الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاستبداد أولاً

نشر بتاريخ: 31/07/2015 ( آخر تحديث: 31/07/2015 الساعة: 10:54 )

الكاتب: عزت علان

في منتصف الشهر الجاري، ومن أحد فنادق فيينا الجميلة، أعلن عن التوصل لاتفاق يتعلق بالبرنامج النووي الايراني، وقد أثار الاتفاق موجة من التحليلات والجدل بين من اعتبره نصرا كبيرا لطهران، وبين من ابدى تخوفه من الاتفاق، معتبرا انه بداية مرحلة جديدة في العلاقات الامريكية - الايرانية، قائمة على التعاون، وان امريكا بذلك تخلت عن حلفائها العرب، وسلمت المنطقة لايران. وبالرغم من عدم اطلاع معظم من ناقشتهم على الاتفاق وبنوده، لقناعتهم أن هذه البنود تفاصيل غير مهمة، وأن الاتفاق بحد ذاته يعتبر تحولا كبيرا بغض النظر عن تفاصيله، لكني أظن أن الاطلاع على الاتفاق ضروري لفهم ما جرى، وتوقع ما سيحدث في الايام القادمة. وقد كانت أهم بنود الاتفاق كالتالي:

• تقوم ايران بتفكيك ثلثي أجهزة الطرد المركزي التي تمتلكها، والتي يقدر عددها ب 19 ألف جهاز، وتحتفظ فقط ب 6104 أجهزة من الجيل الاول.
• تسلم ايران 98% من مخزونها من اليورانيوم المخصب المقدر ب 10000كغم، وتحتفظ فقط ب 300كغم لا يزيد تخصيبها عن 3.67% .
• يستمر حظر استيراد ايران للاسلحة لمدة 5 سنوات.
• يستمر حظر استيراد ايران للصواريخ الباليستية ل 8 سنوات.
• يقوم مفتشون تابعون لوكالة الطاقة النووية بزيارات دورية للمواقع النووية والعسكرية الايرانية.

هذه هي الاتفاقية لمن يريد أن يبحث بين بنودها عن انتصار لطهران، أو من يريد أن يبحث عما يعزز تخوفه من تحول ايران الى شرطي امريكا في الخليج والمنطقة. وهنا يبرز السؤال، هل التعاون الامريكي- الايراني حديث الولادة، ولا يتعدى عمره عمر هذه الاتفاقية؟ أم ان هذا التعاون قديم قدم الاحتلال الامريكي لافغانستان والعراق؟ هل نسي من تعالت صيحاتهم تخوفا من هذا الاتفاق، تصريحات خاتمي ونجاد وأبطحي أن أمريكا ما كانت لتحتل كابول وبغداد لولا التعاون الايراني؟ أم أن هؤلاء لم يروا الطائرات الامريكية وهي تقصف تكريت لمساعدة الميليشيات الموالية لايران على احتلال المدينة؟ أم لم يروا ذات الطائرات تقصف كل فصائل المعارضة السورية دون ان تطلق طلقة واحدة ضد حليف طهران في حي المهاجرين؟ وهو ذات المشهد في اليمن الذي تقتل فيه طائرات التجسس الامريكية أعداء الميليشيات الايرانية الهوى، دون أن نسمع حتى الآن عن أي استهداف لهذه الميليشيات رغم شعارات الموت لامريكا التي ترفعها.

سؤال آخر لا بد من البحث عن اجابته لفهم أبعاد هذا الاتفاق، هل كانت ايران جادة في امتلاك السلاح النووي، كما كان يظن أنصارها، أم أن ايران كانت صادقة بتاكيدها الدائم على سلمية برنامجها النووي؟ لقد فرض العالم عقوبات اقتصادية على باكستان بسبب برنامجها النووي، وكذلك فعل مع كوريا الشمالية لذات السبب، لكن هذه العقوبات لم تمنع البلدين من دخول النادي النووي، لم تخض اي من الدول النووية مفاوضات مع أحد، ولم تطمح الى الحصول على موافقة المجتمع الدولي المستحيلة على امتلاك السلاح النووي، في كل تجارب الدول النووية كانت سياسة الأمر الواقع الطريق الوحيد للوصول الى السلاح النووي، فلماذا اختارت ايران التي كان يفصلها عن امتلاك السلاح النووي اربعة اشهر، لماذا اختارت طريق التفاوض؟ ايران التي امتلكت من اليورانيوم المخصب واجهزة الطرد المركزي ما يكفيها لصناعة 10 قنابل نووية، لماذا فتحت باب الحوار مع القوى العظمى عوضا عن صنع قنبلتها النووية كما فعلت باكستان وكوريا الشمالية؟ هل الاستنتاج بان خامنئي كان صادقا عندما قال ان ايران كانت قادرة على امتلاك السلاح النووي، لكن اعتبارها ذلك محرما هو ما منعها، هل يكون تصديق كلامه نوع من السذاجة؟ ام يكون تكذيبه منافيا للواقع ومجريات الامور؟

اذا كان التخوف من تعاون امريكي- ايراني غير منطقي، لان هذا التعاون قائم فعلا قبل الاتفاق، ولن ينقطع بعده، واذا بدا ان ايران لم تكن تسعى لامتلاك السلاح النووي، فما الذي سعى الاتفاق الى تحقيقه؟ لقد كانت ايران تقف على اعتاب النادي النووي، فردها الاتفاق بعيدا عن هذه العتبة، وقد ارادت امريكا بذلك طمأنة حلفائها في المنطقة، كما ارادت منع اشتعال سباق للتسلح النووي كانت ستدخله الرياض وأنقرة على الاغلب، ومنع تهور اسرائيل بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الايرانية، ومن هذه الطمأنة تريد أمريكا من جميع اللاعبين أن يتبنوا ترتيبها للاولويات، وأن يكون الهدف الاول للجميع القضاء على الارهاب، وعدم الانشغال بالنزاعات الثنائية، لقد بدى واضحا وما زال، عجز ايران عن القيام بمهمة القضاء على الارهاب وحدها، وزادت القناعة لدى واشنطن أن تعاون العرب السنة ضروري لمحاربة الارهاب، وبدون هذا التعاون فان فرص النجاح تكون ضئيلة جدا.

لقد عبر بوتين عن البعد الحقيقي للاتفاق عندما قال ان الاتفاق سيدعم جهود الحرب على الارهاب، وبوتين هو نفسه الذي دعى ولي العهد السعودي لبناء تحالف يضم السعودية وايران وتركيا لمحاربة الارهاب عوضا عن الانشغال بالنزاع مع طهران. لقد ارتكب العرب خطيئة عظمى ووقعوا في فخ كبير عندما شاركوا وساعدوا واشنطن على احتلال العراق، فهل منع تعاونهم امريكا من تسليم العراق لايران؟ ان الارهاب الذي يراد للعرب الاصطفاف لمحاربته هو نتيجة للظلم والاستبداد، وسيختفي بسرعة تفوق سرعة ظهوره عند انتصار المظلومين، وسقوط المستبدين، والثأر لدماء الابرياء، ان الخطر الحقيقي يتمثل بفتح الساحة أمام الارهاب لتصدر مشهد مقاومة الظلم والثأر للأبرياء، وكلما طالت مدة تصدره لهذا المشهد كلما قويت شوكة الارهاب، وكلما اجتمع حوله اصحاب المظلومية الطامحين للثأر.

أسقطوا الاستبداد حتى لا يسقطكم الارهاب، استمعوا الى الشعوب لتحددوا من آلامها أولوياتكم، لا تقبلوا اولويات تسقط عليكم من مشارق الدنيا أو مغربها، لا تقعوا في الفخ مجددا، حاربوا الداء، ولا تحاربوا الحمى التي نتجت عنه.