نشر بتاريخ: 13/08/2015 ( آخر تحديث: 13/08/2015 الساعة: 10:52 )
الكاتب: د. سهير قاسم
بعيدًا عن التعميم وإطلاق الأحكام، لكنها الرغبة في بث قضية تسبب الأرق، كيف لا وقد باتت تؤثر في اتخاذ قرارات مصيرية في مجالات عديدة. لا أعرف حجم انتشارها عالميا لكنها تزدهر في مجتمعنا على وجه الخصوص، فتشت لها عن عنوان، فلم أجد، وضاعت الكلمات ما بين، أزمة نفاق، مجاملات تطفح عن الحد المطلوب... وقد ضقنا ذرعا بها، فكيف السبيل إلى الحد منها إن لم يكن لصالح واقعنا الحالي، فليكن لصالح أجيالنا اللاحقة ومن أجل لإعادة نسيج البناء مع الذات أولا قبل لحمة النسيج الاجتماعي.
والتأسيس ووضع الأمور في نصابها حاجة، والفرق كبير بين المجاملة الاعتيادية والتواصل وبين المجاملة التي تصل حدّ النفاق على حساب القيم والثقافة والفكر والبت في الأمور والسياسات... والتساؤلات المهمة أمامنا في هذا المجال، هل يفضي ذلك النفاق إلى تنشئة سليمة تنهض بالمجتمع الذي نريد؟وإلى أي حد قد يبعدنا النفاق عن الحكمة والتروّي في اتخاذ قرارات مصيرية ذات علاقة بمصالح مجتمعية عامة؟ كم من السنوات نحتاج من أجل عمليات الترميم للقيم والاتجاهات، التي هي على سلم أولويات المجتمعات الراغبة في التّحضر والرّقي؟
ولانتشار ثقافة النفاق تبعات سلبية تأخذ مساحة من توظيف العقول، وشيئا فشيئا تصبح جزءا من الإرث الحضاري،والأخطر ليست مسايرة المجاملين والمنافقين، بل عدم القدرة على قياس الأمور ووضعها في نصابها، فكيف إن كان النفاق في مجالاتالعلم والتنشئة والتعليم وحدث ولا حرج، أو علىحساب الفكر والتفكير، وكيف نكون قدوة صالحة لأجيالنا في ظل عدم ارتباط النظرية بالتطبيق الفعليّ في واقعنا المُعاش!
بعيدًا عن التفصيل والتأطير، وبين الفترة والأخرى، ودون تريث نسهب ونطنب في المجاملات الرنانة فكلمات النفاق كثيرة للاستقبال، ونفكر بالمصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة. وتتضح الأمور بإمعان النظر أثناء التواصل الاجتماعي لتظهر الفروقات، حينئذ تنتابني مشاعر مغمورة بالحزن والشفقة على هؤلاء المتواصلين الطموحين، ويكتمل المشهد ليكون هزليا في ظل حملات تضليل بعيدة عن النصح والإرشاد بل تصل لدرجة التضليل لأن الحقيقة تجلي التدليس ويتلاشى كل المغرضون ويموت النفاق.
والسؤال الذي علينا الاهتمام ودراسته ويقصر مجال بحثه في هذه السطور، لماذا يرتفع سقف المجاملة يوما بعد يوم حتى وصلت مرحلة النفاق الاجتماعي والرغبة في تقديم الكلمات الرنانة، فيغيب الصدق والفكر حتى عن مجرد الحضور الذهني ويحل مكانه الكذب والتضليل. ... ربمايكون الدافع الظلم أم الاحتقان ... وقد تكون المصلحة الشخصية والذاتية والأنانية المطلقة، أو المتاجرة بالمصلحة العامة على المصلحة الخاصة، أو أن النفاق أصبح أمرا طبيعيا ومقبولا يصعب التواصل دونه، وهنا تكمن الكارثة.
وقد تعود الأسباب إلى العوامل الاجتماعية كالفقر نظرا للفروقات التي أصبحت ملحوظة في مجتمعنا في ظل انحصار الطبقة الوسطى واندثارها، وازدياد الفجوة بين الطبقة الفقيرة والطبقة البرجوازية التي باتت تظهر بوضوح في مجتمعنا الفلسطيني. ربما يؤدي ذلك إلى توسع طبقة الفقراء التي تصبح لقمة سائغة في فم الطبقة البرجوازية التي لا حاجة لها لفرض أفكارها ونشرها في ظل استسلام الفقراء بفكرهم وعقولهم. الغريب أن تكبر القضية إلى هذا الحد ليصبح الفقر سببا في التغيير السلبي الذي نحتاج إلى فترات طويلة لمحاربته ثم يصبحالخروج من الذاتية صعبا بل وشبه مستحيل.
لا أود تحميل الموضوع أكثر مما يحتمل، لكنها الحاجة إلى البحث عن الأفكار البناءة بعيدًا عن شخصنة الفكرة ومحاربته لمجرد محاربة أصحابها؟ هذه الأفكار التي علينا المحافظة عليها لتدوم بعيدا عن الرغبة في إحداث التغيير لمجرد التغيير. وبعيدا عن عقدة المسؤول أو المقربين أو المتملقين أتمنى أن تكون المبالغة قد رانت على كلماتي أو أن وصفي للظاهرة قد زاد عن الحد، ولكن إن في ظل وجود النقيض، فهل من إجراءات فعالة للتخفيف أو حتى الحد من مثل هذه المجاملات التي وصلت مرحلة النفاق الاجتماعي؟!
تراب اجتمعنا عليه فكان الوطن والهوية، دولة في طور البناء، ألا تستحق الجدية وعدم التمترس خلف الشكليات والوزارات ... وننسى المضامين لُب العمل وأساسه، ألا يستحق ذلك تأجيل المصالح الخاصة قليلا؟ ماذا يعني لنا المسؤول إلا حامل أمانة ومسؤولية كبيرة؟ أم نغرقهم بكلماتنا الرنانة حتى يصبح لا حول لهم ولا قوة ثم لا يميزون بين الغث والسمين! أضف أولئك الذين لا يعرفون أصلا همّ المسؤولية معتقدين أنها مجرد تشريف وكماليات ... فهل أولئك الذين يتهربونمن حملها مقصرون، أم أنها الرغبة في الابتعاد عن الظلم؟ لن أسوق شواهد من التاريخ لكنه الخوف من حمل مسؤولياتها حرصا على العدالة، أُكره عديدون منهم على حملها، فأين نحن من هذه القيمة؟!