نشر بتاريخ: 07/07/2015 ( آخر تحديث: 07/07/2015 الساعة: 15:23 )
الكاتب: سمير الأسعد
كثرة الحديث دون مبادرة بالعمل السريع الفعال لا يفيد أبدا . يجب أن تكون هناك نتائج عملية تكشف عن حل المشكلة جذريا ولن يتم ذلك دون عمل تغيير في الثقافة وتحويل في العقيدة والتخلي عن أحقاد الجاهلية . مئات الدعوات أطلقت ومئات المقالات نشرت، ورش العمل والمؤتمرات والاجتماعات عقدت وعشرات الدراسات صدرت ولا حياة لمن تنادي ... والمفارقة أن ظاهرة الشجارات العائلية تزداد حجما وكمّا وتسير في طريق مخز مقزز يرسلنا الى المجهول ويعيدنا الى الوراء الى ما قبل عصور الجاهلية وحروب الصحراء ،
لا يعقل الاستمرار في هكذا نهج بالتقاتل والتشاجر وفي وجود حكم سلطوي وحكم عشائري وحكم أتون النار الملتهبة والمتأججة من قبل الاحتلال ومستوطنيه ، ومن قبل داعش والانقسام وبوادر الانفصال والوضع الاقتصادي والثقافي والاجتماعي... للأسف لا يوجد في فلسطين الآن ما يدعو الى التفاؤل او الفخر .. أبدا .. ومن يقول غير ذلك فهو أفاق متملق مستفيد من جراح غيره .
لا يوجد سبب او مبرر لاستمرار وزيادة هذه الظاهرة الا إذا كان هناك من يشعلها مستفيدا من استمرار الجهل والأمية والأمراض النفسية التي فرضت علينا ومن شبح الجوع وشح لقمة العيش متيقنا من النجاح في ساحة فارغة من استراتيجيات وأهداف التنمية المجتمعية وتعزيز وصقل شخصية الإنسان الفلسطيني مع غياب عمليات التوعية والتوجيه والمسؤولية الجماعية واخذ المصلحة العامة فوق الخاصة .
والغريب في الأمر أن هذه الظاهرة مترسخة في المجتمعات العربية والإسلامية حيث تطلق شعارات التسامح وحسن النية على جرائم الامبريالية والصهيونية والتكفيرية ، وشعارات الإذن بالقتل والثأر على أبناء المجتمع الواحد ، وهذا ما تعززه الآن القوى التي أخذت على عاتقها تحرير الدول العربية من حكامها لتنغمس هي في مسلسلات القتل والتشريد والتدمير للمناطق التي تحتلها ولإبادة عناصر التنظيمات الأخرى التي تحارب معها ضد العدو المشترك . وهذا ما قد يأخذه البعض كمبرر للقتل وأخذ الثارات مع مخططات الاحتلال الجلية في التحريض وترسيخ العداء بين أبناء الشعب الفلسطيني .
ومن المستهجن ضرب او قتل النساء والأطفال والشيوخ دون تمييز للجنس او السن أثناء الشجار ،والذي يفرض على الآخرين والأجهزة الأمنية المتواجدة بالمكان الابتعاد قدر الإمكان عن مسرح هذه الحرب العائلية حرصا على سلامتهم كي يقتنصوا الفرصة وينجحوا في التدخل ووقف عمليات القتال في الوقت المناسب. وتأتي الصعوبة في السيطرة على هذه النزاعات أثناء احتدامها بسبب توضحه مقولة (فورة دم) وهي خاصة بالعرب والمسلمين فقط والتي تعتبر سلاح نووي – داخلي الاستخدام لا يمكن السيطرة عليه قبل أن يتبخر الا بعد رؤية الدماء ورؤية الجثث التي يمكن أن يتم الاعتداء عليها بعد ذبحها وإفقادها بريق الحياة .
وعند تبرير هذه الأفعال الشنيعة والتي لا ينطبق عليها أي وصف معروف اكبر واخطر من وصف العيب او الحرام لأنها تتطابق مع ممارسات الاحتلال في نزع الأرواح وإراقة الدم بكل بساطة ويسر ، يتذرع احدهم بان البدوي يأخذ ثأره بعد أربعين سنة أي ينتقم لما حدث من غيره ولغيره قبل ردح طويل من الوقت تتغير فيه الدنيا والنفوس والوجوه من اجل أن يهدّأ روع أمه او أبيه او أخيه او عظام جده متناسيا ما يقوم عليه المجتمع الفلسطيني من بساطة عمل الخير دائما قبل التوجه لعمل الشر مشدودا لمعتقدات تحكمه حتى الممات متمنيا الموت بشرف الشهادة دفاعا عن دينه وعرضه وأرضه وماله وأبنائه متذكرا أن القاتل والمقتول في النار وان البشرى للقاتل ظالما دائما بالقتل والخزي والعار .
ولو بحثنا عن أسباب الكثير من هذه الشجارات وعمليات اخذ الثأر والانتقام لوجدناها في مجملها تافهة ليس لها قيمة كبيرة في انتقاص حقوق الإنسان وامتهان كرامته ، فقد تكون شجارات الأطفال هي المتسبب في اغلبها حيث ينزل الكبار في تفكيرهم الى مستويات عقول الصغار .. ويحدث الشجار والقتل والتكسير. ويعمل الخلاف على حدود الأراضي والممتلكات على إثارة المشاكل حتى بين الأخوة والأشقاء في صراع طويل لا ينتهي الا باستمرار عمليات القتل والتدمير وضياع الأموال والأوقات في المحاكم ودور القضاء .
هذه النزاعات الداخلية لها وقع أقوى من وقع أي عدوان خارجي من عدو معروف ومتوقع ما يمكن أن يقترف ، لها نتائج سحرية سيئة في بث الحقد والكراهية وتعمل على تدمير بنية المجتمع وأساسات وحدته وتعمل على انشقاقه وتفرقه الى كانتونات عائلية عشائرية قبلية عجز الاحتلال عن زرعها وتكريسها ، في الوقت الضروري والطارئ للوحدة والرجوع عن فكرة الانقسام . فلا يعقل أن تسود مظاهر الخصام والعداء في الحارات والأزقة والتجمعات داخل المدن والقرى والمخيمات رغم التقارب في الدم والقرابة والنسب والمصير المشترك الغامض ورغم التراجع عن القيم الأصيلة التي زرعها الدين والموروث الذي يدعو الى التسامح والتغاضي عن الصغائر ورص الصفوف في إشارة الى ترسيخ الإيمان الحق والى تشكيل المجتمع المثالي الملتزم بكل ما يمكن أن يكون في مصلحته وحياته الغالية المقدسة ،لان الإنسان يجب أن يكون من أغلى الممتلكات التي يحرم إزهاقها ويجب الدفاع عنها ضد كل ما يضرها ويهدد وجودها وحياتها الكريمة .
قبل أن نندم ونفقد السيطرة على ما بقي لنا من أصل وتاريخ ، وقبل أن نفتت أنفسنا ونقضي على حقنا في البقاء على أرضنا ، علينا أن نرسي قواعد الأمن التي تكفل لنا حياة واعدة كي نفكر في مستقبل وجودنا بعيدا عن التفاهات وعن تقاليد يجب أن تبلى بأيدينا، لان الزمن قد عفا عنها في ظل السوء والوبال الذي قد تجره علينا ،متمترسين وراء حقنا الأبدي في العيش بكرامة على أرضنا داعين كل الشرفاء للتعاضد والتلاحم لإنهاء هذه المأساة من خلال نشر الأفكار المغذية لصحتنا في الوحدة والتماسك والعمل على تبريد الدم داخل عروقنا باستمرار كيلا يفور ويطفئ لهيب قوتنا ونار بطشنا اتجاه أعدائنا في خارج دائرة انتقامنا الشخصية. المشهد الراهن ... في مصلحة من؟!