الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
طلب مني اصدقاء كثر، ومن ابرز المثقفين في محافظة بيت لحم والوطن، ان اكتب عن فورة الدم التي اصابت اهل بلدة حوسان غرب بيت لحم، وكيف هاجموا محلات ومنازل اهل القاتل الذي ذبح ابنهم المرحوم دون وجه حق . فأحرقوها ودمروها بالمولوتوف.
وفي الحقيقة هناك عدة نقاط جديرة بالوقوف عندها، بدء من "أزمة" الفلسطينيين الذين يحملون هوية القدس ولا تستطيع الشرطة الفلسطينية اعتقالهم اذا ارتكبوا جرائم او جنايات او جنح مثل القتل والسطو المسلح وتوزيع المخدرات على الجامعات، وأنا لا افهم بعد كيف لا تزال السلطة ملتزمة بهذا البند بالذات في حين أن كل بنود اتفاقية اوسلو انهارت وصارت في مهب الريح، ولم يبق منها سوى هذا البند !!!!!
ثانيا ان اجهزة الامن بمختلف فروعها والاجهزة التشريعية والقضائية تتحمل مسؤولية اخلاقية عن وجود مثل هؤلاء القتلة يتحركون بحرية في شوارع الضفة ولا احد يعتقلهم، وكان حري بالاجهزة الامنية اعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة ولو غيابيا قبل ان تصل الامور الى القتل، فمعظم القتلة لهم سوابق جنائية لم يحاسبوا عليها. وسنسمع تبريرات كثيرة وبعضها مقنع احيانا. لكن الاهم هو حل المعضلة وليس تفسيرها.
ثالثا هناك مناطق جيم التي يتوارى فيها مجرمون ومثال على ذلك منطقة المخرور في بيت جالا، وسبق وطلبنا من الشرطة تفعيل وحدات حماية ولو باللباس المدني من اجل وقف ترويع المواطنين هناك. ولا احد يقبل ان تواصل اجهزة الامن الفلسطينية المفاخرة بانجازاتها في مناطق الف بينما هناك جرائم ومجرمون يرتعون في مناطق ب وجيم. وعلى القيادة السياسية وقيادة التنظيمات ان تجد حلولا لهذه المشاكل قبل ان تنشغل بالتنظير المجرد.
كانت محافظة بيت لحم تشتهر بوجود العشائر واهل الحل والربط والضبط، ولكن المحافظة تشهد مؤخرا تراجعا خطيرا في حضور العشائر والوجوه لسببين ( امتهان البعض للمهنة مقابل آجر مبالغ فيه واستخدام هذه الطاقة الايجابية في تحصيل خاوات وعربدة على عائلات اخرى ومواطنين وتجار اخرين انغماس كثير من قادة العشائر في وظائف حكومية وميلهم للدعة والسلامة الفردية ).
قبل ان نلوم اهل القتيل في فورة الدم، وجب علينا ان نعترف بان الحكومة تستخدم فورة دم، واهل القاتل واهل المقتول هم من نفس المجتمع ويتصرفون بنفس الاسلوب، ومثلهم جمبع التنظيمات بلا استثناء تستخدم فورة الدم، والوزير يستخدم فورة الدم، وقائد الجهاز الامني يستخدم فورة الدم، واحزاب اليسار اول من يستخدم فورة الدم، وكبار المثقفين يستخدمون فورة الدم ، وابناء المخيمات اول من يسارع لفورة الدم. وما ان تتورط وتقع في مشكلة مع اي مسؤول حكومي او امني او يساري او تنظيمي او ابن عشيرة او ابن مخيم او قرية ، حتى يذهب ويحضر لك ابناء عشيرته لتأديبك وضربك في وسط الشارع، وهم يقومون بمحاكم ميدانية لاخذ القانون بأيديهم ... فاذا كانت الاحزاب اليسارية واليمينية والمثقفين والمؤسسات والبودي جارد جميعهم يعيشون على فورة الدم، يمكن لنا ان نفسرّ الان كيف يتصرف اهل المقتول، خصوصا وان القاتل هرب الى ما وراء الحجر الاصفر ( الحجر الاصفر مكعب اسمنتي قامت اسرائيل بدهانه باللون الاصفر في اشارة الى انتهاء حدود مناطق الف الخاضعة لسيطرة الامن الفلسطيني).
لو كان المظلوم، واهل القتيل، والذي تعرض للسرقة، او للنهب ومحاولة الاغتصاب او للسطو المسلح يعلم ان هناك تطبيق للقانون، وان القاتل العمد سينفذ به قانون الاعدام، وان اللص سيحاسب وان تاجر المخدرات سيدخل السجن ولن يشاهده احد بعد يومين يجوب الشوارع. لانتهت فورة الدم تلقائيا.
ان غياب القانون، وغياب سطوة السلطة التنفيذية والامنية هما المسببان لفورة الدم. الغ المسبب تلتغي الظاهرة.