الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حق وسلاسل...قيود ونضال

نشر بتاريخ: 30/06/2015 ( آخر تحديث: 30/06/2015 الساعة: 12:34 )

الكاتب: سامية الزبيدي

"متحركين من أجل فلسطين"، "بدنا نشوف غزة"، "بدنا نشوف الضفة"، "بدنا نشوف القدس"، "بدنا نشوف حالنا"، عناوين رفعها شبان وشابات فلسطينيات في زمن صعب، لم تعد القضايا الكبرى في صدارة انشغال الفلسطينيين.
حاول الشبان بنشاطات بسيطة وأدوات إعلامية محدودة لفت النظر الى حق أكلته دولة الاحتلال الاسرائيلي مع حقوق الفلسطينيين في الحرية والاستقلال والكرامة.

فبعد ان نجح الاحتلال في تشتيت الفلسطينيين في اصقاع مختلفة خارج ارضهم وداخلها، فإنه فرض على معظمهم ظروفاً معيشية تكاد تكون متشابهة، خصوصا حينما نتحدث عن حقهم في التنقل بحرية أسوة بمواطني أي دولة في العالم.
وفي الوقت الذي أزالت معظم دول قارة بأكملها الحدود فيما بينها حتى أضحى سكانها مواطنو الانسانية جمعاء لا دول شتى، لا زال الفلسطيني ممنوع من ممارسة أبسط حقوقه في أن يعرف وطنه، ويلتئم بجسده، ويصل رحمه.

ولازال معظم الفلسطينيين يظنون ببعضهم الظنون، فهم في القدس مترفين، وفي الضفة غير آبهين، وفي الشتات عن قضيتنا منصرفين، وفي غزة في همهم منخرطين، وفي فلسطين 1948 متعايشين، حتى قربت التكنولوجيا بينهم، واكتشفوا عبر الاعلام التقليدي منه والجديد أن معاناتهم واحدة وان اختلفت التفاصيل، وتبدأ من حالة اللجوء والاغتراب القسري عن الوطن، ولا تنتهي بالفقر والبطالة وغلاء الاسعار وفصل الاوصال.

واكتشفوا، وفي القلب منهم الشباب الفلسطيني، أن الحواجز العسكرية، وجدار الفصل العنصري والحصار ليست الا أدوات في مشروع كامل يستهدف وجودهم، وهويتهم، عبر تشتيتهم، ومنعهم من التواصل والالتقاء والتنقل بحرية في أرضهم، لمحو المشترك بينهم من التاريخ والذاكرة.
فالتنقل من غزة عبر حاجز "بيت حانون" المسمى "ايرز" حكاية تطول فصولها، من اجراءات أمنية مشددة، تخال نفسك خلالها فأراً تحت كاشفات الفحص والفصل والعزل حتى تثبت انسانيتك، فيسمحون لك بعد طول انتظار أو قصره بالمرور.
لتفاجئ بأن الواقع يزداد سوءاً على حواجز تنتشر في مفاصل الضفة التي تشترك مع الكيان المحتل ومستوطناته في حدود لا يقلل من طولها جدار عازل ولا جبل فاصل.

حاجز "قلنديا" واحد من 546 حاجزا ثابتا، كان الأسوأ..حلابات من زمن الابارتيد الذي ابتكرته العقلية الصهيونية- وجربته في جنوب القارة السمراء قبل أن يسقط في الالفية الجديدة بنضال طويل لشعب جنوب افريقيا- ويستمر في فلسطين.
الدخول الى القدس أو الاراضي المحتلة عام 48 عبر حاجز "قلنديا" وغيره حصراً لحملة التصاريح، يصطف على بابه منذ ساعات الصباح الباكر آلاف الفلسطينيين انتظاراً للسماح لدفعة منهم بالمرور عبر الحلابات قبل أن تغلق الكترونياً، ويعاد فتحها بعد دقائق لتسيير دفعة أخرى "كالقطيع"، يشهد الفلسطينيين بغض النظر عن ألوانهم، وانتماءاتهم، وجنسهم، ومكانتهم نزع كرامتهم وآدميتهم قبل أن يمروا كلٌ الى مصالحه.
قلة من المحظوظين الذين يحضون بالاذون الاسرائيلية للتنقل بين أوقات الهدوء، فيما تغلق هذه الحواجز تماماً عقابا للفلسطينيين كلما بدا منهم فعل مقاوم لهذا الاحتلال وممارساته.

وعلاوة على كونها أدوات للعقاب، فانها بوابة للابتزاز الامني وتجنيد العملاء، وكذلك مصيدة لـ"المطلوبين" بحسب تصنيف الكيان المحتل أو لارهابهم عن تطلعاتهم التحررية، وتذكيرهم بصاحب الكلمة الاخيرة زمن الاحتلال.
ولا يعد اعتقال الناشط الشبابي ياسر الخطاب أثناء مروره ومجموعة من الشبان للوصول الى رام الله، في إطار حملة "متحركين من أجل فلسطين" وسط ادعاءات عن تسهيلات لمرور الفلسطينيين عبر الحواجز الا واحدا من الشواهد المتكررة على الكيفية التي تستغل فيها دولة الاحتلال حاجة الفلسطينيين للتنقل لاصطيادهم او عقابهم.

فخطاب ومئات الشبان الاخرين من فلسطين أطلقوا حملة دولية لكشف صلف الاحتلال وسطوه على حق الفلسطينيين في التنقل في أرضه، ومنها وإليها، هذه الحملة التي لقيت صدى واسع على المستويين الدولي والمحلي، خصوصا وأنها تطورات لتشمل الدعوة لمقاطعة اسرائيل ومنتجاتها، وكذلك الشركات الدولية التي تقدم خدمات لهذا الاحتلال ليمعن في مصادرة حقوق الفلسطينيين أكثر، وكان آخرها شركة HPالعالمية، التي يعتمد الاحتلال على أنظمتها الالكترونية واجهزتها في التنكيل بالفلسطينيين على الحواجز المختلفة، مستخدما هذه التكنولوجيا لنزع كرامتهم والتنغيص عليهم في ممارستهم لحقهم في التنقل في ارضهم.

اذا فهو حق مكبل بسلاسل لا تنتهي طالما بقي الاحتلال على أرض لم تكن له الا تحت ارهاب القوة، رافضا الاعتراف بالحد الأدنى من حقوق أصحاب الارض.
وقيود تتجدد وتتغير وتتشدد فيما يستمر الفعل النضالي الفلسطيني ضدها حتى اسقاطها واستعادة الحق..ولتكن البداية في "متحركين" لاستعادة حق التنقل لكل الفلسطينيين.