نشر بتاريخ: 08/07/2015 ( آخر تحديث: 08/07/2015 الساعة: 13:13 )
الكاتب: سمير عباهرة
بعد الجمود الذي احاط بعملية السلام في المنطقة وتوقف كافة الجهود لإحياء هذه العملية من جديد برزت على السطح مجموعة من المتغيرات تركت تداعياتها على عملية التسوية وأحدثت ضغوطا هائلة على اسرائيل كونها تتحمل تعطيل مسار تسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. وقد حدثت عدة تطورات هامة في التعامل مع اسرائيل وسياستها القاسية تجاه الشعب الفلسطيني.
وتمثلت تلك التطورات بتقديم الجانب الفلسطيني ملفات لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي ضد جرائم اسرائيل التي ارتكبتها ضد الشعب ألفلسطيني وهو ما اعتبر تحولا في الاستراتيجية الفلسطينية في ادارة المعركة الدبلوماسية مع اسرائيل . وتمثل التطور الاخر في حركة المقاطعة ضد منتجات المستوطنات التي تقودها دول الاتحاد الاوروبي وصلت الى حد سحب الاستثمارات الاوروبية من اسرائيل ولم تقف حركة المقاطعة عند حدودها الاقتصادية والسياسية بل تعدتها الى مجالات ثقافية وتعليمية وأصبحت تشكل هذه التطورات جميعها مركبات الصراع الجديد مع اسرائيل من قبل الفلسطينيين. وقد ادت حركة المقاطعة الاوروبية الى تدهور العلاقات بين اسرائيل ودول الاتحاد الاوروبي والتي لم تكن اصلا في احسن احوالها على خلفية الجمود في العملية السياسية والانتقادات الاوروبية المتزايدة لسياسة نتنياهو تجاه الفلسطينيين وتحديدا فيما يتعلق بموضوع الاستيطان.
هذه الانجازات والانتصارات التي حققها الجانب الفلسطيني على الساحة الدولية لم يجد الاسرائيليين وسيلة لمواجهتها سوى بمزيد من التحريض ضد القيادة الفلسطينية وفي مقدمتها التحريض ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس وذلك في محاولة اسرائيلية للتقليل من الانجازات الفلسطينية على الساحة الدولية وتحميل الجانب الفلسطيني مسئولية التدهور الحاصل في عملية السلام وتحميل ذلك شخصيا للرئيس الفلسطيني. فقد شن وزير خارجية اسرائيل الاسبق "افيغدور ليبرمان" وزعيم حزب "اسرائيل بيتنا" المتطرف هجوما حادا على الرئيس الفلسطيني وخاصة بعد تقديم الجانب الفلسطيني ملفاته لمحكمة لاهاي. وقال ليبرمان :"إن ابو مازن ليس شريكا للسلام وليس معنيا بالتوصل لتسوية مع اسرائيل بل بمواجهة وفرض حل أحادي الجانب باستخدام الإرهاب السياسي". وأضاف ليبرمان:"على قادة اسرائيل فتح أعينهم ليعلموا بأنه طالما بقي ابو مازن رئيسا للفلسطينيين فلا يوجد احتمال لتحسين العلاقات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية،ويجب التعامل مع ابو مازن كما تتعامل اسرائيل مع العدو والرد عليه بحرب سياسية".
هذا التحريض الاسرائيلي يمثل عجزا اسرائيليا في مواجهة المستجدات على الخارطة السياسية الدولية ومواجهة الانتقادات الحادة للسياسة الاسرائيلية ومواجهة الانجازات الفلسطينية على الصعيد الدولي، ويمثل هزيمة للدبلوماسية الاسرائيلية التي بقيت عاجزة عن مواجهة هذا الموقف. لكنه يعيدنا الى لغة شارون التي خاطب بها الرئيس الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات" عندما رفض ذاك القائد البطل كافة التهديدات الاسرائيلية والغربية بالنزول عند رغباتهم والتوقيع على تسوية بمقاسات اسرائيلية وغربية، وكانت النتيجة ان حوصر ياسر عرفات في المقاطعة لأنه حمل امانة شعبه ورفض منطق الذل والخنوع.
نفس العبارات والجمل التي تلفظ بها شارون ضد الرئيس الراحل ياسر عرفات كررها ليبرمان ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لان ابو مازن يقود السفينة بحكمة واقتدار وتمكن من فضح السياسة الاسرائيلية الرافضة للسلام والاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني فقد رأت اسرائيل ان مواجهة الرئيس الفلسطيني تتم من خلال التحريض عليه وليس من خلال مواقف تستطيع بها اسرائيل اقناع المجتمع الدولي بصحة طرحها وسياستها.
على ليبرمان وغيره من القيادات الاسرائيلية العودة نحو مسار اكثر فاعلية من العمل السياسي والدبلوماسي وابقاء الامور في قالبها الطبيعي وعدم شخصنتها. فالرئيس الفلسطيني يمثل الشرعية الفلسطينية التي اتخذت قرارا بالمشاركة في عملية السلام نزولا عند رغبة الاسرة الدولية لكن اسرائيل وجهت طعنة كبيرة الى صدر المجتمع الدولي وتخلت عن كافة استحقاقات عملية السلام واتجهت في ادارة معركتها مع الفلسطينيين الى وسائل بعيدة عن المنطق السياسي والدبلوماسي وحتى العسكري.
ان الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وتداعياته يعتبر من اهم القضايا التي شغلت الرأي العام العالمي والقوى العظمى في تلك البقعة الاكثر حساسية في العالم والتي تتقاطع عندها مصالح الدول الكبرى ولا زالت هذه الدول تعتبر ان عدم انهاء الصراع يشكل لها تحديا رئيسيا وتهديدا استراتيجيا ادى الى عدم الاستقرار الاقليمي، فاسرائيل لم تستطع اخضاع الشعب الفلسطيني بقوتها العسكرية طوال السنين التي مارستها الة البطش العسكرية الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ، واختارت طريق السلام سواء كان طوعا او كراهية لكنها كانت تمارس خداعها للعالم برغبتها في تحقيق سلام لكن دون اعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه ... سلام كاذب بقيت اسرائيل تراوغ العالم وتدافع عن ديمقراطيتها .