نشر بتاريخ: 31/07/2015 ( آخر تحديث: 31/07/2015 الساعة: 10:48 )
الكاتب: عماد توفيق عفانة
سال حبر كثير في كيل الاتهامات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين المعروفة بالأونروا- علما ان الأونروا تسمية غير معتمدة لدى الامم للمتحدة ذاتها- بسبب التقليصات التي شابت في السنوات الأخيرة خدماتها في مختلف النواحي الي تؤثر على حياة ملايين اللاجئين الفلسطينيين الموزعين على مختلف مناطق الشتات خصوصا في الاراضي الفلسطينية المحتلة سنة 67، وفي الاردن وفي سوريا ولبنان.
وبلغ الامر ذروته بحيث لم يعد في قوس النقد منزع حد اتهام الأونروا بالتآمر لإنهاء قضية اللاجئين، عندما سربت رئاسة الوكالة اخبار تفيد باحتمال تأجيل العام الدراسي لعدة اشهر بسب عجز الوكالة عن توفير 101 مليون دولار فقط، ما يعني حرمان نحو 20 الف موظف من رواتبهم طيلة تلك الاشهر، ما سينعكس سلبا على حياة آلاف العوائل التي تسندها رواتب موظفي الوكالة بشكل او بآخر.
ليست هذه الأزمة المالية الخانقة الأولى التي تعاني منها الوكالة، لكنها تعد الأكبر في تاريخها، رغم ان مبلغ 101 مليون دولار أمريكي لا يعتقد الكثيرين انها المانع الحقيقي أمام استكمال خدمات اونروا في مناطق اللاجئين الفلسطينيين، اذ باستطاعة الوكالة توفير هذا المبلغ البسيط من المملكة السعودية التي تعد من اكبر المانحين للوكالة منذ عقود.
من هنا يعتقد البعض ان هذه الأزمة المالية مفتعلة نظرا لأن مبلغ العجز المالي 101 مليون دولار فقط ، وهو يعتبر مبلغ لا يمثل شيئًا في ميزان الدول والأمم المتحدة، وبإمكان دولة واحدة التعهد بدفعه وانهاء الأزمة.
فضلا عن قدرة الوكالة على تخفيض بعض نفقاتها غير الضرورية، مثل العاب الصيف المخصصة لطلاب مدارسها، التي لا تسمن ولا تغني من جوع بالنسبة لهم بينما تستهلك موازنات كبيرة لا ضرورة لها، علما ان رواتب موظفي الوكالة الأجانب تستنزف نحو 20% من موازنة الوكالة المفترض توجيهها بالكامل لخدمة اللاجئين فقط.
وفي غزة تضاف الأزمة المالية لوكالة الغوث الى جانب سيل الأزمات التي ترزح تحتها، مثل ازمة توقف مئات المصانع ما يفاقم مشكلة البطالة، وازمة كساد التجارة بسبب انقطاع رواتب حكومة غزة، وازمة الوظائف الحكومية بسبب توقف حكومة الحمد الله عن التوظيف في غزة ما يفاقم ازمة بطالة الخريجين.
لا شك ان الانتهاء من ملف اللاجئين الفلسطينيين، حلم طالما خططت له "إسرائيل" والدوائر الصهيونية، التي ترى في وجود مؤسسة "الأونروا" تكريسًا لوجود ملف اللاجئين، لكن في ذات الوقت هل "اسرائيل" معنية الآن بانفجار ملف اللاجئين في وجهها في الوقت الذي تعاني من احتمالية انفجار جبهات مشتعلة في سوريا ولبنان وغزة المحاصرة..!!.
بغض النظر عن البعد السياسي والاجتماعي والمالي لأزمة الوكالة على اللاجئين ، فان الوكالة التي تأسست سنة ١٩٤٩م بسبب النكبة بقرار أممي للاضطلاع بدور رئيس في توفير الرعاية اللاجئين صحيًّا وتعليميًّا واجتماعيًّا، بهدف التخفيف من وقع النكبة عليهم، والتخفيف من اثر السكين الصهيوني الذي يحز رقابهم، لا تستطيع اليوم التنصل من هذا الدور طالما هناك احتمالية قوية جدا لانفجار اللاجئين في وجه "اسرائيل" وبقوة غير متوقعة عندما يشعرون بالألم الحقيقي الذي سببته "اسرائيل" لهم وبدون مسكنات الوكالة طوال الـ 60 سنة الماضية.
لا شك ان الأونروا ساهمت منذ اقامتها في تعليم اجيال من اللاجئين وخرج منهم العلماء والمعلمين والتجار والاثرياء كما خرج النابغين والقادة والسياسيين، لكنها ومن حيث تدري ساهمت وبشكل كبير في حرف بوصلة اللاجئين من العمل على تحقيق حلم العودة الى العكل على تحقيق احلامهم على الصعيد الشخصي، كحلم الحصول على وظيفة ثم على زوجة ثم على بيت مستقل، او على منحة دراسية او عقد عمل في دولة اجنبية.
اعترفت الأمم المتحدة "بإسرائيل" بعد موافقتها على قرار تقسيم فلسطين وعودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم؛ لكن وعلى ارض الواقع بقي القرار الأممي رقم 194 حبرًا على ورق، ومنذ ذلك الوقت لم تسمج "اسرائيل" بعودة أي لاجئ للأرض التي هجر منها، فهل يمكن اذا ان تتنصل الأمم المتحدة من مسؤولياتها وتحيل مسؤولية وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين الى جامعة الدول العربية على سبيل المثال قبل ان تفي "اسرائيل" بالتزاماتها وتسمح بعودة اللاجئين..!!
او بمعنى آخر هل يمكن ان تقدم "اسرائيل" اليوم على اشعال فتيل قنبلة اللاجئين الذين يعدون بالملايين المستعدين للانفجار في وجهها بعد نجاح الأونروا في اخماده على مدار الـ60 سنة الماضية..!!.
مع ان المنطق يقول انه أمر مستعبد، الا انه يمكن ان يعتبر الجانب المضيء لإنهاء وكالة الأونروا خدماتها، او بالأحرى عندها سينتهي مفعول مسكناتها التي خدرت الفلسطينيين طوال عشرات السنين الماضية، لتوقظ فيهم حلم العودة من جديد على صهوة بندقية المقاومة التي نجحت وباقتدار بالالتحام مع العدو المدجج بالتأييد الدولي وبمجلس الامن وبالقوى العظمى وبدول الطوق المتآمرة وبالحصار القاتل ثم هي تنجح ومن نقطة الصفر في النيل من هيبته وتمريغ انف آلته العسكرية في وحل غزة التي اثبتت وتثبت كل يوم ان هذا العدو يمكن هزيمته ويمكن دحره ويمكن تحقيق حلم التحرير الارض .
لذا ربما على البعض الكف عن الترويج لخرافة امكانية المضي ببرنامج توطين ودمج قسري للاجئين في المناطق التي هجروا اليها، والتجنيس ضمن خطة ومخطط التوطين.
يقولون ان للشر جانب مضيئ، او بمعنى آخر رب ضارة نافعة ، من هنا فان تقليص خدمات التعليم والصحة والتموين الممنهج والمتدرج، مع انه يساهم في زيادة أثار الحصار والدمار والفقر على شعبنا الفلسطيني؛ كما يؤثر الامتناع عن إدخال مواد البناء لإعمار مساكن اللاجئين المدمرة والمتضررة منذ عدة سنوات؛ وعدم الوفاء بالتزامات الأونروا تجاه المهدمة بيوتهم سواء في قطاع غزة أو لبنان يساهم في تدهور أحوالهم المعيشية ويراكم معاناتهم الإنسانية، ويفاقم معدلات الفقر والبطالة، إلا أنه في ذات الوقت يفتح عيونهم اكثر على "اسرائيل" المتسبب الحقيقي في معاناتهم، ويدفعهم دفعا نحو ميادين التدريب المفتوحة للالتحاق بالمقاومة لتعزيز خيار العودة وتحقيق حلم التحرير.