الكاتب: د. وليد القططي
عندما بدأت بعض المجموعات المنتمية لتيار (السلفية الجهادية) تطلق من حين لآخر صواريخ موّجهة للكيان الصهيوني كتبت مقالاً بعنوان (سلاح الفتنة وسلاح المقاومة ...ليسوا سواء) جاء فيه "إنّ الدعوة للجهاد في أماكن أخرى غير فلسطين تصب في اتجاه واحد يستهدف حرف بوصلة الجهاد عن قضية فلسطين-قضية المسلمين الأولى-، ومن يحمل السلاح في فلسطين في إطار هذا الفكر من أبناء الشعب الفلسطيني يؤمن بأولوية الجهاد ضد ما يسميهم بالمرتدين الذي عبّر عنه أحد قادتهم في سوريا بعد ما خرج من غزة وهو يضع رجله على جثة أحد المرتدين حسب تصنيفه بقوله "جايينكم يا حماس ويا جهاد" ، أي أنه قادم لفلسطين ليس لقتال العدو الصهيوني بل قتال حماس والجهاد ، وهذا منحى خطير ومنحرف في التفكير يؤدي إلى الصراع الداخلي ...وأنّ ما يُحضّر لقطاع غزة يقع ضمن هذه الإستراتيجية الماكرة لأعداء الأمة وللكيان الصهيوني تحديداً، الذي يريد للمقاومة الفلسطينية أن تُنهك وتستنزف وأن تزداد الساحة الفلسطينية إرباكاَ...".
والوعد الذي قطعه على نفسه أحد الراسخين في الجهل بالقدوم إلى غزة لقتال حماس والجهاد، لم يكن وعداً نظرياً قاله في لحظة من لحظات النشوة الدموية، بل كان تعبيراً عن فكرٍ يعطي الأولوية لجهاد الأعداء القريبين الذي يسميهم بالرافضة أو المرتدين أو الضالين... ووفقاً لهذه النظرية فإن حماس والجهاد وفتح والشعبية في فلسطين هم الأعداء القريبون الذين يجب البدء بهم، والبدء بحماس والجهاد هو المطلوب إسرائيلياً كونهم يمثلون فصائل المقاومة الفلسطينية الرئيسية في غزة التي تعتبر عقبة كأداة تمنع استكمال مسلسل القضاء على القضية الفلسطينية وضياع حقوق الشعب الفلسطيني.
وتفجيرات غزة الأخيرة لسيارات مقاومين من كتائب القسام وسرايا القدس تقع في إطار هذه الإستراتيجية التي يتبعها تيار( السلفية الجهادية)، وإن كان لم يُعرف الفاعل حتى الآن إلا أن أصابع العدو الصهيوني ليست ببعيدة عن ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فأجهزة الأمن الصهيونية تقرأ الواقع في المنطقة وغزة بدقة، وتستفيد من البيئة التكفيرية المعادية للمقاومة التي يوجدها هذا الفكر الأسود، كما تستفيد من بيئة الانقسام بين غزة ورام الله التي أفرزت العداء بين أبناء الشعب الواحد، لتقوم بتوجيه بعض العناصر من هنا أو هناك لتنفيذ مخططاتها الإستراتيجية التي عبّر عنها وزير الحرب الصهيوني عندما شرح هذه الإستراتيجية بوضوح عن طريق إيجاد عدو داخلي لكل مقاومة يلهيها ويستنزفها ويبعد خطرها عن الكيان الصهيوني.
إن الخطر الذي يمثلّه هذا الفكر وتجليّاته التكفيرية المتطرفة على أرض الواقع –وبغض النظر ثبوت توّرطه في التفجيرات الأخيرة أو عدم توّرطه – يعتبر أكبر من مجرد تفجير هنا أو هناك أو حتى تفجيرات متزامنة، بل يقع في إطار فتنة مخطط لها لإيقاع قطاع غزة بشعبه ومقاومته في أتون حرب أهلية وفتنة داخلية تكون نسخة أخرى لما يحدث في بلدان عربية مجاورة، وربما الدافع لهذه الفتنة في فلسطين وغزة أكبر خاصة وأن غزة لا زالت تمسك بشعلة المقاومة وتوقد نار الثورة وتحافظ على صوابية اتجاه البوصلة نحو القدس وفلسطين.
والتصدي لهذا الخطر لا يتم بالمعالجة الأمنية فقط رغم أهميتها الكبيرة، بل يتم بمعالجة أوسع يتحمل مسؤوليتها الجميع –سلطة وفصائل ونخب مثقفة وعلماء دين وغيرهم- فلا مجال للنأي بالنفس أو التخاذل أو الحياد في مواجهة هذا الخطر، وأهم أوجه هذه المعالجة إضافة للمعالجة الأمنية وهي المعالجة الفكرية التي تتصدى لهذا الفكر المنحرف الذي يريد أن يُسقط فهمه للإسلام على الجميع ويحتكر تمثيله للإسلام، وينفي صفة الإسلام عمن سواه، فهو الفرقة الناجية الوحيدة، وشعب الله المختار، الذي سيدخل الجنة وحيداً من دون الناس.... والذي يريد أن يستبدل العدو الصهيوني المغتصب لفلسطين وأشد الناس عداوة للذين أمنوا بأعداء آخرين من كل حدب وصوب، فيحارب الجميع الجميع، ويفتك الأخ بأخيه، ويقتل الجار جاره، حتى لا يبقى على الأرض من المسلمين ديّاراً، وينعم الكيان الصهيوني بالاستقرار والسلام حتى يتم القضاء على الأعداء القريبين في حرب قد تستمر لعشرات ولربما مئات السنين-حسب نظرية الحرب الجهادية – فإن لم ننهض جميعاً لمواجهة هذا الخطر فسيستفرد بنا واحداً واحداً، ورحم الله القائل "إما أن ننهض جميعا أو نُقتل فرادى".