الكاتب: تحسين يقين
لعله!
لعله فينا: فينا كأفراد وكجماعات، فصائل وأحزاب.
وما بيننا: داخل الأطر نفسها.
وما بيننا وبينهم: بين الأطر والأطر الأخرى. وبين القيادات أيضا.
وما بيننا جميعا وبين المشتبكين معهم من عقود، للخلاص من الاحتلال.
هي منظومة متكاملة من التصالحات.
كم كنت معجبا دوما بتصالحية الكاتب الانجليزي برناردشو!
وتصالحية القيادات والأطر بل والنفوس والأسر هي ما نحتاج ونحن نمضي نحو التحرر مما يعيق الحياة، والاحتلال على رأس المعيقات.
ربما هي تركيبة نفسية اجتماعية تدفعني دوما وتدفع آخرين إلى الإيمان دوما بالمصالحة والتصالح، فقط ادخل عليه، عليهم، واطرح السلام!
ولي ولك، لكما ولكم/ن أن نتفاءل، ولنا جميعا أن نطلب ونطالب ونحاسب ونسائل لم لم نتصالح بعد!
بالرغم من تغني الشعراء بفصل الربيع إلا أن القطاف يأتي في الصيف!
فلا نعيش بالأزهار فقط، بل بالخبز أيضا.
ليس هذا بيت القصيد، بل ما هو رمز في زمن صارت الرمزية مذهبا عبثيا، فإلام نرمز وبم؟ فالأمر واضح!
في قصيدته "من روميات أبي فراس الحمداني" للشاعر محمود درويش، يضج الشاعر من سجنه، ويعبر عن تداعياته وانتظاره وتوقعاته. والقصيدة ملآى بالدلالات التي يمكن تحليلها ورصدها، وعظمتها أنها خالدة خلود الروائع، كونها تعبّر عن العمق الإنساني.
وأبو فراس شاعر وفارس، يرتاد السجن-المعتقل، وعاش في فترة غزو الروم للدولة العربية، ولا بدّ أن عاش تحولات إنسانية معينة، لها علاقة بالحكم والسياسة، ولأجل ذلك آثر المعارك على المعارك السياسية، وقد قيل-حينما لم يجدوا له عيبا- أنه أرهق الأمير سيف الدولة في فك أسره!
في مقطع من القصيدة لعله في الوسط، نعف الشاعر محمود درويش حكمته، بل قل قراءته لما كان سائدا في الدول العربية وقتها، من حروب الكلام، كما كانت قراءة أبي فراس الحمداني الناقدة أيضا لسياق الإمارات التي تشظت عن الدولة العربية الكبيرة.
أما قراءة محمود درويش، فعبّر عنها بقوله:
"خذوني إلى لغتي معكم! قلت:
ما ينفع الناس يمكث في كلمات القصيد
وأما الطبول فتطفو على جلدها زبدا"
واضحة المعاني رغم ما بها من رمز، فما الذي تبقى لنا لنقوله في زمن صار أكثر تفتتا؟
نحن بحاجة لما يمكث فينا ويمدنا بأسباب البقاء لا معارك الكلام التي تزيل ما تبقى من ودّ ومحبة ووئام وسلام بيننا.
نتابع أخبار الناس، نتيجة الامتحانات، أخبار العمال الذين يأخذون تصاريح للصلاة والعمل، مشاهدة المسلسلات الرمضانية، سرقة الاحتلال للأرض والفضاء، أخبار الأشقاء المتنازعين والمتعاركين في بلاد العرب، أخبار العالم، ونعود لأخبارنا وما فيها من تنازع، فنحن مثلهم، ولسنا استثناء!
كلام كثير، وكلاما كثيرا لا نحب رغم صنعة الكتابة!
لكن صنع البيدر هو صنع الزرع.
وحصاد الأرض هي حصاد البشر.
تلك حبات الكوسا والفقوس والبندورة، تلك أيادي دوالي الكروم بانتظار حلاوة العناقيد، وتلك حبّات الزيتون بانتظار الزيت، وتلك أيادينا وما تصنع من عبث أو إبداع:
لأنفسنا وللآخرين.
أما النبت فلنا دور في إنباته، ولرياح الخماسين أن تترك بصمتها على زهر الزيتون، لتسقط منه ما تشاء من زيت تهرقه على مذبح الريح الحارة!
وأما ثمر فعلنا، فلنا دور فيه، ونغض البصر عما تقترفه الظروف الموضوعية من آثار سلبية على عملنا العام-والوطني.
ذاتيا وموضوعيا، ثم لعلنا نقيم حصاد البيدر.
الاحترام المتبادل سيد السائرين في الطريق الديمقراطي...
نتابع الأخبار، فنقرأ كيف أننا مبرمجون على أن نجد صفا نصطف فيه، مع هؤلاء أم أولئك، والمنطق المجنون جاهز:
من ليس معي ضدي!
فكيف لي ألا أكون مع البيدر؟ وكيف لي ألا أحب الثمر؟ ومن يستطيع!
هناك من ينتظر الوضوح أكثر، حسنا بما أن المنتظر هذا الوضوح ما زال ينتظر، فهو لن يخرج عن:
- راصد الاصطفافات.
- راصد العبث!
دع عنك هذا، واسلك طريقك أنت يا إنسان هذه الأرض الجميلة.
ألا يمكن ألا أكون لنفسي مثلا؟
ألا يمكن ألا أكون عدوا لأحد؟
من ليس معي ضدي!
مأساة أخرى تنضاف لمأساتنا، فنحن داخل نزاعاتنا نتنازع!
داخل كل طرف أطراف، وفي اللون الواحد نرى ألوانا، وليتها كانت رؤى إبداعية.
في الصيف يأتي تقييم الأداء، وقد قيل عند الصلايب بيحمرين الوجوه!
فيزهو من أنجز، وتحمرّ الوجوه حرجا وخجلا من سوء الإنجاز.
لنترك الصيف والثمر قليلا، ونرى واقعنا بمنتهى الوضوح:
"ما ينفع الناس يمكث في كلمات القصيد
وأما الطبول فتطفو على جلدها زبدا"
فكل من نفع الناس وانتفعوا به، يكتسب المصداقية، في زمن صارت زيادة قدرة بقائنا أكبر الواجبات.
فإذا انطبق هذا الحديث على آخرين، فهذا حسن، لكنه ليس مجالا ولا سببا لتنازعهم؛ إلا إذا كان البذل لمقاصد أخرى!
أما إذا دخلنا أبواب الاتهامات فلن نخلص جميعا، فالحكمة تدعونا إلى تجنب الحروب الوهمية، والالتفات للجماهير والأرض.
الأرض هي الناس، والناس هم الأرض.
هل وصل المعنى؟
الاحترام المتبادل سيد السائرين في الطريق الديمقراطي، وبه فقط يبقون، وبه يكسبون المصداقية.
في حالتنا الفلسطينية، نحن أكثر حاجة لتكريس الاحترام، أولا للخروج من الانقسام، وثانيا للتخلص من الاحتلال.
لعلنا في هذا الصيف نقطف ما ثمر حقيقي:
"ما ينفع الناس يمكث في كلمات القصيد
وأما الطبول فتطفو على جلدها زبدا".
عميقا كان الشاعر، المفكّر أيضا، بل والناقد السياسي.
القطاف يأتي في الصيف!
وهدفنا هو خبز الوئام-الوحدة والتحرر والتنمية والسرور!
هل من غيرها؟