نشر بتاريخ: 16/08/2015 ( آخر تحديث: 16/08/2015 الساعة: 10:32 )
الكاتب: رامي مهداوي
خلال الأعوام الثلاث الماضية، أصيب الشارع الفلسطيني بحمّى إصدار الكتب، وكأنه نوع من "البرستيج" في عالم "المثقفين" ليتم ولادة شعراء بعيدين كل البعد عن الشعر!! روائي بعيد كل البعد عن مفهوم الرواية الحديثة أو الكلاسيكية!! وبصراحة عند سؤالي ما هو رأيك بكتاب فلان؟! هل قرأت قصائد فلانة؟! أجيب دون خجل أنا مع كل المنتجات الثقافية لأنها ثقافة بحد ذاتها يجب أن نطورها ولكل مجتهد نصيب. قبل إسبوعين وُلِدَ كُتيبْ يشبه كاتبه شكلاً ومضموناً، كنت أخشى على صديقي المبدع المتمرد من اصابته بحمّى "إصدار الكتب" لأنه بعيد كل البعد عن هذه الشريحة التي تهتم بالشكل لأن المضمون معدوم.
يتحدث لنا سائد كرزون عن ذاته تحت عنوان "30 رقماً سرّيّا"، بأسلوب قصصي سردي تعليمي، بسيط وعميق، سهل وصعب، وأهم ميزة للكاتب جراءته للأسباب التالية: من يعرف الكاتب سيكتشف منذ الحظة الأولى للقراءة بأن بطل الرواية "فرحان" هو الكاتب، الكاتب يجرد _أو بالأصح يعري_ ذاته من خلال تحدثه عن خصوصياته التي تحتوي على قضايا تعتبر حساسة مجتمعياً لكنه يتناولها بكل جرأة وصدق، جرأته في اعترافه بالفقرة الثانية من المقدمة "فأنا لست روائيا..." والفقرة الثالثة من المقدمة" إذن أنا أكتب لنفسي أولا، ولكل شخص يبحث عن أسرار النجاح...".
لهذا نجد سائد/فرحان تحدث بكل بساطة عن أماكن ضعفه أو من أضعفوه ليجد بالتالي أماكن قوته، تحدث عن أول الحب وكيف أهداه هذا الحب موسيقى بما تحمله الكلمة من آلة ورومانسية وخيال بالتالي واقع جديد مكنه من أن يعزف الموسيقى الآن مع صديقته الكونية، تحدث عن معارك الطفولة الخاسرة والبكاء بصمت، كشف سائد عن هويته وأسقط جميع الأقنعة التي يضعها أغلب الكتاب_ وخصوصاً كتاب السيرة الذاتية_ ومن يعرف الكاتب يعلم جيداً بأن سائد بشخصية فرحان صادقة لدرجة التطابق. اعترف لنا عن خطاياه، تحدث لنا عن واقع اجتماعي مادي_عايشه أغلبيتنا_ لا يعلمه سوى من كان طالب في الجامعة ولا يملك ثمن أجرة التاكسي للوصول الى الجامعة أو ثمن كتاب!!
في هذا الكتيّب، نجد الكاتب دمج ما بين اليوميات والمذكرات والسيرة الذاتية، كأنه جمّع كل ذلك ووضعه في خلاّط كهربائي، وكان المنتج شراب معتّق منذ 30 عام، قدمه لنا نحن القرّاء بطريقة بعيدة كل البعد عن أصول الرواية، لهذا نجد فرحان يتحرك في فضاء السرديات، دون الاهتمام بمفهوم الرواية وأدواتها وأشكالها ومتطلباتهما. هاجسه في ذلك تقديم ما تعلمه بشكل سلس وبسيط للأجيال الشابة التي ستبدأ أو بدأت طريقها، وهنا سيستشعر القارئ في بعض المحطات فقدان العامل الزمني بشكل متسلسل لحياة فرحان/سائد مما يجعل الامتداد الزمني هو عبارة عن الدروس والعبر أكثر من التسلسل الرقمي للمفهوم الزمني.
أخذنا الكاتب في بعض القصص لعالم الخيال مثل بحيرة الروح، التاجر وورقة الشجرة الذهبية، الصخرة الكونية؛ وهنا استخدم الكاتب الاستعارات والتشبيهات دون عملية إغلاق للنص ليختار القارئ أي درس تعلمه من الخيال لمواجهة الواقع، لهذا يسبح فرحان/سائد في مجرة الحكماء وسر الذات ليقدم لنا نصوص مختارة محفزة لنا في مواجهة العالم الحقيقي، ما قام به الكاتب من عملية نسج الحكم بعضها البعض يثبت لنا بأن النظريات التي نشأ عليها الكاتب منذ الطفولة كانت أيضاً محفز له في بناء الذات، بمعنى قدم لنا في البداية حياته الشخصية وكيف تمرد هو عليها، وبالنهاية عزز هذا التمرد بنظريات يؤمن بها الكاتب من هؤلاء الحكماء، وهذه صرخة غير مباشرة للكاتب بأهمية القراءة لكل متمرد، أو أن القراءة هي من تخلق المتمرد!!
ما يقارب 20 قصة في رواية، دروس مكثفة لكيفية تعاملنا مع محيطنا؛ محيط بكل ما فيه يعتبر من المثبطات لحياة عادية فقط عادية كأي إنسان في أي بلد، تلك المثبطات التي اصطدم بها سائد/فرحان جعلت منه من هو الآن، دروس وعبر من العائلة.. الشارع.. المدرسة.. العمل.. حتى الدراجة التي قادها بطفولته تقوده في حياته الحالية ليحقق العديد من الإنجازات على الصعيد المجتمعي. فرحان/سائد أصبح يتمرد على الخوف بمواجهته، يتمرد على الفشل بالنجاح، يتمرد على الفقر بالعمل، ما قام به سائد هو تفعيل الذاكرة الخاصة ليشحن الجيل الشاب بطاقة استنهاض حرّة .. متمردة.. لتكسير النصوص الجامدة وتفكيكها لفعل الفعل وليس لعن الظلام.