نشر بتاريخ: 09/08/2015 ( آخر تحديث: 09/08/2015 الساعة: 16:26 )
بقلم: هاني موسى
بات واضحاً في الآونة الأخيرة الانكفاء والتراجع السريع للنظام السوري ميدانياً، ويستدل على ذلك من الوقائع الميدانية، وما اعترف به الرئيس الأسد في خطابه الأخير من تقهقر لقواته نتيجةً للنقص في خزانه البشري. بالمقابل، تتقدم المعارضة السورية بمختلف ألوانها عسكرياً على الأرض، حتى باتت قاب قوسين أو أدنى على مرمى حجر من مسقط رأس النظام. فالمسرح الدموي السوري الذي تتشارك فيه أطراف عديدة إسلامية، علمانية، يسارية، قومية منذ العام 2011 بدأ يرسم ملامح جديدة للأزمة السورية سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي تعكس تقدماً سياسياً ودبلوماسياً لصالح النظام السوري:
على الصعيد المحلي، استطاع النظام أن يحافظ على تماسك مؤسساته سواء ذات الطابع التنفيذي أو التشريعي أو القضائي، رغم حالة الاستنزاف التي يواجهها على مدار أكثر من أربعة أعوام. أما في الجانب الآخر المعارض، فلا تجد مؤسسات تستطيع مخاطبتها والتعامل معها، كما أن المعارضة السورية "الائتلاف الوطني السوري، والحكومة المؤقتة في المنفى" ليس لديها القدرة على ضبط وحداتها وعناصرها وتشكيلاتها، فضلاً عن تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف "داعش" الذي يحكم وفقاً لشريعة الغاب في المناطق التي يسيطر عليها. وفي سياق متصل، تمّكن النظام السوري أيضاً ولو بشكل نظري من استيعاب مختلف طوائف وأقليات المجتمع السوري، التي أصبح لديها عدم ثقة بقدرة المعارضة على حمايتها وتأمين مصالحها.
أما فيما يخص الوضع الإقليمي، فالمشهد بدأ يتغير، وخاصةً بعد بروز وتنامي ظاهرة داعش التي تتخطى الحدود السورية لتشكل تهديداً حقيقياً ليس على سوريا فقط، وإنما على دول المنطقة برمتها بما فيها الدول التي قدّمت لها التسهيلات والدعم. فالتغير أصبح يترجم في اتصالات ولقاءات وتعاون مع النظام السوري في سبيل احتواء التهديدات التي بات يخلقها المستنقع الدموي السوري. فتونس بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت فيها اتخذت قراراً بإعادة فتح سفارتها في دمشق، وهو ما يعني عودة العلاقات تدريجياً إلى سابق عهدها. أما سلطنة عُمان فهي أيضاُ تسير على نفس الطريق، خاصةً بعد استضافة وزير الخارجية السوري وليد المعلم قبل أيام، وهو ما يعكس تغيراً في الموقف الخليجي الذي كان متشدداً حيال ما يقوم به النظام السوري. إضافةً إلى التغير في الموقف السعودي الذي بدأ بفتح قنوات اتصال مع الدولة السورية، وتحديداً بعد وفاة الملك عبد الله ورحيل وزير الخارجية سعود الفيصل، وما تعرضت له المملكة العربية السعودية من هجمات إرهابية مؤخراً. فقد أصبح من الصعوبة بمكان على الدول الآنفة الذكر مكافحة ظاهرة التطرف في ظل استمرار حالة العداء للنظام السوري، فلا يمكن للدول التي امتد إليها خطر داعش أن تتخلص من هذا الوباء في مجتمعاتها دون القضاء عليه في عقر داره. ومن جانب آخر، إن النجاح الذي حققته الدبلوماسية الإيرانية في المفاوضات النووية مع الغرب سيعزز من مكانة الحليف السوري من جهة، ومن اللجوء إلى الحل السياسي لإنهاء الأزمة من جهة أخرى.
أما فيما يتعلق بالشأن الدولي، بدأ الموقف الدولي مؤخراً الرافض لنظام الأسد بالتصدع والانفلاش. حيث فقد المجتمع الدولي الثقة بقدرة المعارضة السورية على سد حالة الفراغ التي تنجم عن تراجع النظام السوري، فضلاً عن انعدام الثقة أيضاً بقدرة هذه المعارضة على مواجهة التنظيمات والجماعات المتطرفة مثل داعش وأخواتها. فالدول الغربية بدأت تدرك أن الحفاظ على مصالحها الحيوية في المنطقة تقتضي الابقاء على النظام السوري والتعايش معه لأن البديل هو الفوضى والتطرف.
وعليه، إن الماكنة الدبلوماسية للنظام السوري نجحت إلى حد كبير في تسويق خطابها بما يدعم مكانة الدولة السورية سياسياً على الأصعدة الثلاث المحلية والإقليمية والدولية. وبما يضيق الخّناق سياسياً على المعارضة.