نشر بتاريخ: 22/07/2015 ( آخر تحديث: 22/07/2015 الساعة: 15:28 )
الكاتب: مصطفى ابراهيم
يبدو أن المعركة تدور الآن في فلسطين على الهوية والوطنية الفلسطينية وتمزقها ليس سياسياً فقط إنما إجتماعياً وهذا مخيف جداً وخطير و يؤسس الى ما هو أسوء من الحاضر السيئ، ربما لا أستطيع أن أكتب تأصيلا مبني على إحصاءات أو دراسات علمية تظهر حجم التفكك في النسيج الإجتماعي والمشكلات الخطيرة بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وتفشي ظاهرة العنف.
هذا عدا عن العنف المسلح التطرف و الأفكار المنحرفة بين الشباب في الحركات الإسلامية وتأثير التنظيمات والجماعات الإسلامية المتطرفة والمسلحة عليهم و إنضمامهم اليها والأوضاع في فلسطين خاصة القطاع تشكل تربة خصبة لهم.
لكن يكفي النظر إلى البيانات النادرة التي تصدرها الشرطة في الضفة الغربية والقطاع أو منظمات حقوق الانسان أو التقرير الشهري الذي تصدره الهيئة المستقلة لحقوق الانسان حول حال حقوق الانسان والعنف الممارس من الناس على بعضهم من الإعتداءات على الحق في الحياة والقتل بفعل الشجارات او استخدام السلاح والظواهر الإجتماعية التي تتفشى في المجتمع، وعنف السلطات الحاكمة و الإنتهاكات التي تمارسها على حقوق الإنسان عدا عن عنف الاحتلال وممارساته وجرائمه الخطيرة ضد الفلسطينيين.
ومدى خطورة ذلك والذي يتعاظم منذ الإنقسام بأشكال مختلفة ضد الخصوم السياسيين من الطرفين و بشكل ثأري و إنتقامي من طرفي الانقسام، وقد يقول قائل إن العنف في المجتمع الفلسطيني ظاهرة قديمة بقدم الشعب الفلسطيني ومشكلاته و طبيعته العائلية والعشائرية والتمييز بين مواطنين ولاجئين ومدني وحضري وبدوي وفلاح وعدم قبول الآخر والحقد والكراهية والتربية الحزبية المقيته.
و القائمة منذ النكبة وقبلها وغياب نظام سياسي فلسطي يوحد ولا يفرق كما هو قائم الآن بفعل الإنقسام الذي كشف عورة الفلسطينيين جميعهم وعدم قدرتهم على توحيد أنفسهم ولملمة ما تبقى منهم سواء في فلسطين أو مخيمات الشتات و أماكن هجرتهم التي تتعاظم أيضا بفعل ما يجري في محيطهم العربي ويكون الفلسطيني الحلقة الاضعف في دفع الثمن.
في بيان للشرطة في حكومة الوفاق في الضفة الغربية قالت أنها تعاملت مع 974 شجار منذ بداية شهر رمضان كما قتل 5 مواطنين، وأن هذه الشجارات كانت جراء أسباب بسيطة ولا تستدعي إستخدام هذا العنف، وفي غزة لم تصدر الشرطة تقريرها، و العنف والشجارات تزداد في رمضان شهر الرحمة والمغفرة وقلة صبر الناس وعدم استخدام العقل، و ربما يكون العدد قريب من ما جرى ويجري في الضفة.
العنف في تعاظم و ازدياد من دون اي رادع اخلاقي او قانوني واستسهال استخدام العنف بالإعتداء بالأسلحة البيضاء والنارية ووسائل أخرى، ظاهرة العنف تعبر عن قلق حقيقي وخطير، لكن للعنف أسباب نفسية و إجتماعية وإقتصادية وما يرافق ذلك من ازدياد نسب الفقر والبطالة المستشريان في المجتمع الفلسطيني وقلة الحيلة، و غياب سيادة القانون وعدم قدرة السلطة على خلق فرص عمل.
الإنقسام وما نتج عنه من تدهور في العلاقات الاجتماعية و الأوضاع الكارثية الصعبة التي يعيشها الناس وما يرافقها من أمراض نفسية كالإحباط والاكتئاب وتأثير الأوضاع السياسية عليهم وعجز السلطة و عدم إيفاء الحكومة بتعهداتها و حصول الناس على حقوقهم والخدمات السيئة المقدمة لهم من أزمة الكهرباء في قطاع غزة المستمرة منذ سنوات في القطاع وغيرها من الأزمات التي لا تعد ولا تحصى، وتأثير ذلك النفسي والعصبي على حياتهم، وعدم قدرتهم على الاحتمال ومقاومة كل هذا العنف الممارس عليهم من الإحتلال والحصار المفروض على الناس منذ ثماني سنوات وتقييد حركتهم ومنعهم من السفر، و دورات العدوان المستمرة على القطاع وما خلفه من دمار وقتل وصدمات نفسية وعصبية.
أو ما يمارسه من إنتهاكات جسيمة في الضفة من استيطان والاعتقالات والحواجز، أو ما تقوم به السلطات الحاكمة في الضفة والقطاع من استبداد وتفرد و ممارسات تمس بحقوق الانسان من غياب حرية العمل السياسي والحريات العامة وقمع حرية الرأي والتعبير.
غياب الأفق السياسي وانعدام الأمل في إنهاء الانقسام و إعادة الإعتبار للمشروع الوطني و إنهاء الإنقسام لمواجهة الاحتلال و الحصار والسماح بحرية العمل السياسي و ووقف الإستبداد و سياسة التفرد والإقصاء و القمع والانتهاكات والملاحقات و التقييد على الحريات العامة وحرية التعبير، والتعامل مع المواطنين كمواطنين احرار وليس كعبيد مسلوبي الإرادة، و الاهتمام بالقضايا الوطنية المغيبة لصالح تفاصيل الناس المعيشية والجري خلف لقمة العيش، و إحترام سيادة القانون مدخل للحد من ظاهرة العنف.