الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

طريق وادي العار

نشر بتاريخ: 27/06/2015 ( آخر تحديث: 27/06/2015 الساعة: 15:30 )

الكاتب: مصطفى بدر

هذا الشريان الحيوي "الوحيد" الذي يصل بين شمال الضفة الغربية وجنوبها, والذي يمتدّ على أراضي بلدتي العبيدية والسواحرة الشرقية لمسافةٍ 3.3 كيلومتر, ويعتبر من أصعب وأخطر الطرقات نظراً لوعورة تضاريس الجبال التي يَعبُرُها وحدّة المنعطفات التي يحتضنها, ويومياً تَمُر به عشرات الآلاف من المركبات الناقلة للبضائع والركّاب من الطلاب والموظفين والمسافرين والزائرين والعمال وكل من يخطر على البال.

وبعد أن أغلق الإحتلال القدس بجدارٍ عازل, لم يبقَ أمام المتنقلين الفلسطينيين بين قطبي الضفة الغربية, إلا سلوك هذا الوادي المُميت الذي لطالما حصد أرواحاً من حوادثه التي لا تعرف الرقّة, وبدلاً من أن تأخذ الرحلة من 20 إلى 30 دقيقةً بين بيت لحم ورام الله عبر القدس, أصبحت تستمر لساعة ونصف الساعة وأحياناً أخرى ساعتين, تبعاً للإزدحامات المرورية التي لا تنتهي على تلك الطريق التي تلتف عن القدس شرقاً وصولاً لأطراف غور الأردن, قبل أن تعاود الصعود عبر قرى شمال القدس المهمّشة وحتى تصل رام الله من مدخلها الجنوبي المزدحم "مخيم قلنديا".

والإزدحام القاتل الذي يطيل وقت الرحلة لساعاتٍ إضافية أحياناً بسبب معبر قلنديا ليس المنغّص الوحيد في طريق الهلاك اليومي هذا, فهناك أزمة (ازدحام بالعاميّة) حاجز جبع الذي لا يبعد عن حاجز قلنديا سوى 3 كيلومتراتٍ فقط, والذي يقوم جنود الإحتلال أحياناً بإغلاقه لساعاتٍ بوجه الفلسطينيين الخارجين من رام الله دون مبرّر, وأزمة حزما عندما تتكدس آلافٌ من سيارات المستوطنين والمواطنين المقدسيين والدبلوماسيين الأجانب على مدخل الحاجز المؤدي للقدس, ولا ننسى أزمة دوار العيزرية اللا-منطقية, وأزمة كُفُر عَقَب -التي أعتبرها إسماً على مُسمى-, وبالتأكيد أزمة حاجز الكونتينر, الذي يتربّع على رأس وادي النار من ناحية السواحرة الشرقية, ليكون نقطةً ذلّ يوميةٍ أخرى في حياة الفلسطينيين.

ويرجع إسم حاجز الكونتينر الذي تم نصبه في البدايةِ كحاجزٍ طيار عندما انفجرت الإنتفاضة الفلسطينية, إلى حاويةٍ (Container) كانت موضوعةً قرب مكان نصب الحاجز, فذهب الكونتينر وبقي الإسم والحاجز الذي لازال الإحتلال حتى الآن ماضياً في إضافة التحصينات والمرافق المختلفة إليه, في إشارةٍ إلى أن الاحتلال عازمٌ على إبقاء هذا الحاجز لفترةٍ لا أحد يعرف متى تنتهي, وحتى أن بواباتٍ معدنيةٍ تمّ نصبها مؤخراً وذلك على ما يبدو إشارةً إلى أن تلذّذ حرس الحدود بحبس آلافٍ من الفلسطينيين لساعاتٍ طويلة لم يَعُد ممتعاً بما فيه الكفاية, ويبدو أن المدة هذه المرة قد تطول لأيام.

حاولت السلطة الفلسطينية مراراً وتكراراً إيجاد حلولٍ لهذه المشكلةِ المتجذّرة, فقاموا بتوسيع الشارع بتمويلٍ أجنبي ليصبح أكثر أماناً وأقل خطراً, خصوصاً مع أعمدة الإضاءة التي تعمل بالطاقة الشمسية والتي لم تقدم خدمةً عظيمةً للسائقين ليلاً فقط, بل أعطت الوادي مظهراً حضارياً أنيقاً أزاح كثيراً من عقبات هذا الوادي إلى الماضي.

ولكن فرحة الفلسطينيين بذلك لم تدم طويلاً, فالسائقون الطائشون من جهةٍ أتلفوا كثيراً من مرافق هذا الطريق بحوادثهم, وفي إحدى الليالي المظلمة قامت عصابةٌ من اللصوص بسرقة جميع الخلايا الشمسية من أعمدة الإنارة –عدا بضع أعمدةٍ قريبةٍ من الحاجز الإسرائيلي والمقر الأمني الفلسطيني على الجهة الأخرى من الوادي-, ولم يتم الإنتباه لهؤلاء اللصوص الذين لوقاحتهم وجرأتهم في انتهاك حرمة الوادي, اعتقد جميع من مروا عنهم بأنهم عمال صيانة حتى فوات الأوان, وتم اعتقالهم والإفراج عنهم في غضون ساعاتٍ وبكفالة 1000 دينارٍ أردني بعدما أتلفوا ما قيمته 100 ألف دينارٍ من الخلايا الشمسية, وأعادوا هذا الوادي للظلام من جديد.

محاولات الحكومة الفلسطينية لا تكل ولا تمل سعياً في إيجاد حلٍّ جذريٍ لشارع وادي النار, فمن عمل طريقٍ من وسط بيت ساحور كي لا تمر ببلدتي العبيدية ودار صلاح اختصاراً للوقت وللقسم الأصعب من طريق وادي النار, وانتهاءاً ببناء جسرٍ عظيمٍ يربط بين شقّي الوادي, وغيرها من الحلول التي لطالما بدت خياليةً للجمهور الفلسطيني, والذي رغم تغرّب العديد أبناءه ليشاهدوا طرقاً وجسوراً وأنفاقاً تعجز العين عن تصديقها, إلا أنهم لم يصدقوا إمكانية حدوث ذلك في بلدهم.

وعلى كل حال فلو استُبدل إسفلت وادي النار بالألماس, فسيبقى وادي النار هو ذاتُ الوادي الذي ما أن يعبر مارقه الجسر في قاعه حتى ينزعج كثيراً برائحة المياه العادمة الممزوجة مع مياه الوادي, والتي تضخها مستوطنات وضواحي القدس حتى تصب مع الوادي إلى البحر الميت, فقد تحولت هذه المحمية الطبيعية إلى مكرهةٍ صحيّةٍ وليس نتيجة المياه العادمة فحسب, بل أيضاً نتيجةً كون هذا الوادي مكبّاً للنفايات من بعض سائقي الشحن الخارجين عن القانون.

كون الشرطة الفلسطينية لا تسيطر على معظم طريق وادي النار, وكون المنطقة الأخرى من الوادي لا تُعار أي اهتمامٍ من الإحتلال سوى أمنياً, فإن نهاية السباق بين الخارجين عن القانون على من يُخرّب أكثر ومن يسرق أكثر لا تكاد ترى النور, وستبقى طريق وادي النار وصمةً على جبين كلّ فلسطيني, لتخبره أنه طالما لازال مجبراً على سلوك هذا الطريق الصعب, فإن القدس لازالت تحت الإحتلال, وسنبقى نقفز من هذا الشباك طالما الباب الأماميّ لازال مقفلاً.