نشر بتاريخ: 03/08/2015 ( آخر تحديث: 03/08/2015 الساعة: 11:13 )
الكاتب: عيسى قراقع
لانهم لا يرون يوما جميلا، يعيشون في كابوس الاحتلال الاطول والاعمق في العصر الحديث، لا يستمتعون الا بضرب المعتقلين وسماع اناتهم وصراخهم وصدى اوجاعهم المتطايرة، هنا على حواجز الاحتلال العسكرية، وهناك في معسكرات وأقبية التحقيق .
انهم جنود ومحققي الاحتلال الذين وصلوا الى مستوى الجنون والكآبة والفساد النفسي والخلقي، الافق ضيق فوقهم، سياج ومعسكر، والارض تحتهم غبار لدباباتهم وبساطيرهم، لم يعودوا يميزون بين الليل والنهار، كل شيء في ارواحهم ليل وعتمة، مداهمات واعتقالات، اقتحام البيوت، تقييد الاطفال، الدعس عليهم، إذلالهم، جرهم وتعذيبهم، والتفنن في التنكيل بهم كأنهم صيد ثمين للتسلية الجنونية.
لا يوجد يوم جميل في حياة جنود الاحتلال، ولا يريدون ان يسمعوها من احد، فهم يعتقدون ان كل من حولهم اعداء وارهابيين يتربصون بهم، لا سلام في المحيط، ولا سلام في الكلام ولا في المدرسة، لا في القصائد ولا في الاجازات ، انه المعسكر الكبير الذي يسمى دولة اسرائيل.
الاسير شادي ناصر جابر من سكان الخليل، العامل الفقير البسيط، العائد من عمله مساء يوم 26/7/2015، وخلال مروره عن حاجز شرطة (جعبرة) في الخليل وبعد فحص هويته والسماح له بالمرور، ارتكب خطا قاتل ودموي عندما قال للجندي: (يوم توف)، يوم جميل.
الجندي الاسرائيلي الذي سمع هذه الدعوة الطيبة من الفلسطيني البسيط وهو يتمنى له يوما جميلا وسعيدا، شعر بالخوف والرعب من هذه العبارة الشاذة في حياته، فقام بضرب شادي جابر ببندقيته على رأسه ووجهه وبقوة شديدة حيث فاضت الدماء من الجروح التي اصيب بها قائلا له: لماذا تقول لي ذلك؟ لست صديقك، انا عدوك، لغتنا الحرب والقتل وليس التمنيات بايام جميلة خالية من الحروب والقتلى.
في دولة اسرائيل الكبرى الممتدة استيطانا واحتلالا، برا وجوا وبحرا، من شمال المتوسط حتى جنوب النقب، اعتقلت العامل شادي جابر بتهمة تمنياته لاحد جنودها بيوم جميل، وان هذه الكلمة التي تصدر عن فلسطيني مغلوب على امره، يحلم بايام لا يمر فيها عن حواجز وتفتيشات، وبسلام شامل لشعبه وللشعب الاسرائيلي ، اصبح خطرا على امن هذه الدولة المتضخمة جنودا وطائرات وبنادق وقنابل وسجون.
اعتقل شادي جابر ونقل الى مستشفى هداسا وهو ينزف الدماء، مذهولا مصدوما مما جرى معه، ولا زال يقبع في معسكر عصيون، طارحا كل الاسئلة على ضباط المعسكر: ماذا فعلت؟ ولماذا انا هنا؟ دون اجابة سوى آلام حادة من رأسه، وعدم قدرته على المشي والوقوف ، وارتفاع شديد في درجة حرارته، لا طبيب ولا مغيث.
شادي جابر رأى ما لم يتوقع في هذا المعسكر: رأى اطفالا عذبوا من قبل شرطة ومحققين ملثمين، لا تظهر وجوههم، غير قادرين على النظر في عيني الضحية و هو يتعرض للضرب والاذلال والتهديد،وراى جنودا ومجندات يتلذذون بأخذ الصور امام الاسرى المشبوحين المربوطين والمعصوبة أعينهم، ينشرونها مفتخرين وسعداء ومبتهجين.
شادي جابر رأى دولة اسرائيل المريضة من خلال جنودها ومحققيها، يكرهون البحر والحديقة ، لا يسمعون اغاني الطيور، يعيشون في عاصفة صوت الرصاص وقرقعة البنادق وضجيج الحديد.
شادي جابر رأى دولة تحولت الى ورشة عمل عنصرية، تشرع قوانين الجريمة ضد الاسرى وحقوقهم ، من تغذية قسرية ضد المضربين عن الطعام، الى رفع احكام القاصرين الى عشرين عام، الى تسهيل الاعتقالات دون اسباب او لوائح اتهام، تطلق قوانين الحرب، محشوة بذخيرتها الحية على مباديء وقيم حقوق الانسان.
تستفزهم الطفولة العادية، تستفزهم البسمة والتحية، تستفزهم الشمس عارية غير مسيجة، تستفزهم الحياة الطبيعية لشعب يرسم الحياة خطوة خطوة، ينقلها من قبر الى عرس، ومن جنازة الى احتفال، من سجن مظلم الى فضاء مشع، يمشي بقدم واحدة او بقدمين، بروح واحدة او بسبعة ارواح، لكنه يسير ثم يسير.
الصحفي الاسرائيلي جدعون ليفي، وصف المجتمع الاسرائيلي في محاضرة له امام النادي القومي للاعلام في امريكا يوم 12/4/2015، بأنه مجتمع مريض عقليا، ويعيش عملية غسل دماغ على يد قادته، ومنفصل تماما عن الحقيقة.
واقترح جدعون ليفي إما العلاج او إدخال الى المستشفى، لأن الشعب الذي ينفصل عن الحقيقة والواقع، ربما يكون خطرا على نفسه وعلى المجتمع وعلى الاخرين.
( يوم توف)
يوم جميل...
ازيل عنك قناع الحديد
أداوي روحك المستوحشة
قد تراني حيا،
وليس قتيل