نشر بتاريخ: 07/07/2015 ( آخر تحديث: 07/07/2015 الساعة: 15:28 )
الكاتب: د. مجدي شقورة
غريب هو الحال الذي يعيشه الشعب الفلسطيني هذه الأيام، وغريب حال القضية الفلسطينية في هذه الظروف كذلك، من ناحية الشعب فهو يعيش ظروفاً غير مسبوقة من الفقر والبؤس وانعدام الأمل وضيق الأفق، يعبر عن ذلك التراجع الحاد في الدخل المحلي الإجمالي، وازدياد الجرائم بشقيها المنظم وغير المنظم، وتراجع فرص التشغيل واستفحال البطالة في أوساط الشباب والخريجين، وازدياد أعداد من يعاقرون المخدرات أو يتاجرون بها، وتدني مستوى المعيشة إلى حدود قياسية لم يعشها الشعب الفلسطيني طيلة سنوات نكبته التي تمتد لنحو سبعة عقود، أما من ناحية القضية فإنها قد تراجعت عن موقعها الذي حافظت عليه في صدارة قضايا الأمة والإنسانية على مدى عقود مضت، وباتت معاناة سوريا وقبلها العراق وبعدها ليبيا ومصر ومن ثم اليمن تحتل مواقع تتقدم على موقع القضية الفلسطينية في اهتمام المواطن وصانع القرار العربي، والأهم من كل ذلك أن إسرائيل وجدت في الظروف التي يعيشها العرب فرصة قلما تتكرر لتنفيذ مخططاتها التي اجتهدت لسنوات طويلة في سبيل تحقيقها، وبالتالي تسارعت وتيرة الاستيطان وازدادت الهجمة على القدس واكتمل بناء الجدار وأوغلت إسرائيل في حصارها المفروض على قطاع غزة، براً وبحراً وجواً، وازدادت جرائمها العلنية بحق كل ما هو فلسطيني على الأرض، فهل حصل تغير حقيقي في السلوك السياسي الفلسطيني في ضوء كل ذلك؟
كل من له صلة بالموضوع الفلسطيني وبالشأن السياسي الفلسطيني يعرف تماماً أن كل هموم المواطن الفلسطيني وكل تحديات القضية هي مسائل ذات طابع فصائلي، وأن كل ما يحتاجه الناس هو توافق بين الفصائل والقوى الممثلة للقواعد العريضة من الشعب، وبالتالي باتت مسألة تشكيل حكومة وحدة وطنية هي البديل الأمثل عن حكومة التوافق أو حكومة التكنوقراط، حيث اعترضت الحزبية سبيل آخر حكومة توافقية شكلها د. رامي الحمدلله، وحالت المناكفات الفصائلية دون أن يتمكن الرجل من تنفيذ ولو جزءاً يسيراً من برنامجه الحكومي، وبالتالي بات من الضروري وضع الفصائل من جديد أمام مسؤوليتها من خلال تحملها مباشرة أعباء الحكم وأعباء تنفيذ ما يتوجب عمله في خدمة المواطن والوطن على حد سواء، فلم يعد يحق لأحد اليوم أن يتحدث عن شرعيته في ظل رغبة نصف الشعب تقريباً في تنفيذ الحلم الصهيوني بالتهجير الجماعي للفلسطينيين من أرضهم، ولا مجال أمام أحد للحديث عن انتصارات ومنجزات في ظل أن آلاف الشباب يتمنون أن يبتلعهم البحر على أن يبقوا على أرض وطنهم يوماً إضافياً، لقد آن الأوان أن ينتصر الفلسطيني لقضيته وأن ينتصر السياسي الفلسطيني لهموم شعبه، وأن تجتهد الفصائل في التنافس على نوعية الخدمة المقدمة للجمهور، جودة ونوعية وقدرة، وأن تكون الغلبة للمنطق الوطني الذي يجيب عن أسئلة الناس في غزة والضفة والقدس والشتات، وأن يُشرك الفلسطيني أينما وجد في تناول قضيته الوطنية، وأن يعاد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية وجعلها بحق ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، ومن أجل أن يتحقق كل ذلك لابد من العودة لبرنامج الإجماع الوطني، الذي ينطلق من بوابة الانجاز الفلسطيني المرافق لعضوية الأمم المتحدة كدولة غير عضو، ومن ثم توقيع ميثاق روما في مطلع العام، وليس من بوابة أوسلو التي قتلها المحتلون بالاستيطان ولا بوابة المفاوضات التي أجهز عليها الإسرائيليون بالجدار، بل نبدأ من قاعدة أننا دولة تحت الاحتلال، وأن قادة الاحتلال يرتكبون بحقنا جرائم تستوجب العقاب الأممي، ومن غير ذلك سنظل نراوح مكاننا، لا إنجاز ولا غاية وطنية وبلا إستراتيجية كفاح فعالة وهادفة.
ينبغي أن يتراجع كل طرف فلسطيني خطوة واحدة لمصلحة الطرف الفلسطيني الآخر، وأن يذكر كل طرف الطرف الآخر أن الاحتلال ما يزال صاحب الكلمة العليا في كل قضايانا، وأن الخلاص من الاحتلال يستوجب وحدة وطنية قادرة على النهوض بالواقع المتردي، وأولى خطوات الانجاز في هذا المضمار هو توافق الأحزاب الفلسطينية على حكومة تمثل هذه الأحزاب، على قاعدة الانجاز الفلسطيني وليس على قاعدة الاختلاف، وهو أمر قابل للتحقق لو كانت فلسطين هي الغاية، فهل نفعل؟!!