نشر بتاريخ: 30/07/2015 ( آخر تحديث: 30/07/2015 الساعة: 11:39 )
الكاتب: د. مجدي شقورة
تمر فلسطين في هذه الأيام بموجة حر لهيبة، قادمة من وراء البحار، وتعيس طقساً سياسياً لا يقل حرارة عن المناخ الجغرافي، وبمفاعيل قادمة من وراء البحار والمحيطات، وهو طقس على كل حال متعب وممرض ولا يأتي عادة بخير، والحديث هنا يدور عن الحرارة المناخية والحرارة السياسية، ولا يبدو في الأفق الفلسطيني ما ينذر بقرب الخروج من عنق الزجاجة التي وضع الكل الفلسطيني فيها نفسه، فالرئيس من جهة يعلن نيته الانسحاب من المشهد فيما لو استمر هذا الركود، وحركة حماس تتنبأ بقرب انفراج الأزمة ومحنة القطاع المحاصر، وحكومة الوفاق معطلة، ودول المنطقة تعيش أنماطاً من التحديات غير المسبوقة، فالإقليم يعيش اليوم مرحلة ما بعد الاتفاق النووي مع إيران، وما بعد عاصفة الحزم وما بعد تنامي المد السلفي الجهادي، وهي تحديات تجعل النظم تحيا همومها ولا تبدو قادرة على حمل هموم الآخرين، بما فيهم الفلسطينيين، والمناكفات الإقليمية لا تتوقف، بمنطق الفعل ورد الفعل، فلا مصر راضية عن زيارة قادة حماس للسعودية، ولا السلطة الفلسطينية كذلك، ولا السعودية راضية عن إعدام قادة الإخوان المسلمين في مصر، ولا أحد معجب بمنطق اللاتفاوض ولا مقاومة الذي تعيشه السلطة الفلسطينية، ولا احد يضغط على إسرائيل التي تعيش عصرها اليميني الذهبي، ولا يبدو في الأفق أن انفراجة قادمة على الصعيد السياسي، لا في الضفة الغربية ولا في قطاع غزة.
إذن المشهد استثنائي، وتفاصيله استثنائية، وقراراته استثنائية بطبيعة الحال، تارة نسمع عن إقالات وتارة عن استقالات، وبعدها تنشط الأخبار عن الاستبعاد والتقريب، ثم تتلوها أنباء بالتهديد والوعيد، بينما القبضة تتراجع واليد تشيخ والعزيمة تفتر، والمشروع الوطني برمته يتراجع، فلا أمل لشعب يتوق إلى الحرية أن تنفسها طالما عملت مراكز القوى، واستأثر الناس بالمشهد، وبدأت المصالح تطغى على المبادئ، والشعارات تتفوق على السياسات، والتكتيكات تعلو الاستراتيجيات، وليس هناك من عاقل يوقف كل هذا العبث، فلا فتح موحدة، وكاذب من يدعي ذلك، ولا منظمة التحرير على قلب رجل واحد، وكاذب من يدعي ذلك، ولا الحركة الوطنية والإسلامية برمتها على ذات الهدف، وبين البروبوغاندا والديماغوجيا يعيش الشعب الذي اكتوي بنار الاحتلال والانقسام والحصار حرارة الطقس وحرارة السياسة، فمتى تُتخذ القرارات الاستثنائية؟!!
الكرة تبقى دائماً وأبداً في ملعب الرئيس أبو مازن، لا أحد غيره يملك مفتاح الحقبة الزمنية العسيرة الفهم هذه، بيده أن يتخذ من القرارات ما يصون وحدة حركته، ويعيد للقضية بريقها ويرجعها إلى تصدر المشهد الدولي والعربي والإسلامي، ويعيد هيبة منظمة التحرير الفلسطينية ووحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني، ويعيد وحدة الوطن، مجموعة قرارات لا تتعدى الصفحة الواحدة ويستقيم الحال، فلا مناص أمام شعبنا وقيادته سوى روحية الفريق الواحد والجسد الواحد والمصير المشترك، ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية ينبغي على الرئيس أن يصم أذنيه لو للحظات عن بعض بطانته وبعض مستشاريه الذين يقيسون ويزنون كل قرار بما يتواءم مع أضيق مصالحهم الشخصية، ولو غاب هؤلاء عن المقاطعة ساعة واحدة، ستجد الرئيس في الساعة الثانية في طريقه إلى غزة، ولو أغلق هؤلاء أفواههم للحظات ستجد كل فتح ملتئمة في قاعة واحدة، ولو توقف هؤلاء عن تقديم المغالطات تلو المغالطات من الأقوال والتفسيرات والتحليلات ففي الساعة الثانية ستتشكل حكومة وحدة وطنية قادرة على النهوض بملفات الإعمار وتوحيد المؤسسات والمصالحة المجتمعية والتجهيز للانتخابات، فمتى يستعد الرئيس ويصدر مرسوماً استثنائياً نتعطش له جميعاً، أليس في ذلك بديلاً عن كل هذا النكد الذي يحيل حياة الفلسطيني إلى جحيم يفوق بحرارته وثقله على الصدور حرارة خط الاستواء.