الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

كيف توّظف المصطلحات لشيطنة الآخر في الصراعات العربية ؟

نشر بتاريخ: 09/07/2015 ( آخر تحديث: 09/07/2015 الساعة: 11:46 )

الكاتب: د. وليد القططي

المتتبع لنشرات الأخبار في الفضائيات العربية المختلفة أثناء تغطيتها لما يحدث من صراعات عنيفة في بعض الدول العربية يُلاحظ استخدامها لمصطلحات سياسية معينة خاصة التي تُطلق على أطراف الصراع المختلفة تبتعد قليلاً أو كثيراً عن المسميات الحقيقية لهذه الأطراف , وذلك بشكل مقصود يخدم توّجهات هذه الفضائيات ومن يقف خلفها أيديولوجياً وسياسياً . فعلى سبيل المثال يتم استبدال ( الجيش السوري وحلفائه ) بمصطلح ( قوات الأسد والشبيحة ) , واستبدال ( المعارضة السورية المسلحة ) بمصطلحات ( التكفيريون والإرهابيون ) , واستبدال ( حركة أنصار الله والجيش اليمني ) بمصطلح ( ميليشيا الحوثي وقوات صالح ) , واستبدال ( الجيش اليمني الموالي للرئيس هادي وحلفائه ) بمصطلح ( القوات الموالية لهادي والدواعش والتكفيريون) ... وغيرها من المصطلحات المستبدلة التي توحي لمن يسمعها بشكل متكرر أن من يتم قتله ليس إنساناً حقيقياً لديه هوية دينية وقومية ووطنية. بل هو شبيح أو إرهابي أو حوثي أو تكفيري أو بلطجي أو داعشي ...

وهذا التوظيف المّوجه للمصطلحات يهدف إلى شيطنة الآخر خاصة إذا كان هذا الآخر خصماً أو عدواً , لإيجاد مسّوغ نفسي وتبرير أخلاقي لمحاربته وقتله , وهذه المصطلحات في الأصل ألفاظ تُطلق على مفاهيم معينة متفق عليها بين جماعة لغوية معينة , وهي تمارس دوراً مهماً في تكوين المعرفة والثقافة , وتحقيق التواصل والتفاعل , من خلال ما تؤديه هذه المصطلحات من وظائف تعريفية وتوصيفيه وتصنيفية , ولكنها تتجاوز هذه الوظائف لتؤدي دوراً يخدم أطراف الصراع المختلفة يرتبط بشيطنة الآخر – الخصم الداخلي أو العدو الخارجي – وتأتي في إطار موقف سياسي معين وخلفية ايديولوجية وثقافية محددة , وتأتي كوسيلة للتأثير على الجمهور , وتشكيل الرأي العام وفقاً لما يريده الطرف الذي يستخدم هذه المصطلحات خاصة للتحريض ضد الطرف الآخر . من خلال إخراجه من طابعه الإنساني ونزع الصفة الإنسانية عنه ليسهل نفسياً وأخلاقياً محاربته وقتله وارتكاب أفظع الجرائم بحقه .

وإخراج الآخر – خصماً أو عدواً – من طابعه الإنساني ونزع الصفة الإنسانية عنه يتم عن طريق تجريمه بإعطائه صورة المجرم المطلوب للعدالة المرتكب لجرائم كبيرة بحق الوطن , أو عن طريق شيطنته بإعطائه صورة الشرير المجّرد من كل القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة , أو عن طريق الانتقاص من انسانيته بشكل أو بآخر كتصويره بأنه دون ملامح مميزة فجميعهم متشابهون أو مجرد أرقام لا أسماء لهم ... وهذه العملية المعرفية والانفعالية تسّهل نفسياً على أطراف الصراع محاربة بعضهم بعضاً , فالخصم أو العدو لا يُعد إنساناً كاملاً بعد تجريمه وشيطنته وتشبيهه بالحيوانات والانتقاص من انسانيته , وبالتالي فإنه لا يستحق الرحمة والرأفة أو تأنيب الضمير , فيُسهل نفسياً وأخلاقياً محاربته وقتله وحتى إبادته كما يتم قتل وإبادة الحيوانات المؤذية والحشرات الضارة .

ويسهم هذا الاستخدام المبرمج للمصطلحات أثناء الصراعات العنيفة في تكوين صورة الآخر – الخصم والعدو- بطريقة سلبية تقوم على نوع من التنميط القائم على الاختزال ( التبسيط ) , والتضخيم ( المبالغة ) , والتحيز ( التعصب ضد الآخر ) , والتعميم ( إصدار الأحكام السلبية السيئة على جميع أفراد الطرف الآخر ) . وهذا التنميط يؤدي بدوره إلى رسم صورة العدو ( الآخر ) الشرير والمجرم والمتوحش , الذي يختلف عن صورة الذات الجمعية أو الهوية الجمعية ( نحن ) الخيرّة والصالحة والأخلاقية . فتقوم صورة الآخر على أساس العدائية الشديدة والكراهية العميقة تجاهه إضافة إلى الشعور بالتهديد من وجوده .

وتكمن خطورة هذا التوظيف السلبي للمصطلحات في الصراعات الأهلية العنيفة في توسيع وتعميق الفجوة بين أطراف الصراع بحيث تُصّعب عليهم عملية المصالحة المجتمعية والتوافق الوطني عندما تضع الحرب أوزارها , وتقتنع كل الأطراف بحتمية تقّبل الآخر المختلف , وقبول التعددية السياسية ,والتنوّع المجتمعي , وضرورة الالتقاء على كلمة سواء , ونقاط اتفاق تفسح المجال للشراكة السياسية والعيش المشترك لجميع فئات المجتمع وأفراده في دولة مستقلة ومجتمع آمن وحر ومستقر ومزدهر .