نشر بتاريخ: 15/08/2015 ( آخر تحديث: 16/08/2015 الساعة: 00:45 )
بقلم: هاني موسى
مدرس في دائرة العلوم السياسية/ جامعة بيرزيت
لم يعد خافياً على أحد اهتمام القيادة الفلسطينية مؤخراً بتحسين العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويستدل على ذلك من الزيارة الأخيرة لعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الدكتور أحمد مجدلاني إلى طهران، وما رشح عن مصادر متعددة من ترتيبات لزيارة قريبة للرئيس محمود عباس إلى العاصمة الإيرانية. علماً أن العلاقات بين الجانبين الفلسطيني - الإيراني شهدت فتوراً خلال الأعوام العشرة الماضية نتيجةً لحالة الاستقطاب التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط بين قوى الممانعة "التي تضم كل من إيران وسوريا ولبنان المتمثل في حزب الله وفلسطين ممثلةً في حماس والجهاد الإسلامي"، وقوى الاعتدال "التي تضم كل من الدول الخليجية ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية المحسوبة عليها". لكن ومنذ وقوع أحداث ما يسمى بالربيع العربي حدث تغيّر على الخارطة السياسية الفلسطينية بِتَقارب السلطة الفلسطينية من محور الممانعة (سوريا وإيران) وبِتَباعد حركة حماس عن هذا المحور. وهناك ثلاثة أسباب تقف خلف هذا التقارب بين الطرفين:
أولاً، إدراك السلطة الفلسطينية للدور الإيراني المتعاظم. فقد أصبح من الصعوبة بمكان تجاهل هذا الدور لا سيما بعد الاتفاق الأخير الذي وُقّع بين إيران والغرب وما تلى ذلك من تحسن في العلاقات بين الجانبين، فإيران اليوم واحدة من أكبر الدول الإسلامية نفوذاً وتأثيراً ليس فقط على الصعيد الإقليمي وإنما على الصعيد الدولي أيضاً. فالتقارب بين الجانبين الفلسطيني والإيراني من شأنه أن يشكل تحريك للعملية السياسية المتجمدة خاصةً إذا ترافق ذلك مع ضغط إيراني على أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بهذا الخصوص، إضافةً إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه إيران في المحافل الإقليمية الدولية.
ثانياً، التقاطع في الملف السوري. رغم تبني السلطة الفلسطينية سياسة "النأي بالنفس" بخصوص ما يجري في سوريا من اقتتال دموي منذ العام 2011، إلا إن ذلك لم يحل دون تعرض اللاجئين الفلسطينيين لعواقب وخيمة تسببت في قتل وتهجير أعداد كبيرة منهم فاقت قدرة التحمل الفلسطينية. لذلك، وفي سبيل حماية ما تبقى من الفلسطينيين في سوريا وما تبقى من ممتلكات سارعت السلطة الفلسطينية منذ عامين للتوسط بين المعارضة والنظام لحل الأزمة وإنقاذ اللاجئين الفلسطينيين، وإنقاذ ما تبقى من سوريا. لكن نتيجة حالة الاصطفاف الإقليمي والدولي في محاور متنافسة لا بل متصارعة لم تلقَ المبادرة الفلسطينية طريقها إلى النجاح. أما اليوم ومع بروز المبادرة الإيرانية التي تتقاطع إلى حد كبير والمبادرة الفلسطينية فيما يخص كيفية إنهاء الأزمة السورية، ومع بدء التغيّر في حالة الاصطفاف الإقليمي والدولي فإن هذا يشكل حافزاً للفلسطينيين والإيرانيين على حد سواء لإعادة النظر في علاقاتهم بما يخدم توجهات ومصالح كل منهما.
ثالثاً: ملء الفراغ الناجم عن تباعد حركة حماس وتضييق الخناق عليها، وتحريك ملفات فلسطينية عالقة، ويأتي في مقدمتها ملف المصالحة المتعثر. فالسلطة الفلسطينية تدرك حجم التأثير الإيراني على حركة حماس رغم تراجع العلاقة بينهما جراء الموقف من سوريا، إلا أن إيران ما زالت تُشكل ورقة ضغط جيدة لإجبار حماس على تقديم تنازلات تؤدي إلى حلحلة ملفات عديدة عالقة وعلى رأسها ملف الحكومة والانتخابات والمعابر. ومن جانب آخر، إن الانفتاح على إيران من شأنه أن يُحسن الوضع المالي والاقتصادي للسلطة الفلسطينية، حيث تعتبر إيران من الدول الصاعدة اقتصادياً، فضلاً عن كونها دولة نفطية.
وعليه، إن إيران اليوم ليست إيران الأمس، وإن الظروف الإقليمية والدولية اليوم تختلف عن ظروف الأمس. فالعلاقات الدولية تتميز بعدم وجود عداوة دائمة أو صداقة دائمة بل تتميز بوجود مصالح دائمة.