نشر بتاريخ: 27/06/2015 ( آخر تحديث: 27/06/2015 الساعة: 15:00 )
الكاتب: د.عبد الكريم شبير
إن القانون الفلسطيني قد مر بعدة مراحل تاريخية ابتداء منعهد الإدارةالاردنية والادارة المصرية لقطاع غزة، حيث صدر قانون قديم عام 1962 وهو لا يشكل رادعا حقيقيا لمروجي عقار الموتثم فترة الاحتلال الصهيوني، حيث صدر الأمر العسكري رقم 558 لسنة 1975 الساري المفعول والذي جاء تحت عنوان "أمر بشأن العقاقير الخطرة"، وهو القانون الوحيد الذي تناول موضوع المخدرات. حيث حل هذا الأمر العسكري مكان قانون العقاقير الخطرة الأردني رقم (10) لسنة 1955 فقد نصت المادة (42) منه صراحة على إلغاء قانون العقاقير الخطرة الأردني.
وهذا الأمر العسكري الساري المفعول يستدعي منا الوقوف على بعض أحكامه وكيفية معالجة لجرائم المخدرات، بالإضافة إلى بيان مواضع الخلل والنقص التي يعتريه هذا الامر العسكري.
أهم الملاحظات علي الامر العسكري:-
1- كما أن الأمر العسكري،لم يفرق في العقوبات المقررة ما بين مجرد"حيازة المخدرات" و بين "جريمة حيازة المخدرات بقصد التعاطي أو الاتجار"، وفرض على كلتا الجريمتين نفس العقوبة والمتمثلة في "الحبس لمدة عشر سنوات أو بغرامة مقدارها خمسون ألف ليرة إسرائيلية أو بكلتا العقوبتين".
4- ومن ناحية أخر فإن الأمر العسكري لم يفرض سياسة علاجية بحق المتهم بجريمة حيازة وتعاطي المخدرات بحيث لم يقرر وسائل معينة قد يتم اللجوء إليها لمساعدة المدمن وتأهيله وإدخاله مرة أخرى في المجتمع و شفي من أثار التعاطي.
وإن المتاجرين يملكون أساليب حديثة ومتطورة لترويج وبيعتجارتهم وهذاما تثبته الاحصاءات التي تتحدث عن رقم مدمنين خيالي يصل إلى ما يقدر بعشر قطاع غزة.
وفي ظل غياب عقوبة رادعه.. لتجار ومدمني "الترامادول" فيمكن أن تحول هذه الظاهرة إلي وباء تنتشر في المجتمع الفلسطيني بقطاع غزة.
إن هذا التوصيف لحالة انتشار الترامادول في قطاع غزة، بصفته أحد المسكنات التي تستخدم للأوجاع القوية والمتوسطة، وإن الترامادول المخدّر لم يكن معروفاً من قبل في قطاع غزة، لكنه انتشر بعد وجود الانفاق علي الحدود المصرية الفلسطينية بشكل كبير خلال الثماني سنوات الماضية أي خلال فترة الانقسام البغيض.
إن المدمنينقد يزيدعددهم بشكل كبير، خاصةً بين الشباب، وأن الإدمان على الترامادول أصبح يشكل خطر كبيرا على المجتمع الفلسطيني بقطاع غزة.
إن أعداد المدمنين في قطاع غزة يقدّر بالآلاف. وأن المواد التي يُدمن عليها المدمن تتراوح ما بين مادة "الترامادول" المخدرة و"الحشيش والبانجو"، وأن إحصائية خاصة به أظهرت أن ثلث الحالات الجديدة تعود لإدمان الترامادول".
إن عدد الحالات يصل سنويا في العيادة الحكومية إلى 108، أما في العياداتالخاصة تقدر بـ (156 حالة)، والسبب في ذلك الفارق يرجع إلى خجل المدمن من الذهاب للعيادات الحكومية بسبب وصمة العار المصاحبة لموضوع الإدمان .
إنالأسباب التي أدت إلى انتشار آفة الإدمان في قطاع غزة هي ضعف الوازع الديني، وصحبة السوء خاصة من فئة المراهقين، إضافة للتفكك والتصدع الأسري، والفضول وحب التجربة، وللأغراض الجنسية.
أن عدد المتعاطين يتزايد في ظل غياب الرادع القانوني وسهولة الخروج من السجن أو مركز الإيقاف بكفالة مالية وإن العقوبة ليس رادعا قويا وفاعلا للمتهمين في قضايا المخدرات ولا تحد منعملية التعاطي أو الترويج بالشكل المطلوب، ولو كان القضاء الفلسطيني يتعامل بحزم في هذه القضايا لكان بالإمكانتجنيب سقوط الكثير من الضحايا ولا سيما من الأطفال الصغار.
إن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الفلسطيني رقم 7/2014 والذي نشر في العدد رقم 189من الوقائع الفلسطينيةجاء فيه ما يلي:-
1- إن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الفلسطيني،وفي المادة(1) منه، لم يفصل ويميز بين أنواع المخدرات،حيث جمع بين المخدرات والمؤثرات العقلية في تعريف واحد، في حين كان الأجدر به أن يعرف كل واحدة على حدا. صحيح أن المؤثرات العقلية هي من أنواع المخدرات ولكن لها طبيعة خاصة تمييزها على غيرها من الأنواع.
2- نصت المادة (2) من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الفلسطيني،على أنه: "تنشأ لجنة وطنية تسمى اللجنة الوطنية العليا للوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية تتمتع بالشخصية الاعتبارية". فهنا يبرز التساؤل، إذا كانت المادة (2) المذكورة أعلاه قد نصت على إنشاء اللجنة الوطنية العليا للوقاية من المخدرات، فما مصير المرسوم رقم (3) لسنة 1999 بشأن اللجنة العليا للوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية، والمرسوم الرئاسي رقم (31) لسنة 2005 بشأن إعادة تشكيل هذه اللجنة. فنحن هنا أمام ازدواجية اللجان. حيث أنهيوجد لجنة مشكلة بموجب المرسوم الرئاسي وأخرى مشكلة بموجب مشروع قانون المخدرات. فكان الأجدر لهذا القانون أن يتناول هذه المشكلة عن الطريق النص على إلغاء المراسيم الرئاسية أو تضمين نص المادة (2) منقانون المخدرات والمؤثرات العقلية الفلسطيني مما يجعل منه نصاَ كاشفاَ وليس منشأ لتلكاللجنة.
3- أن المادة (88) من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الفلسطيني قد تحدثت عن صفة الضبط القضائي. عندما نصت على أن "يكون لمدير عام الإدارة العامة لمكافحة المخدرات ومعاونيه من الضباط وضباط صف صفة مأموري الضابطة القضائية في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، وكذلك يكون لرؤساء الضابطة الجمركية ومعاونيهم من الضباط وموظفي الهيئة العامة للتبغ هذه الصفة، فيما يختص بالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.
فالملاحظ من الشق الأول من هذه المادة أن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الفلسطيني، أنه تم التوسع في الصلاحيات الممنوحة لضباط وضباط صف الشرطة الذين يعملون تحت ما يسمى بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات، فمع أنهم يتمتعون بالأصل بهذه الصفة بموجب قانون الإجراءات الجزائية كونهم من الضابطة القضائية ذات الاختصاص العام، إلا أنه بالنص على أن اختصاصهم يشمل جميع الأراضي الفلسطينية وسع اختصاصهم و لم يحصره بمنطقة معينة. أما فيما يتعلق بالشق الثاني من المادة (88) فنجد أنها أيضا وسعت من صلاحيات مأموري الضابطة الجمركية، فهم أصلا من ذوي الاختصاص الخاص إلا انه تم إضافة صلاحية ضبط الجرائم المتعلقة بالمخدرات.
4- أما في مجال العقاب، نجد أن قانون المخدرات الفلسطيني ميز من ناحية ما بين الإحراز والحيازة بقصد التعاطي، والإحراز والحيازة بقصد التعاطي من ناحية أخرى. فنجد أن المادة (60) من القانون المذكور، قد عاقبة بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن خمس عشرة سنة، كل من حاز أو أحرز أو اشترى المخدرات بقصد الاتجار. في حين شدد العقوبة في حال توافرت لدى المتهم أي من الشروط المنصوص عليها في المادة (61). في حين أن المادة (69) عاقب على الإحراز والحيازة والشراءبقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي، بالحبس مدة لا تقل ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تتجاوز ثلاثة آلاف دينار أردني.بالإضافة إلى أنه أجاز للمحكمة الحكم بعقوبة الأمر بإيداع من يثبت إدمانه في إحدى المصحات ليعالج فيها طبياَ ونفسياً واجتماعياً، بحيث لا تقل مدة بقاء المحكوم عليه بالمصحة عن ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات أو مدة العقوبة المحكوم بها أيهما أقل.
5- أنقانون المخدرات وسع نطاق التجريم بحيث عاقب في المواد (64) و(65) و(66) على تأليف العصابات أو إدارتها وتجريم بعض العمليات الواقعة على المخدرات وتصرف المرخص لهم بالحيازة بمقابل.
أن قانون الصيادلة عالج بعض الأمور المتعلقة بعدم جواز تقديم استشارة طبية أو اعطاء علاج إلا بواسطة الطبيب وهذا ما نصت علية المادة 38 والخاصةبمنع مزاولة أعمال الطب حيث جاء فيها بأنه"يحظر على الصيدلي أن يقدم استشارة طبية أو علاجاً أو يزاول عملاً من أعمال الطب ما عدا حالة الإسعافات الأولية السريعة، أو في حالات الأوبئة والجائحات واستحالة وجود طبيب " وكذلك المادة39 الخاصة بتقييد صرف الوصفات والتي نصت علي أنه"لا يجوز للصيدلي صرف أي وصفة لطبيب ما لم يكن اسمه منشوراً في جدول نقابة الأطباء الذي ينشر في الجريدة الرسمية في شهر تشرين الثاني من كل عام أو في الجداول الملحقة وكل مخالفة لذلك تعتبر مخالفة للأحكام المتعلقة بمزاولة مهنة الصيدلة والمادة(44) الخاصةبالخطأ في الوصفة الطبية حيث جاء فيها بأنه"يجب على الصيدلي أن يمتنع عن صرف الدواء إذا ظهر له خطأ في الوصفة الطبية، ويجوز له أن يصحح هذا الخطأ بموافقة الطبيب" وعليه فأنني أوصي الجهات المختصة بالتوصيات الآتية:-
أولا: أوصي الحكومة القيام بإجراءات أكثر قوة مع مهربي "الترامادول"، والصيدليات التي تنتهك أخلاقيات المهنة وتتعامل بمنطق الربح فقط، وأن أي تساهل مع بعض الأطباء والصيادلة في صرف المؤثرات العقلية بجرعات كبيرة يؤدى إلى الإدمان إذا استخدم بجرعات عالية لفترة تزيد عن الشهر.
ثانيا:أوصي مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات المختصة بالمشاركة المجتمعيةفي علاج ظاهرة الترامادولوأن تأخذ دورها الحقيقي في معالجة هذه الظاهرة الخطيرة مع تفعيل دور مراكز الشرطة والمؤسسات الشرطية والنيابة العامة والقضاء بحيث تكون العقوبة علاجا رادعا لهذه الظاهرة الاجتماعية المقلقة في المجتمع الفلسطيني.
بقلم د.عبد الكريم شبير
الخبير في القانون الدولي
[email protected]