نشر بتاريخ: 07/07/2015 ( آخر تحديث: 07/07/2015 الساعة: 17:21 )
الكاتب: فاطمة البشر
وقفتُ ذات ليلة تحت النّجوم، أستنشق هواءً من بهائها يلمع، تذكرتُ يوم أخبرتني أمي -عندما كنتُ صغيرة- أنّ النّجوم يُستدَلّ بها على الطريق، وتذكرت حينما قالت لنا المعلمة أن كلّ مجموعة من النّجوم تكوّن شكلاً مميّزاً ولها اسم يدل عليه، وكنتُ أقف تحت النّجوم أطالعها بحَيْرة، هل هي حقّاً ترسم طريقاً أم تحتفل مع بعضها وتكوّن عائلة يُسعد بها المنجّمون؟
يدهشني عددها الكبير، وأتساءل كيف يديرون هذه المملكة العظيمة ؟ أراقبها ليالٍ متتالية، تظهر نجمة ذات ليلة وفي الليلة التالية تختفي، أو قد تظهر مكانها نجمتين أو ثلاث، أتعجّب ؛ هل تتنازع النجوم؟ هل تصارع بعضها؟ هل تقتل إحداهنّ الأخرى؟
حيّرتني هذه الأسئلة كثيراً حتى باتت تقضّ مضجعي؛ فقرّرتُ أن أخطف نجمة، أضعها على كرسي الاعتراف وأمام محاكم التّحقيق لتفصح عن هذا السّرّ الذي يكتموه.
في ليلة غاب فيها القمر من السماء، وبقيت النّجوم وحدها في بهاء، صعدت إلى أعلى واختطفت نجمة! وأخيراً سأعرف السر...
قالت لي: لماذا من بيتي اختطفيتني وفي غياهب السّجن رميتيني؟
قلت: حيّرني سؤالٌ فأردتُ سؤالكِ إياه.
- أما كان بالإمكان أن تسأليني بهدوء ، بدل رميي ببراءتي في السجون؟!
- إنْ لم تصمتي سأريكِ صنوف العذاب، هو سؤالٌ وأريد الجواب.
- ماذا ستفعلين إذا امتنعتُ عن الإجابة؟
- من التّعذيب سأرديكِ قتيلة ، هي نارٌ بقلبي ولا تشعلي الفتيلة.
- وهل بالقتل تهدّدين؟
- هذا آخر ما ستواجهين، سأدعكِ تتمنّين الموت فلا تجديه.
- وماذا سوف تفعلين ؟
- عائلتكِ ستكون الضحيّة؛ أخوكِ أمامكم سيُقتل وبجثته سيُنكّل، والآخر سنأخذه، سنرميه في السجن فيتعفّن، وأختك ستقضي اغتصاباً أو نجبر أحدكم فتقضي سِفاحاً ، أو قد نجعلها طعماً في حروبنا، سيتوسّل إلينا والدكِ توسّلاً، نهينه، نذّلّه قبل أن نستجيب له بعد أن نجعله عيناً لنا عليكم، فيقضي انتحاراً من بلائه، فتموت أمكِ قهراً. نزرع الفتنة بينكم فتتخاصمون، نمنع الخيرات عن بعضكم فبعضكم الآخر يقتلون.
قالت بخوف: اسألي وأجيب، ولنْ أبخل بأي شيء تريدين.
سألتها: كيفَ أنتم تعيشون؟ مجموعة هائلة من النّجوم تتآلفون، أخبريني ما سرّكم؟
قالت بصوتٍ يرتجف: ليس لدينا سرّ، عودي فاسترجعي ماذا فعلتِ بي ، وكيف إلى هنا أحضرْتني، وكيف خاطبتني لأجيب عن السؤال، فكّري وستجدين الجواب.
صرخت فيها: لا تكذبي وإلّا... ، قاطعتني قائلة: هذا هو سبب خصامكم وحروبكم وهذا هو سرّنا.
لم أفهم كثيراً مما كانت تقصد، عدتُ بذاكرتي إلى حديثي معها وكيف جلبتها، تمعّنت قليلاً فعرفتُ الإجابة! عرفتُ أنه لا يوجد سرّ، هي فقط قلوبنا التي فقدت المودة والحب والتعاطف والتسامح والرحمة والإنسانية.
أطلقتها إلى السماء بعد اعتذارٍ لا أعرفُ حتى إن قبلته. ثمّ ساءلتُ نفسي لماذا نحنُ هكذا؟! كيف جُبِلنا على الشرّ، أليسَ الإنسان خيّرٌ بالفطرة! ألا يمكننا أن نتعايش بسلامٍ كما النّجوم!
ومنذ ذلك اليوم حتى الآن مازلتُ أقفُ تحت النّجوم أطالعها بحَيْرة!