الكاتب: عيسى قراقع
لقد تجاوز الحد المتوقع طبيا في اضرابه المفتوح عن الطعام منذ 16/6/2015 احتجاجا على اعتقاله الاداري التعسفي، وتجاوز خطوط الموت بارادة خارج حسابات السجانين وحكومتهم العنصرية التي اطلقت كل اسباب الموت على الاسرى في السجون.
الاسير محمد علان، تجددت روحه اكثر من مرة، وخرج جسده عن جسده الممزق ، الى التكامل في الوقوف وجها لوجه امام اللحظة الحاسمة، فإما ان ينتصر على القهر الاحتلالي، وإما ان ينتصر على الموت، ويصعد الى فضاء الحياة.
لا تصدقوا انه لا يسمع، ولا تصدقوا انه لا يرى ، هو يسمع دبيب الوجع في دمه ومفاصله، وصوت الناس على ابواب مستشفى برزلاي الاسرائيلي، وهو يسمع صوت امه وابيه، وقرع الايادي على جداران الزنازين، صوت آذان واجراس ،هدير بحر، انتفاضة امعاء الارض، صوت ماء التراب، ونداء اشجار على الرياح في الصيف القائظ، ويسمع ويسمع كيف ينفجر الصمت.
محمد علان يرى دولة احتلال تحولت الى ورشة نشطة في تشريع قوانين الموت والذل ضد الاسرى، يرى بربيج التغذية القسرية يتدلى من انفه الى معدته، يقف فوق رأسه سجان مقنع، على يده دم طازج من دماء الشهداء علي الجعفري وراسم حلاوة واسحق مراغة، ويرى اسرى في قاعات الموت يسحقون ويقتلون في ظلام سجن نفحة، عندما تمردت ارواح الاسرى على تلك القبور.
يرى دولة في معسكر، خالية من الوجود الانساني ومن الصور، لا يسمع فيها سوى فحيح الافاعي وعواء الذئاب، وخواطر اسرى تأخروا عن الموت قليلا، او اسرعوا الحياة بلا ساعة ولادة.
محمد علان، يرى ويسمع، يرى حريته رهن الدقيقة الاخيرة في تلك المسافة الطويلة من القدس الى حيفا ، ورهن ابتسامته الهادئة، وهو يتحدى هذه الحرب التي تستهدف المعنى واللغة والهوية والفكرة والحياة القادمة.
محمد علان وضع العالم كله امام سريره في المشفى، استدعاهم الى موته او حياته، دعاهم الى تشييعه الى الموت او الى الحياة، ودعاهم ان يشاركوه الألم او الفرح ، دعاهم ان يفكوا قيد يده المربوطة بالسرير، او ينسحبوا من المسؤولية الاخلاقية والقانونية و يكتفوا بالذهول.
محمد علان فتح الآن كل النصوص والمباديء والقرارات والاخلاق الاممية، الانسانية والطبية والقانونية، وبدأ يقرأ الاعلانات، البيانات الصادرة عن المنظمات الانسانية، العطف المتدفق من الناس القادمين من كل جهات الكون، يقرأ متدليا من على حبل المشنقة، يقرأ وهو في غرفة اعدام انشأتها دولة الاحتلال، يقرأ وهو يلفظ الانفاس الاخيرة، وفي السطر الاخير، يرسل عزاءه الى الأمم المتحدة، ومجلس الامن الدولي، والى عالم الديمقراطية وحقوق الانسان، يتأسف لانه لم يستطع ان ينقذهم من هذا الاحتلال.
محمد علان الطليق الطليق، الحاضر في كل درس ونشيد وبيت واغنية، ينتشر خارج ذاته وفرديته، يضعنا جميعا امام سؤال المصير، فإما ان نكون في كيس اسود جثثا محروقين، وإما ان نكون احرارا شامخين، نحشد ونحتشد، نوحد ونتوحد، ننهض من خنوع الصامتين المغلوبين ، الى فدائية المسيح، نتمسك بالبشرى واليقين.
اليوم التاسع والخمسين، الساعة الواحدة ظهرا، يجف جسمه، يتبخر الماء، الشمس عمودية فوق رأسه.
اليوم الستين، الساعة الثالثة فجرا، يتحلق الجلادون حول اوردته، يطفئون بصره، ينام طويلا، ولا ينام الجلادون.
اليوم الواحد والستين، الساعة الحادية عشرة ظهرا، تجتمع الحكومة الاسرائيلية، يناقشون اقصر الطرق لتوجيه الضربة الحاسمة، استنفار اجهزة الامن الاسرائيلية، استنفار في القيامة والآخرة.
اليوم الثاني والستين، الساعة الخامسة عصرا، دعوة لاجتماع مجلس حقوق الانسان في جنيف، لم يأت أحد، كلهم في إجازة او معتقلين.
اليوم الثالث و الستين، الساعة الثامنة صباحا، محمد علان في ثوب عرس ابيض، فراشات ملونة تطير حوله، يدخل بيته في نابلس، يحتضن امه طويلا طويلا، ينظر خلفه، تتراجع سحب الظلام.
محمد علان الاسير المريض، يستفزنا، يستفزهم
وكل الكلام الآن كلام بلا غبار على حجر
وكل الكلام الآن كلام بلا نار لها عينان وبرق وقمر
وكل الكلام الآن كلام بلا قرار وغضب كي يستجيب القدر