نشر بتاريخ: 19/08/2015 ( آخر تحديث: 19/08/2015 الساعة: 11:16 )
الكاتب: أيمن هشام عزريل
بالرغم من التقدم الهائل في شتى مناحي المعرفة والعلوم، إلا أنه لا يبدو أن البشرية قد تعلمت بعد من نتائج ما أحدثته النزاعات والحروب على البشر، فلا تزال تنتهك حقوق وكرامة الإنسان بشكل واسع وإن بنسب متفاوتة، ولعل هذا متأتي من عوامل ذاتية وموضوعية تتميز بها الطبيعة البشرية، ورافق ذلك تقليص انتشار المد الإسلامي ومد نفوذه الذي يتعارض مع الثقافة التي تتبناها الرأسمالية، والتي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن.
العنف الذي يقوم به الأفراد والدولة يقع من جانب أفراد المجتمع وقد تقوم به الدولة في تعاملها مع مواطنيها أو مع الجماعات التي تمارس مختلف النشاطات في المجتمع، ووفقاً لذلك فإن الحكومات تسعى إلى تحريم أعمال العنف، وأول خطوة تقوم بها في هذا الشأن أن تجعل كل أعمال العنف التي يقوم بها الأفراد والجماعات هي غير قانونية لكي تحفظ لنفسها احتكار وسائل العنف الكبرى في المجتمع، وعليه فإن العنف لا يقتصر على الأفراد والجماعات، وإنما تستخدمه الدول أيضاً وتمارس القوة بأجهزتها وهيئاتها المختلفة.
ولا بد هنا من أن نفرق بين القوة والعنف فهما ليسا مفهومين مترادفين، فالعنف يختلط بأنماط كثيرة من السلوكيات في المجتمع التي تتباين فيما بينها من ناحية شدتها أم من ناحية الأشكال التي تتخذها (كالقتل،والتمرد ....الخ) وعليه فإن آثار العنف قد تتنوع بدرجة معينة من التوتر الشخصي إلى فعالية جماعات كبيرة من الشغب، وكذلك إلى اللااستقرار السياسي بل وتدمير النظام القائم تدميراً كاملاً، أما القوة فهي ترتبط بالسلطة حيث تستخدمها بطريقة شرعية، وضمن نظام اجتماعي معين وعليه فإن السلطة والعنف متعارضان حيث يسود أحدهما بصورة مطلقة فإن الآخر يختفي عن الوجود ويظهر العنف عندما تكون السلطة واقعة في مأزق.
من المعلوم إن العنف يتخذ أشكالاً متعددة حسب المصدر الذي تنبعث منه، فالعنف كان دائماً مقروناً بالدولة منذ نشوئها حتى في الوقت الحاضر، واستخدام العنف بين الدول هو نسبي ومشروط بعوامل كثيرة حضارية واجتماعية وسياسية على اعتبار أن الدولة وجدت لغرض التخلص من الفوضى، أن الدولة ما هي إلا أداة قمع بيد الطبقة الحاكمة المسيطرة في المجتمع.
وقد يتخذ العنف وفقاً لما يقوم به الأفراد أو الجماعات على شكل تآمر يكون منظم بدرجة عالية، ويسهم في عدد محدد من الأفراد سواء كانوا عسكريين أم مدنيين، وأحياناً يأخذ صيغ متعددة كصيغة الإرهاب أو صيغة اغتيالات سياسية منظمة أو يحدث التآمر بين العناصر الحاكمة بعضهم ضد بعض، وهذا ما نلاحظه متفاقماً في البلدان التي تعاني من عدم الاستقرار، إلا إن هذا النوع من العنف حتى وإن استطاع إزالة النخبة السياسية فالبديل لها لا يمكن أن يؤدي إلى تغيير الحياة العامة، أما فيما يتعلق الأمر بجماعات الضغط أي الأشخاص التي ترتبط فيما بينهم بعلاقات اجتماعية خاصة ومصالح مشتركة تفرض على أعضائها نمطاً من السلوك الجماعي، هؤلاء يدافعون بالوسائل المتيسرة لديهم وقد تكون علنية أو سرية ويسعون إلى الضغط على هيئات السلطة في الدولة لكي تتخذ قرارات ترعى مصالحهم أو أهدافهم المشتركة، وهذا التجمع أما أن يكون ذات طابع مهني أو ديني أو ثقافي أو مالي أو إداري .. الخ، والميزة المشتركة من كل هذه الأنواع من جماعات الضغط هي نشاطها الموجه دائماً إلى تحقيق مصلحة ضيقة ولا تحمل معنى (المصلحة العامة)، لهذا قد يأخذ العنف في مثل هذه الحالة حرب داخلية، بمعنى العنف السياسي المنظم الذي تصبحه مساهمة شعبيه واسعة موجهة إلى قلب نظام الحكم أو تفكيك الدولة وهذا متأتي طبعاً من الحرمان من العديد من شروط الوجود الاجتماعي، أو أن تكون كفاحاً مسلحاً ضد احتلال أجنبي، وقد يتحول إلى حرب أهلية فيما إذا توفر دعم خارجي.
إن القوى المتصارعة التي تطمح للسيطرة على العالم أو التأثير به، والمعركة المتزايدة التي تشكل موضوع تحول السلطة ينحسر فيها تأثير عاملين هما عامل القوة وعامل المال ليبرز عامل ثالث مهم ينتج المال والقوة وليس العكس وهو (عامل المعرفة)، لعل هذا يتضح من خلال قول الكاتب الفن توفلر صاحب كتاب (صدمة المستقبل) حيث قال: في عشرات السنين القادمة سنشهد صراعاً ضخماً من أجل السلطة بين أنصار النزعة العالمية، وبين المدافعين عن السيادة الوطنية، وهو نزاع سيكون موضوعه طبيعة المؤسسات الجديدة المكلفة بتنظيم عمل الأسواق العالمية لرؤوس الأموال، ولكن لن يكون هذا إلا وجهاً من وجوه المجابهة بين النظام الصناعي المشرف على الموت وبين النظام الاقتصادي الجديد لخلق الثروة الذي هو قيد النشأ.
ومن هنا يمكن الإدراك إن هكذا وضع يخلق نمطاً من الحياة الاجتماعية تنعكس سلباً لدول وشعوب العالم الثالث (الدول النامية)، حيث بقيت تلك الدول النامية تتفاوت في مرجعيتها الثقافية والسياسية فانطوت فيها تيارات العنف والتطرف، وعياً منها بأن هذه الأدوات أنجع في الحل وأعمق في الطرح والتناول وأكثر تأثير في عالم اليوم، ومن هنا خلقت تيارات متصارعة داخل هذه الدول أخذت طابع الصراع والعنف باتجاهين الأول هو العنف بدافع العامل النفسي الشخصي الذي تولد نتيجة الإحباط والاستلاب السياسي إضافة إلى عامل البنية الاجتماعية وتقاليد المجتمع، أما العامل الآخر هو العامل النفسي النوعي والتي يرتبط بطبيعة ردة الفعل تجاه الإلغاء والتهميش الذي ولد هو الآخر خوفاً باتجاهين هما الخوف من معتنقي تلك الثقافات والأيديولوجيات (الإسلام كمثال) الذي يصور بأنه يمثل حلقة الصراع مع الغرب، والآخر هو مشكلة الهوية الثقافية الذي تراجع بسبب التقصير بتعريفها إزاء الطرف الأول بشكل علمي أكاديمي منهجي مدروس ومعاصر، ذلك أدى إلى التباين في الإدراك ومن ثم تعزيز الصراع وانتشار ثقافة العنف المتناقضة مع متطلبات النهضة المعاصرة.