السبت: 28/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

سراج الكتيبة المؤسسة(هاني الحسن )

نشر بتاريخ: 11/07/2015 ( آخر تحديث: 12/07/2015 الساعة: 12:23 )

الكاتب: ياسر المصري

بقلم :ياسر المصري

هاني الحسن رجل القامة العالية فكرا وخلقا وأثرا ، والمستنير بعمقه الوطني والعروبي الأصيل ، القابض على مشاعل إيقاد نور المستقبل ، وهذا ما جعل حق الوصف فيه أن أغلب بل كل ما حذر منه قد حدث وتحقق إلى جانب أن كل ما سعى أو دعى له قد أصبح حاجة وضرورة، ولم يكن هذا الإمتياز والقدرة على التألق في إكتشاف المستقبل مردها إلا لكونه صاحب تميز بجدارة الإقتدار على قراءة الواقع ، مع ما تحتاجه هذه القراءة من قدرة أعظم وأعمق في تحديد المطلوب وطنيا وإختيار ما يتلائم مع هذا المطلوب من أدوات وآليات مناسبة.

هاني الفتحاوي بعراقة وأصالة الرؤية بالإيمان الثابت والراسخ بأن فتح هي حركة الشعب ، وهذا ما جعله مؤمنا بأنها الحركة القادرة على إنجاز مشروع التحرر الوطني بمسؤولية وإمكانية وتماسك وجاهزية لكل المتغيرات والتحديات ، فكان أداؤه البارز في إشتداد الأزمات دلالة الحاجة والإحتياج لدوره في مثل هذه الظروف الضبابية أو الحساسة ومن هنا اطلق عليه رجل المهام الصعبة .
وفي الحديث عن هذه القامة بالذكرى الثالثة لرحيله ، فأنه يستحق بكل تفاصيله إعلاء مقولته وفكره ورؤيته الوطنية المتعلقة بقيمة فتح كحركة نضال للشعب الفلسطيني وبقيمة فتح الممتدة على طول ثورة قدمت الكثير في سبيل إنجاز مشروعها الوطني،وترك فيها من أثر وملامح ومقولات ورؤى وزرع فكري عميق ، وكما وتشهد له الميادين السياسية والتنظيمية والأمنية أنه قامة دالة وهامة في كل ساحة أوكلت له مهمة فيها ، فإنحيازه لفلسطين الوطن والقضية والشعب بوصلته في الجهد والمسير .
وفي هذه الذكرى سأتناول الحديث عن الراحل لرحمة ربه أبا طارق من خلال ثلاثة اجزاء :
- هاني وفتح تعصف بها لجة الأزمة.
- هاني السياسي بعمقه الوطني وإنحيازه لعرفات.
- هاني العروبي بإيمان .
هاني وفتح تعصف بها لجة الأزمة
أعتبر الراحل إلى رحمة ربه من أهم قادة حركة فتح الذين إختزنوا وحملوا أسرارها وأسرار غيرها ، نتاج تجربة عمله إلى جانب الشهيد هايل عبد الحميد كنائبا له في جهاز الامن والمعلومات لحركة فتح ، وقد إمتاز أبا طارق في قدرته على توظيف التنظيم لصالح الأمن ليحصد من هذا التوظيف فعل وحراك سياسي وفق الحاجة والمطلوب ، فكان بذلك من أعمدة الإسناد للرئيس الراحل عرفات في عدة ساحة دولية مهمة ومؤثرة، وقد أعتاد الشهيد عرفات الإعتماد عليه في ظروف إشتداد الأزمات ، نظرا لثقته به وتجربته وحنكته وقدراته في توظيف الأزمة لصالح الخط والمشروع الوطني ،وقد كان يؤمن بقاعدة تحكم سلوكه ومنبثقات تفكيره وادائه ، ظهرت جلية في مقالة له نشرتها صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 24/7/2006 تحت عنوان الأزمة الشاملة مفتاح الحل الشامل ، وقد كتب هذه المقالة ما بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان إثر خطف المقاومة اللبنانية لجنديين إسرائيليين وورد فيها (الأحداث علمتنا عبر تاريخ كفاحنا الطويل أن للأزمة جانبيها ، الجانب السيء والذي يتمثل في معاناة الشعبين اللبناني والفلسطيني ، والجانب الإيجابي المتمثل في أن الأزمة إذا ما احسن إستخدامها تفتح الأبواب أمام خلق واقع جديد وعلى تطوير جانب جديد ، وهنا يأتي دور القيادة ، شريطة ان تمتلك الإرادة والرؤيا ، فإما ان تسيطر عليهم الأزمة وبالتالي يقعوا فريسة لها فيما نسميه(عقدة الأزمة) ويرضخوا لمنطقها ويقودوا شعوبهم للإستسلام لإعدائهم الذين صنعوا الأزمة لهذا الغرض ، أو أنهم يتعاملوا مع الأزمة بمنطق المسيطر والمتفهم فيصبحوا أندادا في التحكم بها مما يتيح لهم المجال لتوجيه الأزمة ، نحو فتح أبواب جديدة كانت موصدة امامهم) ، وقد شهدت الفترة ما بين العام 2002- 2005 الكثير من الضغوطات والضبابية والخطورة على موقف حركة فتح وتماسكها ، فقد تخللها تنظيم مسيرات من أدوات أوكل لها مهمة إضعاف الشهيد عرفات ومساندة الإحتلال في عزله شعبيا ، وكذلك تخلل هذه الفترة الكثير من المبادرات والعروض السياسية (خارطة الطريق 7/5/2003 و مبادرة جنيف القائم عليها ياسر عبد ربه ويوسي بيلين 1/9/2003 وكذلك مبادرة سري نسيبة وعامي أيلون 2/9/2003 وما عقب ذلك من مقترح حل الدولة ذات الحدود المؤقتة وهذا الحل الذي رفضه عرفات والقيادة الوطنية الفلسطينية انذاك لينتهى هذا التصور من الحل بتقديم شارون لخطة إلإنسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية والذي ثبت جليا في هذه الأيام أنه كان مخطط إستراتيجي لدى دولة الإحتلال لتكريسه عبر الجدار والإنقسام)، هذا الحل الذي عبر المرحوم ابا طارق موقف الحركة من خلال ما ورد في مقالته السالفة الذكر حين كتب( ما يجري الآن وراء الكواليس هو محاولة إقناع الفلسطينيين بالقبول بدولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة "أي حدود الحكم الذاتي الحالي" على ان يجري التفاوض على الحدود الدائمة بعد 10- 15 سنة على الحدود النهائية ، الأمر الذي سيقاومه الفتحاويون بلا رحمة) .
وقد سبق تأكيد موقفه من خارطة الطريق تصريحاته حين كان وزير للداخلية والتي وردت في حلقة نقاش بتاريخ 2/11/2002 على قناة الجزيرة عن حركة فتح والتي نفذ جناحها العسكري المعروف باسم كتائب شهداء الأقصى عمليات استشهادية ضد إسرائيليين منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية بإنه يعارض عمليات المقاومة المسلحة التي تستهدف مدنيين داخل الخط الأخضر ، ولا يعارض العمليات العسكرية التي تستهدف المستوطنين والجنود في الضفة الغربية .
وقال إن المستوطنين " ليسوا مدنيين ، ما الذي يفعله هؤلاء في الأرض الفلسطينية وهم يحملون السلاح على أكتافهم ، إنهم يحتلون أرض الفلسطينيين ويعيشون فيها ".

حيث جاءت خارطة الطريق على ثلاثة مراحل للوصول إلى قيام الدولة الفلسطينية بعد ثلاثة سنوات من إطلاق هذه الخارطة ، وتكون المرحلة الأولى فيها وقف ما إصطلح تسميته الإحتلال بأعمال العنف والمقاومة الفلسطينية بشكل كامل ، ونظرا لقناعته بعدم مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية وعدم نضوج الإحتلال للسلام العادل فقد كان يرى أن الفعل العسكري يزرع والعمل السياسي يحصد(مقولته المشهورة) وان على فتح ان تبقى في هذا النهج حتى تحقيق الطموحات والحقوق الفلسطينية كاملة.
وقد كان يرى بفتح حتى في هذه الظروف وما بعدها انها الحركة المسؤولة والريادة والقادرة على تحقيق وإنجاز المشروع الوطني من خلال نضوج فتح السياسي وقدرتها على تحقيق الوحدة الوطنية وكذلك قدرتها على مقاومة الإحتلال بكافة أشكال المقاومة وقد ورد في مقالته التي نشرت تحت عنوان من جيل الآباء إلى جيل الأبناء في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 2/1/2004 (ليس هناك خوف في حركة فتح على إستمرار دورها القيادي لأننا لا نعتقد أنه قد تبلور في الوسط الفلسطيني حركة سياسية عندها التجاوز الفكري الملائم والمتميز بالواقعية الثورية ، كما انه لا يوجد من لديه ثروة التجربة التاريخية المتراكمة للتعامل مع الوضع الدولي والإقليمي كتجربة حركتنا الرائدة ، إلا أن المشكلة التي جعلت هذه الحركة تبدو وكأنها فقدت غطاءها التنظيمي هي الإفتقار المفجع للعمق العربي ولحركة التحرر الثورية العربية ، الأمر الذي لو توفر لأختصر الفلسطينيون نصف الطريق النظري والعملي للتحرير الكامل) ولعل رؤيته لفتح بهذه الحالة هو الأساس الذي دفعه لمحاولة توصيف دقة ما كان يحدث في داخل فتح حين وصف صراعاتها بأن هناك صراع على فتح ولا يوجد صراع في فتح .
هكذا كان وترك أثره على صعيد حركة فتح في وصفه سراج الكتيبة المؤسسةوذاكرة الوعي الثوري والثابت الأكيد .