الجبهة الشعبية، الأكثر راديكاليةً من الناحية النظرية في تيار اليسار، غضَّت الطرْفَ عن السر المفضوح المتمثل في الخطة المتداولة على نطاق واسع التي وضعها الجنرال كيث دايتون للانقلاب على حكومة حماس باستخدام الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية. ولم تحتج فعليًا الجبهةُ الشعبية والجبهةُ الديمقراطية وحزبُ الشعب على أجندة منظمة التحرير الفلسطينية الموالية للولايات المتحدة أو على مساعيها الحثيثة من أجل التطبيع أو مساعي حركة فتح المسيطرة على المنظمة في هذا الصدد.
واليوم، على المرء أن يتساءل عمّا بقي من منظمة التحرير الفلسطينية، بل وعمّا بقي من القضية الفلسطينية برمتها. فما الأساس المنطقي الذي يستند إليه اليسار الفلسطيني في التزامه المستمر تجاه منظمة التحرير الفلسطينية التي يصفها اليسار نفسه بأنها "سُرِقت"؟ إن التركة الثقيلة التي خلَّفتها الستالينية لا تزال تخنق اليسار العربي عمومًا واليسار الفلسطيني خصوصًا. وهي واحدة من الاختلافات الرئيسية بين اليسار العربي والفلسطيني واليسار في أمريكا اللاتينية.
ومع ذلك، فأنا أدركُ أن ثمة فرقًا كبيرًا بين زعماء اليسار "الأثريين" والكوادر العاملة على الأرض ولا سيما الشباب، رغم أن حركتي فتح وحماس لا تزالان تستأثران بأتباع كُثُر كما تُظهر انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات. ويتجلى هذا في ظهور العديد من الحركات الشبابية، بما فيها الحِراك الشبابي الذي تمكَّن من تنسيق مظاهرات "إيقاف مخطط برافر" على نطاق واسع بين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وفي الأراضي المحتلة عام 1967 باستخدام وسائل الإعلام الاجتماعية على غرار حركات الشباب العربي في تونس ومصر ودول عربية أخرى.
الانسحاب من المشاركة: تحرير العقلية الفلسطينية
السؤال المطروح هو كيف يُمكن إحداث التغيير في هذه البيئة السياسية القاتمة؟ يتطلب هذا السؤال جوابًا على وجه السرعة، ليس فقط لأجل الشباب، وإنما لكل مَن تَعزُّ عليه الحقوق الوطنية الفلسطينية، ونحن كُثُر. وفي هذا السياق يبرز دور "الانسحاب من المشاركة."
إن من الضرورة بمكان أن نرفض النظامَ القائم وتحيزَه الأيديولوجي والسياسي لكي نكشف صفاته الاستغلالية والمشوِّهة والاستبدادية ونعارضها. وهذا يقتضي تطبيق مفهوم "الانسحاب من المشاركة" على أرض الواقع من أجل استعادة الفاعلية الفلسطينية التي من شأنها فعلًا أن تحرزَ الحقوق الوطنية الفلسطينية. إن الانسحاب من المشاركة يعني وضعَ شرعية النظام القائم على المحك، والعملَ في الوقت نفسه على إيجاد بدائل واحتمالات أخرى.
لا يزال الكثيرون في الأرض المحتلة، أحزابًا وأفراد، يدعون لعقد انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في الأرض المحتلة كحلٍ للمشكلات الفلسطينية كافة. ولكن، أحقًا يظنون ذلك؟ لقد طالبت منظمة التحرير الفلسطينية جميع الفصائل بقبول السلطة الفلسطينية والمشاركة في الانتخابات، ممَّا اضطر بعض المنظمات اليسارية إلى الادعاء زورًا بأن انتخابات المجلس التشريعي هي مظهر من مظاهر التعددية. والنتيجة هي وضعٌ لا تُمنَحُ الشرعية فيه إلا لمَن يوافق على العمل ضمن النظام. (اللاجئون والمنفيون، بطبيعة الحال، مستبعدون من هذه الانتخابات). وهذه ليست تعددية.
هناك أمثلةٌ قائمة بالفعل تُبيِّن كيف أن الانسحاب من المشاركة ممكنٌ مع مواصلة العمل من أجل إحراز الحقوق الفلسطينية. ومنها الحركةُ التي يقودها المجتمع المدني لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها حتى تعترف إسرائيل بالقانون الدولي وتطبقه، وهذه الحركة تعمل خارج النظام وتحاسبه. ومن التجليات الأخرى للانسحاب من المشاركة بموازاة العمل من أجل الحقوق الحِراكُ الشبابي الذي تشكلت ملامحه إبان الانتفاضات العربية، حيث شهدت السنوات الأخيرة تطورًا مهمًا يتمثل في العمل الجماعي بين الفلسطينيين على طول فلسطين التاريخية وعرضها، كاحتجاجاتهم ضد أحدث المحاولات الإسرائيلية- خطة برافر - لتطهير النقب عرقيًا من البدو.
تجدر الإشارة إلى أن ممثلي النظام السياسي الفلسطيني بأكمله - من اليسار إلى اليمين – ينتسبون لعضوية اللجنة الوطنية للمقاطعة التي تتخذ قراراتها بالتوافق. وبعبارة أخرى، إنْ كان قادة الأحزاب السياسية يعملون الآن ضمن نظام معتلِّ للغاية، فإن الالتزام بإحراز الحقوق الحقوق الفلسطينية ما زال يسري في عروق كوادر تلك الأحزاب.
وبالطبع، فإن الحركات الاجتماعية، في ظل غياب حركةٍ وطنية ممثِّلة بغض النظر عن شكلها، لن تستطيع بمفردها إحراز الحقوق الفلسطينية، إلا أن بوسعها المساعدةَ في ضمان أن لا تُباع تلك الحقوق.
إن الأمل في انبعاث حركة وطنية كهذه لن يأتي إلا من التحالف بين كوادر الأحزاب السياسية التي لا تزال ملتزمةً تجاه حقوق الشعب الفلسطيني والحِراك الشبابي الفلسطيني من خلال الانسحاب من المشاركة الذي ينطوي على رفض النظام القائم واستبداله.
ومن غير المرجح أن يأتي التغيير من جهة اليمين، ولكن هل لنا أن نتصور تيارًا يساريًا "جديدًا" متحررًا تمامًا من إرث أوسلو، وقادرًا على توفير بديل ديمقراطي لحل الدولتين؟ تيارًا يساريًا بوسعه حقًا أن يتحدى الوضع الراهن؟ سوف يتعين على هذا التيار اليساري أن ينسحب من المشاركة في المؤسسة القائمة حاليًا وأن:
• يقدِّمَ تحليله للوضع الفلسطيني الراهن وبرنامجه البديل. ففي حال موت حل الدولتين، مثلًا، كما خلص إليه معظم منظري اليسار في الآونة الأخيرة، ما هو برنامج تيار اليسار البديل؟ إن الاستمرار في التظاهر بقبول حل الدولتين كخطوةٍ نحو إحراز الهدف الاستراتيجي المتمثل في إقامة الدولة الواحدة هو كالقبول بنظام بانتوستانات الفصل العنصري في جنوب إفريقيا باعتباره خطوةً نحو التحرير.
• يتشاركَ والقوى الشعبية المقاوِمة الأخرى في وضع استراتيجية لحملات التضامن والمقاطعة الدولية، في جبهةٍ موحدة ضد الهجمة الصهيونية، والتمسك بكافة الحقوق الفلسطينية بما فيها العدالة للاجئين الفلسطينيين، والمساواة للفلسطينيين داخل الخط الأخضر وحقوقهم باعتبارهم أقليةً قومية أصلية، والحرية بما فيها التحرر من الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والحصار.
• يطورَ رؤيةً اقتصادية بديلة للرؤية النيوليبرالية التي يمارسها اليمين الفلسطيني ويشرعنها.
• يوظِّفَ الأدوات المتاحة له توظيفًا تكتيكيًا. وعلى سبيل المثال، لم تُعقَد انتخابات لاختيار أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني من قبل، ممّا يسمح باتخاذ خطوةٍ تكتيكية تتمثل في تخلي الأحزاب عن مقاعدها في اللجنة التنفيذية التي تشرعن ما يقدمه الحزب المهيمن من تنازلات، مع احتفاظها بمقاعدها في المجلس الوطني الفلسطيني المنتَخب. وبالطبع هناك قيود مؤسسية مفروضة على سلطة المجلس الوطني الفلسطيني – حتى وإنْ كان منتخبًا وسوف تزيد إذا ما انسحب اليسار من اللجنة التنفيذية.
• يدرسَ تجربة اليسار في أمريكا اللاتينية لاستنباط أمثلةٍ مقارنة حول كيفية إعادة تفعيل اليسار الفلسطيني.
ومن دون هذه الخطوات الجذرية وغيرها، ينعدم أمل اليسار الفلسطيني، كما كتب أسامة خليل في إطار سياق مختلف: "وبدلًا من ذلك، فإن استجداء اليسار الفلسطيني للأهمية والمكانة سوف يُستَغَلُ، كما حصل معهم في منظمة التحرير الفلسطينية بعد 1988، من أجل تعزيز أجندات الأحزاب الأقوى التي تتناقض مواقفها وبرامجها مع مواقف اليسار وبرامجه."
يُعطي ما سبق لمحةً عن التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني، ويدعو إلى التصدي لها بالانسحاب من المشاركة في الهياكل غير الشرعية. إن القصد من طرح هذه الأفكار الأولية هو إثارة النقاش وتحفيز التفكير الاستشرافي بشأن البدائل لتجاوز النظام القائم. ولا شك في أن ما أظهر الفلسطينيون من روح خلاّقة وعزيمة على مدار قرنٍ تقريبًا سوف يمكِّننا من تحديد تلك البدائل وتطبيقها.
_______________________________________________________
الهوامش
1. 1Zavarzadeh, Mesud and Donald, Morton. 1994. Theory as Resistance: Politics andCulture after (Post)structuralism. New York: The Guilford Press.
2. 2يُستَخدم مصطلح "اليمين الديني" على سبيل الاختزال، إذ توجد شرائح عديدة في "اليمين العلماني" تعتبر نفسها متدينة.
* سبق نشر هذا المقال فيموقع شبكة السياسيات الفلسطينية.
مستشار سياساتي لشبكة السياسات الفلسطينية