الكاتب: المتوكل طه
طَابَ الغِناءُ وفاضَ كأسُ السّاقي
وتَرٌ يُرَنِّقُ بالهوى ترياقي
ما أجملَ القمرَ الصغيرَ إذا اعتلى
سطحَ البيوتِ وذابَ في الأوراقِ
مَلَكٌ وَقَبَّلَ وجْنَتيْهِ فَصارتا
غمّازتينِ لذابحٍ حَرّاقِ
ويكون قد خلعَ الفؤادَ ورَدّني
لعميقِ جرحي أو دموعِ رِواقي
ومع الهزيعِ وقد توهّجَ عُودُهُ
رَسْمُ الرَّواحلِ قد أَتَمَّ طِباقي
هذا الشجيُّ إذا تَرَنَّمَ في الدُّجى
ثابَ الجُنونُ بِلوْعَةِ المُشْتاقِ
كم من شموعٍ في اليدين عجنْتُها
إنْ كانَ للشمعِ الشَّهيِّ بَواقي
كم من سفَرْجَلةٍ خمَشْتُ بلهفةٍ
فتجيءُ كلُّ غلالةٍ بِمذاقِ
ألْحَفْتُ في طَلَبِ الحِسانِ فَلَمْ يكنْ
إلّا الصّدى من نَدْهَةِ الصَفّاقِ
وأنا المُضَيَّعُ في العيونِ ولم أزلْ
في نَوْمَةِ الأهدابِ والأحداقِ
***
قد جئتُ يا بغدادُ أحمل نازفي
من قُبَّتي ومآذني وبُراقي
فيصدّني هَرَجُ المذابحِ حيثما
تمتدُّ خارطةُ الدَمِ الدَفّاقِ
لكنَّ عشقَ الرّافدين مُقَدَّرٌ
كولادتي ومحبّتي وفراقي
فَعَلى شناشيلِ المُوَّلّهِ لم يغبْ
قمري المُكَحّلُ والمدى أشواقي
ريمُ الرّصافةِ يومَ عذَّبهُ الهوى
قد كان يومَ تناغمٍ وتَلاقِ
فَرَمى كنانةَ جفْنهِ في خاطري
والشّهدُ يقْطرُ من فَمِ الدُّرّاقِ
ويكون في سوقِ السَّراي قد اشترى
سِحْرَ الطّيوبِ لنابضي الخَفَّاقِ
بغدادُ ، قد ضاقَ الفضاءُ فلم أجدْ
إلّا بساتين الندى الرَقَراقِ
لتعودَ أشجارُ السماءِ كأنّها
رُفِعَتْ على الهاماتِ والأعناقِ
شُبّاكُ نخلكِ مُشْرعٌ .. فلتخرجي
شمساً تُضوّعُ واحةَ الأعذاقِ
***
تهوي بدجلةَ نجمةٌ كوفيةٌ
فتضيء ماءَ البصرةِ المهراقِ
ومن الزبيرِ إلى الوليدِ أضمّها
وأحطُّ في أرْبيلِها أوساقي
وتكونُ أشْرعةُ الضفافِ وخفقةٌ
في الليل أغنيةَ الهوى التوّاقِ
ألقيتُ ثوبي حولَ بابلَ فارتوى
نخلُ الحدائقِ من سّنا إشْراقي
وبعثتُ للمنصورِ صورةَ بيتِهِ
فمشى إلى الزوْراءِ بالآفاقِ
وَأتاحَ للدّنيا البقاءَ ولم تزل
بغدادُ رُسْتاقاً إلى رُسْتاقِ
ذوَّبْتُ لحنَ حِجازِهِ في نينوى
فمضتْ له الورْقاءُ بالإطْلاقِ
بغدادُ ، عُودي للرَّشيدِ وحكْمَةٍ
بلغتْ سحابةَ غَيْثهِ الرنَّاقِ ..
إنْ جاءَكِ السِّبْطُ الذبيحُ فقد رأى
في الأعظميّة ثُلةَ العشّاقِ
يتبادلونَ لُقى المحبةِ كلّما
حَطَّ اليَمامُ على فروعِ السّاقِ
وشرائعي في الصخرِ ينبعُ ضوؤها
ومراقدي نُوري بِبابِ الطّاقِ
وبكربلاءَ بكى الزمانُ.. وهل لهُ
إلّا دموع تُرابِهِ الوَرّاقِ
كم مرّة سيكون قَطْع وَتينِهِ
ويظلّ من عَطَشٍ إلى إحراقِ
ومتى سيسمعني الخليفةُ ، عندما
نادتْهُ أُمّي كي يحلَّ وثاقي !
أرضُ السوادِ على بَياتِ شجونِها
باتتْ موزّعةً على السُّرّاقِ ..
هل أنت أُورُ وعشبةٌ لخلودِنا
والسّعْدُ فوق صهيلِهِ السَبّاقِ ؟
أم مَزَّقَتْكِ يدُ الطوائفِ فارتمَتْ
دارُ السلامِ تُباعُ في الأسواقِ
بغدادُ ، تخنقني الدماءُ وفِتْنَةٌ
عمياءُ بين مخالبِ الأعْراقِ
وأرى العراقَ وقد تقطَّعَ قلبُهُ
سيضيعُ بين تزاوجٍ وطَلاقِ
لم يغلقوا بابَ العزاءِ وكلّما
هطَلتْ دموعٌ أُلْحِقَتْ بِمآقِ
وصرختُ في ليلِ الجحيمِ فلم يصلْ
صوتي .. ومزَّقَ صيْحَةَ الأشْداقِ
فمتى تعودُ إلى المحارِمِ عصمةٌ
وإلى المصاحِفِ حُرْمةُ الأخلاقِ
هل سُنّةٌ أم شيعَةٌ ما نَدّعي
ودَمُ الضجيجِ يَئزُّ في الأبواقِ
يتقاتلُ النهران في وحْلِ الوغى
ورماحُ هولاكو يَدُ الطُّرّاقِ
وشقائقُ الطَّفِّ الحرامِ فواحمٌ
والنارُ تأكلُ بُردَةَ السُمّاقِ
عشتارُ في عُريِ النّخاسةِ لحْمُها
وزهورُها لليلِ والفُسّاقِ
هذا العراقُ أم الكوابيسُ التي
هَبَّت على فَزَعٍ بلا إشْفاقِ
هي جولةٌ للقاتلينَ وكلُّهم
حاوٍ وينفثُ في خيوطِ الرّاقي
هي ورْشةُ الشيطانِ في أرواحنا
فمتى ستبدأُ ساعةُ الإعْتاقِ
يا أمّنا الزّهراء كيف خلاصُنا
وعراقُنا طَبَقٌ من الأطْباقِ
أبكي مَقامَكِ يا حزينةُ .. فاجعلي
طوْقَ الحمامةِ خارجَ الأطواقِ
هل فَرَّقَ الموتُ الوجوهَ وهل أتى
إلّا ليحرقَ وردةَ الأعماقِ ؟
بغدادُ ، عادَ لكِ الرّشيدُ فَرَدّدي ؛
ألأرضُ أرضي والعراقُ عراقي ..