نشر بتاريخ: 07/08/2015 ( آخر تحديث: 07/08/2015 الساعة: 12:35 )
الكاتب: عباس الجمعة
نحن اليوم نعيش في اسوأ مرحلة وخاصة نتيجة نظام المحسوبيات في الفصائل والقوى وأصحاب المراكز السياسية ، حيث يعتقد البعض بأن الامور الرئيسية يجب ان تكون مع المحسوبين عليه فقط ، ومن هنا نرى صفحات التواصل مليئة بالصور واللقاءات لتبدو للشعب أنهم الأكثر وطنية والأقوى انتماءا لفلسطين ، متجاهلين ما يدركه اي مناضل او مواطن بأن كل نشاطاته لم تعد تتناسب ، وهي تزيد من حالة تفكيك أوصال الشعب المنهك جراء ما يتعرض له، بدل التكاتف والتفاعل وتوحيد الاتجاه.
ان اسلوب وسلام البعض المتعالي وهرولة المرافقين وراءه وخلفه ، لا يعلم هذا البعض ان الشعب مل كثيرا منهم، ومن اساليبهم لانهم اساسا أتوا من خارج نطاق النضال وتسلقوا المسؤوليات ، ولكن اقول كل الاحترام والتقدير لمن يعرفون قيمة شعبهم من قادة متواضعين نعتز بهم وبحضورهم .
واليوم اقول اننا في واقع مؤلم ينتظر المجهول ، ومزري بحق، في ظل هذا الوضع المتأزم الذي يعيشه المشهد الفلسطيني ، وتنامي ظاهرة الانتهازية بشكل فظيع حيث أصبحت من أخطر الآفات التي تنخر في أوصال المجتمع وأسسه وفصائله وقواه ، و معولا هداما يعمل على القضاء على ما تبقى من القيم و المبادئ ، و لا نعني بكلامنا هذا أن الشعب الفلسطيني لم يعرف هذه الفئة من الناس إلا في زمننا ، فالانتهازية ليست مفهوما جديدا يستخدمه هؤلاء ، بل كان أسلوبا متبعا منذ القدم ، فهي ظاهرة إنسانية خطيرة تطفح بشكل عنيف في النفوس الشريرة و تظهر على السطح في الظروف العصيبة ، ولها عواقبها وانعكاساتها السيئة على المجتمع كسائر الظواهر والآفات الاجتماعية الأخرى ، لأن الانتهازي يحطم نفسية الناس ويفقدها قدرة التمييز بين الحقيقة والزيف بحيث تضيع المقاييس و المعايير فيتمزق من الداخل و يصبح كالأشلاء بل إن ممارساته الضيقة الأفق تشكل مدخلا يدفع الحزب او التنظيم و بكل ما يملكه من قيم و مثل و إنجازات عظيمة و تاريخ حافل على الصعيد النضالي والوطني إلى هوة تنقية ساحات العمل السياسي من أدران الانتهازيين ، فنحن نتمنى على الجميع العودة إلى التفكير لتفعيل دورهم ، فكفى تعاطي وفق المحسوبيات ، والاستفادة من التجارب السابقة ، مع اقرارنا باستمرار تراكم عوامل الأزمة البنيوية بأبعادها السياسية والاجتماعية ، فيجب علينا مواجهة مفاهيم وأدوات السيطرة والاستبداد والخضوع التي دفعت بدورها الى مزيد من الحرمان ، لانه اصبح الانتماء الجهوي بديلا عن الانتماء الوطني ، في مناخ عام تسوده روح الإحباط والنفاق ، بديلا لروح المقاومة والشجاعة والتغيير ، وهذا كله كان عامل مؤثر على المجتمع الفلسطيني في معظمه .
ولكن رغم كل الظروف نقول ان هناك مناضلين متمسكين بمسيرتهم النضالية من خلال الثبات والتضحية دفاعا عن المشروع الوطني الفلسطيني ، وعن وحدة الأرض والشعب والقضية ، وهذا يستدعي من الجميع أن يقوم عبر العمل السياسي المنظم والجماهيري المتجدد في وسائله وأدواته التنظيمية والفكرية ، لمعالجة المناخ المأزوم في اطار رؤية سياسية ديمقراطية موحدة ، تستجيب لمعطيات العصر، وتشكل أرضية ننطلق منها على طريق الحضارة البشرية المعاصرة ، مشاركين فيها ، لا عبيداً لأدواته ، لأن التنظيم أي بمعنى الاسترشاد بالفكر المنهجي الجدلي، ويلتزم مصلحة الأغلبية التي تناضل من اجل التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، بينما التنظيم الذي يقوم على أساس المحسوبيات الولاءات والانتماءات العشائرية على حساب الانتماءات الوطنية لا يمكن ان ينجح ، حيث تضرب الكثير من القيم الايجابية ، وخاصة في ظل ما يشاع من السلوكيات الكذب والدجل والنفاق من خلال استغلال تعينات فئوية ،وشيوع حالة واسعة من عدم الثقة،وغياب الشفافية والمساءلة والمحاسبة.
نحن أمام ازمة شاملة أخلاقية،وطنية وسياسية،وهذا الأزمة سببت في حدوث انهيار مجتمعي، وهنا السؤال ماذا عملت الأحزاب والتنظيمات ومؤسسات المجتمع المدني من أجل حماية النسيج المجتمعي الفلسطيني من التفكك والإنهيار، فعندما نجد فئة الشباب،وهي الفئة الحية من المجتمع الفلسطيني،تصل نسبة عدم الثقة عندها الى أكثر من 80 %،وكذلك النسبة المرتفعة من الشباب التي تريد ترك البلد والهجرة،وعدم وجود أساس عدل إجتماعي، اضافة الى الكثير من الشيوع للمفاهيم والقيم السلبية،يثبت ان هناك خلل جوهري،بحاجة الى علاج جدي،وهذا الخلل القيادة هي المسؤول المباشر عن ذلك،ولكن البنى السياسية والمجتمعية الأخرى،تتحمل مسؤولية هي الأخرى في هذا الجانب،فنحن على سبيل المثال نشهد في ظل ضعف وتراجع دور الفصائل والقوى والأحزاب ،شيوع تراتبية إجتماعية مقلوبة،أي حلول العشائرية محل القوى الوطنية والقيادة السياسية التي حضنت تلك العشائر،وعملت على تقوية دورها ووجودها في المجتمع، وأصبحت تلعب دوراً بارزاً ورئيسياً في معالجة القضايا والخلافات والمشاكل الاجتماعية،وفق رؤيتها وتصوراتها وبما يخدم اهدافها ومصالحها، وفي أغلب الأحيان الحلول ترقيعية ولا تعالج جذور المشكلة،بل تقوم على "الطبطبة، ولملمة المشكلة، وغالباً تكون المعالجة،حتى لو كانت المشكلة لها ذيول وتداعيات كبيرة، قائمة على النفاق وسياسة التخجيل، ولتنتهي بما يسمى بالكرم والتسامح العربي الأصيل كشعار وعنوان، يخفي تحته كذب ونفاق ودجل،حيث فنجان القهوة رأسمال المشكلة،ونحن لا ننكر أن القيادات العشائرية تلعب دوراً مهماً في محاصرة ولجم تداعيات وتطورات المشاكل الإجتماعية،ولكن بالضرورة أن يكون هناك قانون،يطبق ويلجأ إليه في حل المشاكل الإجتماعية والخلافية بين أفراد المجتمع.
إن وقفة التأمل الايجابي التي نريدها، دعوة إلى التعمق في رؤية ما نحن عليه بصورة نقدية وتشخيص واقعنا بلا أية رتوش أو زيف، بعيداً كل البعد عن الاستخفاف أو المكابرة، نأمل ان لا يدعو إلى السكون، بل ينطلق من نبضات قلب المناضلين وحركتهم الصاعدة في إطار الحراك السياسي الاجتماعي العام، الوطني والديمقراطي على الصعيد الفلسطيني ، والارتباط العضوي الوثيق بالمشروع التقدمي القومي العربي، إذ لم يعد هناك أية إمكانية للحديث عن تطور وتقدم المشروع الوطني الفلسطيني بانفصاله عن الحامل القومي العربي، أقول ذلك، رغم شدة التباعد أو الانفصام الراهن بين الوطني والقومي.
إن تكامل أشكال النضال المختلفة السياسية والاقتصادية والكفاحية والإعلامية والجماهيرية كلها معاول يجب أن تستخدم بطريقة واعية وعلمية واستثمارها بأعلى طاقة ممكنة من الكفاءة ووضوح الرؤية.
ومن موقع ايماننا بالفكر الثوري الديمقراطي لوعي الماضي والحاضر والمستقبل، يجب أن تقوم القوى والاحزاب والفصائل في بلورة الرؤية والتحليل والعلاج، وتنقل الوعي إلى قوة فعل سياسي اجتماعي منظم، رغم قناعتنا باهمية تحقيق نهضة عربية كبيرة تتلاءم مع حجم طاقات الأمة العربية وإمكاناتها وتراثها وحضارتها.
وفي ظل هذه الظروف التي نواجه فيه الهجمة الامبريالية الصهيونية الرجعية التي تحاول زرع الارهاب التكفيري في المنطقة وقتل الشعوب من اجل الوصول الى تفتيت المنطقة ، اتت نتيجة تراكم أزمة حركة التحرر العربية منذ عقود طويلة، وهو تراكم تتجدد فيه عوامل الهبوط السياسي والتشوه المجتمعي والتخلف العام، مع تزايد التبعية بكل أشكالها، ولكن الإشكالية الكبرى ان تضخم هذه الأزمة لم يكن ممكناً لولا ذلك القصور السياسي لأطراف حركة التحرر العربية، وقصور أحزابها وفصائلها عن قيادة عملية التغيير من أجل تجاوز الواقع الراهن.
لذلك ونحن نرى صمود قوى المقاومة في المنطقة في مواجهة الهجمة الاستعمارية الارهابية ، تتطلب من جميع الاحزاب والقوى العربية استنهاض طاقاتها والعمل من اجل اقامة جبهة شعبية عربية مقاومة من أجل التصدي لمسؤولياتها وتوحيد جهودها في هذه الظروف، وفي مقدمة مهامها في هذه المرحلة مواجهة الهجمة المعادية على دول المنطقة ودعم صمود الشعب الفلسطيني ومواجهة عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ونحن امام هذه المخاطر نتطلع الى وحدة القوى اليسارية والقومية العربيه ، لمواجهة الأزمة المستعصية في الواقع العربي والحوار مع القوى الإسلامية المتنورة ، بغض النظر عن الاختلاف على المستوى الإيديولوجي ، لاننا نحن نميز بين التيار الإسلامي المقاوم للمشروع الإمبريالي الصهيوني, وبين التيار الظلامي الاستئصالي التكفيري الذي يرفض الحوار ويعتبر نفسه البديل المطلق لكافة التيارات الأخرى الفاعلة في الواقع العربي.
ان طريق الوحدة الوطنية ضرورة ملحة لمواجهة السرطان الصهيوني، شرط أن تقوم على أساس سياسي واضح، وعلى أساس ديمقراطي، لأن المرحلة السياسية الراهنة ليست ذاتها التي انطلقت منها الثورة الفلسطينية المعاصرة، وبالتالي الشيء الطبيعي أن تختلف وسائل وأشكال النضال، وأولويات النضال وفقاً للظروف المناسبة، وعلى الفصائل والقوى الفلسطينية أن تقرأ اللوحة الدولية بكل تضاريسها كي تعرف أين موقعها في هذا الصراع الدائر على مستوى العالم، وابتداع الأشكال النضالية المناسبة، كما عليها أن تدرك أن هذا التوازن الآن، بل الاختلال بتوازن القوى الدولية ليس إلا مرحلة سياسية قد تقصر أو تطول، ولكن ليس على ارضية تقديم تنازلات مجانية او محاولة الذهاب الى فصل قطاع غزة عن الضفة او القبول بدولة مقطوعة الاوصال او التخلي عن حق العودة والقدس ، إنما عليها أن تؤسس لحركة وعي وطنية جديدة لدى الإنسان الفلسطيني ، مضمونها بعث الهوية الوطنية بصورة جيدة، والعمل نحو الافضل وان تتخطى بعض الأخطاء الكبيرة، فالشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الذي يتعرض فيها لعدوان وحشي بربري استيطاني فاشي يحرق الارض والانسان ، يطالب اولا بالوحدة الوطنيه وانهاء الانقسام حتى تبقى فلسطين هي الهدف، والهدف الراهن والاستراتيجي، فلا نجعل من خلافاتنا وصراعاتنا الداخلية على السلطة والتي هي تحت الاحتلال مجالاً لانتصار الآخر علينا .
وفي هذه اللحظات التي يتعرض له شعبنا الفلسطيني الى سياسة تقليص خدمات الاونروا من اجل الوصول لانهاء خدماتها باعتبارها الشاهد على نكبة فلسطين فأننا نؤكد على اهمية استنهاض طاقات شعبنا لرفض تقليص الخدمات والتمسك بالاونروا ومطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته وتوفير الاموال اللازمة ، والتأكيد على التمسك بحق العودة باعتباره هو حق طبيعي، وقانوني، وجمعي وفردي، ليس لأحد في العالم أن يعبث به، فالمسألة واضحة كالشمس، هناك لاجئون أرغموا على ترك أرضهم وديارهم، لهم الحق في العودة كحق طبيعي، ولهم الحق في العودة وفق القرار الاممي 194، وهو قرار يجيز لهم العودة ، والمنطق الطبيعي أن يعودوا لا أن يحل مكانهم مستوطنون قادمون من آفاق الأرض، وعليه فنحن ننظر إلى حق العودة كأساس وجوهر للقضية الفلسطينية، ولا حل سياسي بدون ربط حق العودة بالأرض والوطن وبمنظمة التحرير الفلسطينية الكيان السياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني.
ختاما : لا بد من القول ان تجسيد الالتزام الذاتي والموضوعي بمبادئ نضالنا الوطني والثوري، بوعي وعبر الممارسة الروح والأخلاق الرفاقية التي تحلى بها كل القادة الثوريين على طريق تحقيق واستعادة الدور الطليعي لفصائل واحزاب حركة التحرر الفلسطينية والعربيه من اجل تحقيق أهدافها في التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، حيث ما زلنا نقرأ نتعلم من سفرٍ الثورة، كيفية العطاء والتواضع ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني وعن الشعوب العربيه وعن كل إنسان حر في العالم.