نشر بتاريخ: 03/08/2015 ( آخر تحديث: 03/08/2015 الساعة: 11:28 )
الكاتب: د. وليد القططي
عبثاً يحاول القادة الاسرائيليين إقناع العالم بأن قتل الرضيع الفلسطيني علي دوابشة وإصابة أسرته بحروق شديدة هي جريمة شاذة مدانة من الحكومة والمجتمع في اسرائيل، وأن من قاموا بها من المستوطنين هم مجموعة صغيرة معزولة لا تمثل المجتمع الصهيوني ولا حتى المستوطنين في الضفة الغربية , متجاهلين السياق العام الذي أتت به هذه الجرائم كجزء من سلسلة طويلة من جرائم المستوطنين والجيش ضد الشعب الفلسطيني وأرضه ومزروعاته وممتلكاته قتلاً وسجناً للإنسان ونهباً ومصادرةً للأرض وتخريباً وتدميراً للممتلكات وتهجيراً وحصاراً للإنسان والأرض ... وهذا كله جزء من الإرهاب الصهيوني المستمر قبل قيام دولة الكيان الصهيوني وبعدها الذي أدى إلى اقتلاع شعب بأكمله من أرضه وإحلال شعب آخر مكانه جيء به من كل بقاع الأرض ليمارس إرهابا مغروساً في أصل عقيدتهم الدينية وأيدلوجيتهم السياسية .
هذا الإرهاب المنهجي والعنف الدائم الذي تمارسه دولة " إسرائيل " بحكومتها وجيشها ومستوطنيها – داخل الخط الأخضر وخارجه – موجود في صلب البنية الفكرية لهذا الكيان , هذه البنية الفكرية المستمدة العقيدة الدينية اليهودية التوراتية والتلمودية المحرّفتين , ومن الأيدلوجية الصهيونية العنصرية , ومن الفكر الاستعماري الأوروبي .
فالعقيدة اليهودية القائمة على توراة محرَّفة وتلمود مزوَّر تغذّي عقيدة العنف والإرهاب ضد الآخرين من غير اليهود مهما كانت قومياتهم وأديانهم خاصة المسلمين لأنهم أشد الناس عداوةً للذين آمنوا , والعنف والإرهاب يمارس بدون حواجز أخلاقية مادام أنه ليس عليهم في الأميين سبيل أي الآخرين من غير اليهود الذين يسمونهم ( الجوييم ) , وهذه العقيدة الخاطئة تجعل قلوبهم قاسية كالحجارة بل أشد قسوة بعد أن غلظت قلوبهم وانتزعت الرحمة منها , وتجعلهم أحرص الناس على حياة أي حياة حتى لو كانت على حساب حياة الآخرين التي ليس لها قيمة عندهم و وهم الذين قتلوا أنبيائهم تحت مبررات واهية مما سهّل عليهم قتل الآخرين , وهم الذين يعتقدون أنهم أبناء الله وأحبائه وأنهم شعب الله المختار الذي فضّلهم على الشعوب الأخرى فيسمح لهم قتل غيرهم بدون أن يحاسبهم الله .... إلى غير ذلك من الاعتقادات المريضة التي سوّلت لهم استباحة دماء الشعب الفلسطيني وأرضه .
والأيدلوجية الصهيونية التي دمجت بين الدين العنصري والقومية الاستعلائية صاغت مبادئها وأفكارها على أساس أفضلية الشعب اليهودي على العالمين فجعلته شعباً مقدساً قد حلّت فيه روح الله تعالى , فالتحم الشعب اليهودي المقدّس بأرضه المقدّسة التي وعده الله بها ! , وقد قام هذا الشعب بتنفيذ إرادة الله تعالى عندما عاد إلى أرضه المقدّسة , وبالتالي فان كل ما قام به لاسترداد هذه الأرض وما يقوم به للمحافظة عليها من قتل وتهجير للشعب الفلسطيني مستخدماً العنف والإرهاب هو تنفيذ لإرادة الله حسب اعتقادهم . وهذه الأيدلوجية هي التي تحركهم وتترجم على الأرض قتلاً وتهجيراً للإنسان , وتدميراً وتخريباً للممتلكات , ونهباً مصادرةً للأرض .
ولم يكن هذا الإرهاب هو نتيجة لفكر ديني منحرف وأيدلوجية سياسية عنصرية فقط , بل نتيجة أيضاً لتأثره بالفكر السياسي الاستعماري الأوربي الذي ينظر من عل للشعوب غير الأوربية , حيث أفرز هذا الفكر إمبراطوريات استعمارية كبرى ارتكبت أفظع الجرائم ضد البشرية , من قتل للسكان الأصليين واستعبادهم ونهب ثرواتهم وطردهم من أرضهم واستيطانها , خاصة ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية وكل من الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية في البلاد التي احتلوها وسمّوها كذباً وافتراءً بالبلاد الجديدة , و ما أطلقوا عليه العالم الثالث . ولازالت صفة العنف وإدامة العنف تسيطر على سياسة الغرب تجاه هذه الشعوب والأمم , ودولة " إسرائيل " التي قامت بفعل تحالف المشروعين الغربي والصهيوني المعادي للأمة الإسلامية هي تلميذ نجيب لهذا التحالف لاسيما فيما يتعلق بالعنف وإدامة العنف والإرهاب واستمرار الإرهاب كأسلوب استراتيجي لفرض الإرادة الصهيونية والعلو والإفساد الإسرائيلي على المنطقة .
وخلاصة الأمر أن جريمة حرق الرضيع دوابشة ومن قبله الطفل أبو خضير وغيرها من الجرائم التي سبقتهما والتي ستليهما ليست جرائم فردية يرتكبها مستوطنون معزولون , بل هي جرائم منهجية مسئول عنها الكيان الصهيوني كله في إطار تبادل الأدوار . وأن هذه الجرائم تتطلب رداً منهجياً من الشعب الفلسطيني بكافة أطره السياسية والوطنية خاصة مقاومته الحية التي تمثل الروح الحيوية الفاعلة له , وأن لا يكون هذا الرد مجرد ردود أفعال لهذه الجرائم , بل في إطار مشروع وطني متكامل يجبر العدو على وقف جرائمه , ويتجاوز ذلك للانطلاق نحو التحرير , كما يتطلب من السلطة أن تكون إحدى أسس هذا المشروع , أو على الأقل أن تتوقف عن مطاردة المقاومة وذلك أضعف الإيمان .