نشر بتاريخ: 15/07/2015 ( آخر تحديث: 15/07/2015 الساعة: 13:01 )
الكاتب: عيسى قراقع
محاكم الاحتلال، الذراع القانوني التسلطي لدولة الاحتلال، تمعن في ارتكاب المجازر الانسانية بحق الاسرى، وتضرب بعرض الحائط كل قيم ومعايير حقوق الانسان وإجراءات المحاكمة العادلة....
النائبة خالدة جرار هدف للاعتقال، وعليها ان لا تبقى في رام الله بعد ان رفضت الابعاد الى اريحا والخنوع لذلك القرار العسكري المجحف، وأمام هذا الهدف لا بد من ايجاد اسباب للاعتقال ، وتكييف تهمة معينة، وان تعذر ذلك يمكن اعتقالها تحت غطاء الاعتقال الاداري المستند الى ما يسمى الملف السري ، المهم هو ان تكون بين القضبان، وأن يوضع حد لتحركها وخطواتها ولحضورها الانساني والاجتماعي.
قوانين اسرائيل الفضفاضة ومفهومها الامني الغامض، كفيل بان تصل الدبابات والجنود وفي ليلة داكنة الى منزل خالدة جرار بتقييدها واعتقالها واقتيادها الى السجن، كما وصلوا سابقا اكثر من مرة الى هذا البيت وعتباته، الشاهد على الاجتياح الليلي للنوم واليقظة والعبث باحلام الناس.
المحققون والقضاة العسكريون اختلفوا في ايجاد اسباب لاعتقال النائبة خالدة جرار، وبعضهم اقترح ان تزج في الاعتقال الاداري، وبعضهم اقترح انزال لائحة اتهام ملفقة لها، ورفض القضاة طلبات المحامين الافراج عنها بعد طعنهم بشرعية وعدم قانونية اعتقالها.
اخيرا وجهت لخالدة جرار لائحة اتهام مكونة من 12 بندا، لائحة سياسية شكلية وسخيفة، تتضمن نشاطاتها كنائبة في المجتمع الفلسطيني ودورها السياسي والبرلماني، واظهرت اللائحة ان اعتقال جرار هو قرار سياسي يخالف بديهيات واسس ومباديء حقوق الانسان، وانه اعتقال تعسفي بامتياز.
خالدة جرار في السجن، النائبة الوحيدة الآن من بين 9 نواب لازالوا يقبعون خلف القضبان ، وواحدة من 65 نائبا جرى اعتقالهم منذ عام 2002 وعلى مدار سنوات، كجزء من مخطط اسرائيلي استهدف الشرعية الدستورية الفلسطينية، وتقويض النظام الديمقراطي والبرلماني الفلسطيني.
خالدة جرار في السجن، شاهد على دولة اسرائيل التي تحولت الى ورشة عمل نشطة في سن قوانين عنصرية وجائرة بحق الاسرى في الكنيست الاسرائيلي، وشاهدة على دولة تنحدر خلقيا وقانونيا وتسير نحو العنصرية والكولونيالية بشكل متسارع.
خالدة جرار بالسجن، شاهد على الافتراء الاسرائيلي بان دولتهم دولة ديمقراطية ، وهي تتبلور يوما بعد يوم كدولة امنية دينية عسكرتارية تتحدى القانون الدولي والقيم الانسانية، وتبتعد كثيرا عن الدولة الحضارية المدنية.
عندما قرأت لائحة اتهام خالدة جرار، وجدت ان اسرائيل وجهت تهما ضد الضوء والصوت والهواء والماء وحرية الرأي ، وانها وضعت قيودا في ايدي كل برلماني منتخب في العالم، وانها صادرت الحقوق الانسانية والمدنية، واطلقت النار على كلمات خالدة جرار وروحها الفلسطينية، وهي تمارس دورها في الحياة وفي النضال، وفي رفع صوت المعذبين والمضطهدين جراء هذا الاحتلال.
لائحة اتهام تشكل فضيحة للقضاء العسكري الاسرائيلي، وفضيحة لأجهزة الامن المشغولة باقتحام حياة خالدة جرار وجرها الى السجن ، ومشغولة في اخفائها عن الشمس، وعن ساحات وشوارع رام الله، وعن الاعتصام الاسبوعي لأهالي الاسرى في مقر الصليب الاحمر الدولي.
تقول خالدة جرار: انا لست فردا، انا مليون واكثر، ومن اجل مصير الملايين احب واتألم، وفي ليل السجن اخوض الماء حتى الركبتين، ساحبا من البحر شباكي، ملآى بالاسماك ونجوم البحر، وقلبي لم يزل يخفق، كراية يخفق.
لائحة اتهام ضد الضوء والصوت والهواء، ولا يبقى في دولة اسرائيل المحتلة سوى فوهة مسدس، ولا يبقى سوى غيتو يحاصر نفسه بالفساد القانوني، ويشعل الحرب على الآخرين، من هنا، من على حاجز ، من داخل مستوطنة، من غرفة التحقيق، في ساحة سجن يقمع بالرصاص والقنابل، من طائرة تلقي بحمولة الموت فوق اطفال رائعين.
لائحة اتهام تتكرر ضد عروسان في الثلج، كما كتب الدكتور حسن عبد الله عندما اعتقل زوجها غسان في ليلة مثلجة، وبعد زواجهما بأشهر عديدة، الثلج صار ساخنا كسخونة جنازير الدبابات التي طوقت البيت، وايقظت ابنتهم يافا من النوم، ترتعش خوفا وبردا واسئلة متكسرة.
لائحة اتهام تكتسح الثلج والنار والغضب الانساني، تكتسح الانوثة والرجولة ، وتحاكم الحقول والاناشيد والاغاني، تحاكم خصوبة المرأة وطعم القمح، ووشوشة السماء في الصيف، كأن الفضاء سجن تحرسه دولة اسرائيل الكبرى.
لائحة اتهام ضد الضوء والصوت والماء، وهناك على البرش في سجن الشارون للنساء تقرأ خالدة جرار ما كتبه الشاعر التركي الاسير ناظم حكمت:
إن لم احترق انا
وتحترق انت
ونحترق نحن
فمن الذي
ينير هذه الظلمات