الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

السلطــة والثــورة طريقــاً للثـــروة

نشر بتاريخ: 18/08/2015 ( آخر تحديث: 18/08/2015 الساعة: 10:26 )

الكاتب: د. وليد القططي

في إحدى المسلسلات التلفزيونية المصرية القديمة بعنوان ( الكهف والوهم والحب ) الذي عُرض في الثمانينات في القرن الماضي , يجسّد فيه بطل المسلسل ( إحسان بك أبو المعاطي ) شخصية الانتهازي الفاسد الذي يعرف ( من أين تؤكل الكتف ) , ويعرف أيضاً أن السياسة والانتماء للحزب الحاكم هما طريق الثروة , ولا ضير إن بدّل قناعاته السياسية وانتماءاته الحزبية عدة مرات , فقد كان ملكياً زمن الملكية وجمهورياً زمن الجمهورية , فهو بارع في القفز من السفينة الغارقة , وأكثر براعة في ركوب السفينة الناجية , وساعدته براعته هذه إضافة لما اوتي من فنون النفاق ومهارات التسلّق والإرتزاق في أن يصبح قيادياً في الاتحاد الاشتراكي – حزب السلطة الحاكم – ورئيساً لمجلس إدارة إحدى الشركات الحكومية الصناعية , فأصبح من خلال هذين المنصبين في الاتحاد والشركة من أغنياء البلد بل من أكابر الأغنياء وكيف لا يصبح منهم وهو الذي استثمر كل دقيقة من وقته في استغلال نفوذه لجمع الثروة , ولم يترك أي وسيلة من وسائل الفساد كالرشاوى والاختلاسات والعمولات إلاّ ومارسها ليزيد ثروته ويكدّس ماله .

وفي الحقيقة إن شخصية إحسان بك أبو المعاطي في هذا المسلسل هي مثالاً لشخصيات كثيرة من القادة والمسئولين في دول ومجتمعات العالم المتخلف لا سيما في الوطن العربي الذي تحكم معظمه أنظمة سياسية مستبدة وفاسدة , وربما كانت مثل هذه الشخصيات هي الأكثر تكراراً وشيوعاً في هذه الدول والمجتمعات , التي تُعتبر فيها ممارسة السياسة والحصول على منصب سياسي في السلطة الحاكمة أو المعارضة أقصر الطرق لجمع الثروة والغنى السريع . والعلاقة بين السلطة والثروة هنا يختلف عنه في دول أخرى متقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً حيث العكس هو الصحيح فالثروة هناك تُعتبر طريقاً للسلطة السياسية , فيكون الشخص غنياً ثم يسعى للحصول على المنصب السياسي وصولاً إلى الرئاسة نفسها .

واستغلال الوظيفة السياسية لا سيما العُليا منها التي لها علاقة بممارسة السلطة لتحقيق المصالح الخاصة والمنافع الشخصية يُمارس بسهولة في المجتمعات التي تحكمها أنظمة سياسية مستبدة , وذلك لسهولة استخدام النفوذ الشخصي فيها , ولغياب الرقابة الشعبية والمحاسبة المالية والمتابعة الإدارية والملاحقة القانونية , ولانعدام الشفافية والعدالة في توزيع الفرص , وعدم اعتماد معايير الكفاءة المهنية , وعدم تداول السلطة والوظائف المهمة فيها , وانتشار الرشوة والمحسوبية والمحاباة والواسطة , واستئثار الحزب الحاكم بخيرات البلد , واحتكاره للوظائف المهمة لأعضائه وأبنائهم .

وهذه العلاقة المشّوهة بين السلطة والثروة لا تقتصر فقط على البلدان التي تحكمها أنظمة سياسية ضليعة في الاستبداد والفساد ورثتهما كابراً عن كابر , بل تمتد أيضاً إلى أنظمة سياسية لها ماضٍ ثوري , وصلت للحكم بعد سنوات طويلة من الكفاح والنضال ضد الاستعمار وعملائه , وحملت هموم الفقراء , ودافعت عن حقوق البؤساء , فاتخذ قادتها وكوادرها ومسئوليها السلطة السياسية طريقاً للغنى السريع بعد أن اتخذوا الثورة طريقاً للسلطة للتربع على كرسي الحكم , بل أن هذه العلاقة المشّوهة بين السلطة والثروة امتدت إلى ثورات لم تحقق أهدافها بعد وتعتبر نفسها في مرحلة تحرر وطني كالثورة الفلسطينية , التي ابتكر بعض فصائلها خليط عجيب من السلطة والثورة ضاعت فيه ملامح كلاً من السلطة والثورة معاً , وما يجمعهما معاً هو أن السلطة والثورة أصبحتا طريقاً لجمع الثروة والغنى , فليس من الغريب بعد ذلك أن يصبح كثير من القادة والمسئولين فيهما من أغنياء البلد , بينما ظل معظم الشعب يعاني الفقر والبؤس ويزداد فقراً وبؤساً كلما ازداد القادة ثروة وغنىً ,ولو نظر كل واحد منا حوله لوجد أمثلة حية على ذلك , وسيجد بالطبع أمثلة معاكسة نظيفة , فتكوّنت معادلة جديدة شعارها : السلطة والثورة طريقاً للثروة ... هذه المعادلة التي تؤدي بالضرورة إلى إفساد الثورة والثوار .