الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

ريفلين عدو أم صديق؟

نشر بتاريخ: 16/07/2015 ( آخر تحديث: 16/07/2015 الساعة: 14:08 )

الكاتب: جواد بولس

بدعوة من رؤوفين ريفلن، رئيس الدولة، أقيمت، يوم ٢٠١٥/٧/٥، في بيت الرئيس، مأدبة إفطار على شرف قيادات جماهيرية عربية، حضرها أكثر من أربعين رئيس سلطة محلية عربية ورجال دين وقضاة وشخصيات اعتبارية أخرى.
لقد تغيب جميع أعضاء القائمة المشتركة عن هذه الدعوة، بينما لبّاها وبرز بحضوره السيّد مازن غنايم، رئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية والقائم بأعمال رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية ورئيس بلدية سخنين.

كما في العديد من الأحداث المتعاقبة، لم نسمع، نحن الجماهير، عن مبررات موقف المشتركة، ولا عن دواعي قرارهم ب "المقاطعة"، ومسبباته السياسية أو الأخرى. بالمقابل، وإذا افترضنا أن للمقاطعة أسبابًا سياسية وطنية وجيهة، فلماذا شارك السيد غنايم في هذا الإفطار، وهو الرجل الواقف على رأس المؤسستين القياديتين لدى الجماهير والأول في سلم القيادة العربية المحلية، ولو من الناحية الدستورية التمثيلية؟ وكيف ستفهم العامة، وخاصة من صوّت منها ودعم القائمة المشتركة، مشاركة العشرات من رؤساء السلطات المحلية والشخصيات الاعتبارية والقضاة ورجال الدين وغيرهم؟

مرّة أخرى أود أن أؤكد، أنني أتطرق إلى هذه الجزئية، ليس من باب تأثيم من شارك ولا من باب إعفاء من قاطع، بل منوّهًا إلى ذلك الخلل البنيوي الخطير الذي يرافق عمل القائمة المشتركة منذ انطلاقها، وأقصد آلية اتخاذ قراراتها وكيفية نقل فحوى هذه القرارات إلى القواعد الشعبية، كي يستوعبها الناس ويتجندوا حولها أو ضدها أو يناقشوها وينتقدوها، بعقلانية وبمنأى عن السطحية والديماغوغية ومشتقاتهما.

ليس صدفة أننا لم نسمع عن قرار القائمة المشتركة، وعن موقفهم إزاء دعوة الرئيس ريفلين للإفطار، وهو، كما ينشر من حين إلى آخر، يحافظ على علاقات إيجابية مع معظم نواب المشتركة ويحرص، كذلك، على إبقاء قنوات إتصال ساخنة مع بعضهم، إيمانًا منه بضرورة اعتماد لغة الحوار والبناء المشترك، بدل لغتي الاستعداء والاقصاء الرائجتين. ولن ينكر أحد أنه، في الآونة الأخيرة، برز في عدة مواقف وعبّر عن رأي مغاير لما ساد في الشارع اليهودي، على مستوى الغوغاء أو قادتها، ومن تنكر عينه ضوء هذه الحقيقة، فإنكاره من رمد!

ومن المرجح أنّ القائمة لم تعقد اجتماعًا لبحث هذه الدعوة، وما حصل كان نتاج تداعي في مواقف الأعضاء منفردين، وكرّها من عضو إلى عضو، حتى التأمت "اللا" بانسيابية وعفوية، وهما أخطر ما يجب أن يحكم ويسيّر دوافع قيادة، عليها أن تبحر في بحر من الظلمات، وتقود مراكب أبنائها بحكمة ودراية واستشراف مستقبل.

راهن البعض أن بدايات العمل المشترك، بين أعداء الماضي، حلفاء الحاضر، ستكون، بطبيعة الحال، صعبة وقد تعتريها بعض العثرات والهفوات. وأنا أوافق من نادى بالاصطبار وعدم التسرع، فإذا كانت الندامة، دومًا، وليدة للتهور والاستعجال، ففي واقعنا المعقد يصبح التريّث رأس الحكمة وعين العقل.
ولكن، بالمقابل، قال فلاحونا: "لو بدها تشتي غيّمت"، وها هي الأيام تمضي ولم نشهد أي تغيير جوهري في آليات عمل مركبات القائمة المشتركة، تغيير قد يبشّر بالغيث القادم وبركاته. فإبقاء لجنة المتابعة العليا بدون رئيس مكلّف بكامل الصلاحيات والشرعية لهو أكبر دليل، وليس الوحيد، على عجز هذه القيادات عن الخروج من عنق الزجاجة، وانهماكهم في رسم مخططاتهم لضمان مراكز قوة حزبية، من خلال مقايضات مبنية على المحاصصة التوافقية، وتقنيات "حكّلي بحكلك". فمعظم القياديين يتكلمون وكأن المشتركة دائمة أبدًا، وكلّهم يعملون كأنها ستموت غدًا.

عتبي، في هذه العجالة، على الأحزاب السياسية صاحبة هوية حزبية تنظيمية واضحة وإرث نضالي شعبي تليد، والتي لم ترسمل نجاحها في الانتخابات الأخيرة بقواعد تنظيمية شابة وحيّة، ولم تودع أرصدتها في حسابات ميدانية منظمة، لتؤمن لها ظهرًا وروافع ضاغطة تبرر لقادتها إصرارهم على تقدم الصفوف والمنصات. فبدون قوى جماهيرية حزبية حقيقية سيبقى التوافق سيّد اللعبة وحلّال كل أزماتها.

معظم الأحزاب تستشعر ما أصاب أجسادها من وهن وهزال ومرض، ولن آتي على ذكر طرق مجابهة تلك الأحزاب والحركات لواقعها، فأكثريّتهم حافظت على ما هو قائم، بينما برزت مؤسسات الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وكانت مقدامة باقتحامها ما يخشى منه كل تنظيم سياسي مؤدلج، وعلى عكس كل التوقعات، انتخب أعضاؤها قيادة شابة جديدة واعدة.

ولكن، لم تكتمل شروط إنضاج فرص العمل الحقيقية لهذه القيادة الجديدة، وتشاذباتها مع بواقي جيل القيادة السابق ما زالت تعوّق انطلاقها، كما يفترض لها وينتظر منها، ممّا أدى، عمليًا، إلى عجزها، لغاية الآن، عن ترميم فرع جبهوي واحد في قرية أو مدينة، في حين ما زالت مشاهد سقوط القلاع في تلك المدن والقرى، شاخصة، ودوي سقوط أحجارها هادر، وجروح جنودها نازفة، من أم الفحم الى البعنة، فكفرياسيف والنهاية في الناصرة.

لقد شهدنا، في السنوات الأخيرة، ما معنى ضعف الأحزاب والحركات الوطنية، ولم تنحصر النتائج في احتلال بغاث الطير لأجوائنا، ولا بإحياء نهج مخترة "مودرن"،لا تكمن خطورتهم بما ينفذونه من سياسات غير وطنية، قصمت ظهور مجتمعاتنا وأضعفت مناعاتها، إنما، كذلك، بنجاحهم في تسويق هذه المخترةوتبليعها لكثيرين، حتى استذنبت وراءها، في بعض المواقع، قيادات حزبية مرموقة، أجبرت على تجرّع هذا المر، بعد أن أهدرت خوابيها الحديدية، وخرّبت أعشاشها بأيديها.

مَن لا يقر بأن هويتنا الوطنية تصدّعت، وأنها تعاني ممَن يطاردها بخبث ودراية وإمعان، فلن يذوّت مقدار الخطر الذي يَبعد عن صدورنا أقل من ذراع وبلطة، وما نشهده من تحرش سلطوي أحيانا أو داخلي أحيانا أخرى، لا يتعدى كونه اختبارات لقوتنا، التي يجب أن تنظم بسرعة وسلامة، وتقنع من يرى أننا ليس أكثر من حبات تين فجة، أننا قددنا من فولاذ وعزم وإصرار ولا تقرب جنباتنا ولا تغمز.

لم نفهمكم، ريفلين صديق أم عدو؟ واعلموا أن دعوته لن تكون آخر فوازيركم المشتركة، فأخبرونا إلى متى سننتظر?